وكان مِن أصبح الناس وجهًا، ومِن أفصحهم لسانًا. عَكَفَ في صِباهُ على اللَّهْوِ والتَغَزُّل بالنساء، فسمَّاهُ أخوهُ كُلَيبٌ «زِيرَ النِّساءِ» أيْ: جَلِيسُهُنَّ. ولما قَتَل جَسَّاسُ بْنُ مُرَّةَ كُلَيبًا ثارَ المُهَلهِلُ، فانقطع عن الشراب واللهو، إلىٰ أن يثأر لأخيه، فكانت وقائعُ بَكرٍ وتَغلِبَ، التي دامت سنوات طِوَال، وكانت للمهلهل فيها العجائبُ والأخبارُ الكثيرة.[2]
طَـفـَلـة ما ابْنة المجللِ بـيضـاءُ
حوراء الـعـوبٌ لـذيذةٌ في العناقِ
فاذهبي مـا إليك غـير بـعيدٍ
لايؤاتي العـناقَ مـن في الوثاقِ
ضربتْ نحرها إليَّ وقالت
ياعديّاً، لقد وقـتكَ الأواقي
أما تسميته بالزير فقد سماه أخوه كليب (زير النساء) أي جليسهن.
كما يقال: إنه لقب مهلهلا لأنه هلهل الشعر أي أرقّه وهو من الشعراء الكذبة لبيت قاله وهو:
وفي رواية أخرى أنه لما عاد العبدين إلى ابن أخيه الجرو وأخته اليمامة، قالا لهما أن عمهما قال أنشدهما هذا البيت:
فلم يفهم الجرو مغزى البيتين فنادى اليمامة فلما قال لها العبدان البيتين صاحت وقالت عمي لا يقول أبياتاً ناقصة وإنما أراد أن يقول لنا:
وهي كنيته وذلك لأنه لم يكن له أولاد ذكور بل فتلقب بأكبر بناته وهي ابنته ليلى وله ابنة أخرى يقال لها عبيدة، وقد زوج ليلى لكلثوم بن مالك التغلبي فولدت له عمرو بن كلثوم بن مالك صاحب المعلّقة الشهيرة وزوج عبيدة لمعاوية بن عمرو بن معاوية الجنبي المذحجي فأنجبت له بني عبيدة.[10] وقد اختلف الرواة في أسماء بناته مع اتفاقهم على أنه لم يكن له من الذرية إلا ابنتان فقالوا ليلى وعبيدة وقالوا هند وعبيدة وقالوا سلمى وسليمى.
كانت أشعار المهلهل هي وسيلة من وسائل الإثارة على الأخذ بالثأر، فقد كان يقيم لأخيه مناحة دائمة في شعره حتى تبقى الفجيعة به حية نابضة يشعر بها أفراد قبيلته كما يشعر بها هو نفسه، ومعظم القصائد التي رثا بها أخاه يصف فيها دموعه وعيونه المتقرحة ويكرر نداءه لأخيه ويذكر مآثره وكرمه وشجاعته، ومن أبرز أبيات شعره ما يلي:
خليلي لما الكل للدهر مني عواذل
ألأنني كنت أنا لو كان ثمة كامل
نعى النعاة كليبًا لي فقلت لهم
مادت بِنا الأرض أم مادت رواسيها
كليب لا خير في الدنيا ومن فيها
إن أنت خليتها في من يخليها
إِنَّ في الصَدرِ مِن كُلَيبِ شُجوناً
هاجِساتٍ نَكَأنَ مِنهُ الجِراحا
أَنكَرَتني حَليلَتي إِذ رَأَتني
كاسِفَ اللَونِ لا أُطيقُ المُزاحا
وَلَقَد كُنتُ إِذ أُرَجِّلُ رَأسي
ما أُبالي الإِفسادَ وَالإِصلاحا
بِئسَ مَن عاشَ في الحَياةِ شَقِيّاً
كاسِفَ اللَونِ هائِماً مُلتاحا
يا خَليلَيَّ نادِنا لي كُلَيباً
وَاِعلَما أَنَّهُ مُلاقٍ كِفاحا
يا خَليلَيَّ نادِنا لي كُلَيباً
ثُمَّ قولا لَهُ نَعِمتَ صَباحا
يا خَليلَيَّ نادِنا لي كُلَيباً
قَبلَ أَن تُبصِرَ العُيونَ الصَباحا
لَم نَرَ الناسَ مِثلَنا يَومَ سِرنا
نَسلُبُ المُلكَ غُدوَةً وَرَواحا
وَضَرَبنا بِمُرهَفاتٍ عِتاقٍ
تَترُكُ الهُدمَ فَوقَهُنَّ صُياحا
تَرَكَ الدارَ ضَيفُنا وَتَوَلّى
عَذَرَ اللَهَ ضَيفَنا يَومَ راحا
ذَهَبَ الدَهرُ بِالسَماحَةِ مِنّا
يا أَذى الدَهرِ كَيفَ تَرضى الجِماحا
وَيحَ أُمّي وَوَيحَها لِقَتيلٍ
مِن بَني تَغلِبٍ وَوَيحاً وَواحا
يا قَتيلاً نَماهُ فَرعُ كَريمٌ
فَقدُهُ قَد أَشابَ مِنّي المِساحا
كَيفَ أَسلوا عَنِ البُكاءِ وَقَومي
قَد تَفانَوا فَكَيفَ أَرجو الفَلاحا
وأما القصيدة التي تبدأ ب (يقول الزير أبو ليلى المهلهل وقلب الزير قاسي لا يلينا) فهذه من الروايات الشعبية التي تم تأليفها في العصر العثماني، لأن القصيدة ليست على النظام العروضي ل الفراهيدي، فهي ليست من تأليف مهلهل، بل تنتمي إلى الشعر النبطي الحديث، وهي:
يقول الزير أبو ليلى المهلهل
وقلب الزير قاسي مايلينا
وإن لان الحديد ما لان قلبي
وقلبي من الحديد القاسيينا
تريدي يا أميمة أن أصالح
وما تدري بما فعلوه فينا
فسبع سنين قد مرت علي
أبيت الليل مغموما حزينا
أبيت الليل أنعي في كليب
أقول لعله يأتي إلينا
كأن كليب في قبره وحشا
وتخشاه الذئاب الجائعينا
أتتني بناته تبكي وتنعي
تقول اليوم صرنا حائرينا
فقد غابت عيون أخيك عنا
وخلانا يتامى قاصرينا
وأنت اليوم يا عمي مكانه
وليس لنا بغيرك من معينا
سللت السيف في وجه اليمامة
وقلت لها أمام الحاضرينا
وقلت لها ويحك ما تقولي
أنا عمك حماة الخائفينا
كمثل السبع في صدمات قوم
أقلبهم شمالا مع يمينا
فدوسي يايمامة فوق رأسي
على شاشي إذا كنا نسينا
فإن دارت رحانا مع رحاهم
طحناهم وكنا الطاحنينا
أقاتلهم على ظهر المطهم
أبو حجلان مطلق اليدينا
فشدي يايمامة المهر شدي
وأكسي ظهره السرج المتينا