يوجد بعض من الآراء حول إعطاء لقب القانوني للسلطان سليمان القانوني، حيث يرى البعض أن ذلك مرتبط بمجموعة القوانين التي وضعت في عهد السلطان سليمان القانوني، والتي بلغت مجموعها مائتي قانون تقريبا. هناك من يقول أن السبب في إطلاق لقب «القانوني» لقيام السلطان سليمان الأول بنبذ قوانين الشريعة وإحلاله القوانين التي وضعت محلها. وهناك من يقول أن هذا هو السبب في أن بعض كبار علماء الإسلام لهم موقف سلبي من السلطان سليمان، بخلاف موقفهم من السلاطين الآخرين.
ان السبب الأول والأهم لإطلاق لقب «القانوني» على السلطان سليمان يعود إلى قيامه بتدوين القوانين التي وضعت في عهد السلطان محمد الفاتح وفي عهد بايزيد الثاني وفي عهد السلطان سليم، هذه القوانين التي وضعت من قبل السلاطين نتيجة قيامهم باستعمال ما خولته الشريعة الإسلامية لأولي الأمر من صلاحية محدودة في وضع القوانين وسنّها. ومع أن السلطان هذه القوانين كانت مدونة في السابق، إلا أن السلطان سليمان كان أفضل من قام بتحريرها.
حصل انطباع عند بعض كبار العلماء المسلمين من أن السلطان سليمان جلب بعض القوانين من أوروبا، وأن هذا اللقب يعود إلى وضعه بإرادته بعض القوانين الأوروبية المخالفة لقوانين الشريعة الإسلامية، ويجب أن نذكر بأن هذه القوانين التي تزيد عن مائتي قانون تقريبا ليست كلّ القوانين العثمانية، بل ربما لا تشكل سوى 10% منها، أما 90% من القوانين التي كانت تشكل هيكل النظام القانوني في الدولة العثمانية فكانت من القوانين الشرعية الموجودة في كتب الفقه وكتب أحكام الشريعة الإسلامية، وكان هذا هو الوضع في عهد السلطان سليمان القانوني أيضا.
قيامه بتطبيق القوانين على الجميع بكل عدل ودون أي تمييز، والمادة الآتية الموجودة في قوانينه دليل جيد على ما نقول: «القاعدة الثابتة أن العقوبات الموضوعة للجرائم تكون عامة للجميع سواء أكان سباهيا» فارسا«أو من الرعايا، أو شريفا أو وضيعا أو دنيئا، فمن ارتكب أي جريمة من هذه الجرائم فإنه يلاقي العقوبة المنصوص عليها».
شاهزاده محمد - (1521 - 1543) - أكبر أبنائه من خُرَّم سلطان. ووالي مانيسا في 1542-1543. قبل موته كان يعتبر الوريث الأوفر حظا لخلافة والده، عُيّن بسنجق مانيسا في عهد والده.
تولى السلطان سليمان القانوني بعد موت والده السلطان سليم الأول في 9 شوال926هـ - 22 سبتمبر1520م، حيث كان في الصيد بعيدا عن والده ولم يحضر وفاته بسبب الخوف من القتل الذي زرعه السلطان سليم الأول في الجميع، وبدأ في مباشرة أمور الدولة العثمانية، وتوجيه سياستها، وكان يستهل خطاباته بالآية القرآنية ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ٣٠﴾ [النمل:30].
كان عهد القانوني قمة العهود العثمانية سواء في الحركة الجهادية أو في الناحية المعمارية والعلمية والأدبية والعسكرية، كان هذا السلطان يؤثر في السياسة الأوربية تأثيرا عظيما وبمعنى أَوضح كان هو القوة العظمى دوليا في زمنه، نعمت الدولة الإسلامية العثمانية في عهده بالرخاء والطمأنينة. لكنه ابتلي في السنوات الأولى من عهده بأربعة تمردات شغلته عن حركة الجهاد، إذ أتاح موت سليم الأول وكان متصلبا، ثم جلوس ابنه على العرش وهو صغير السن، أتاح الفرصة لكي يظن الولاة الطموحون للاستقلال أنهم قادرون على ذلك، فلما وصل خبر تولية سليمان العرش، إلى الشام وكان جان بردي الغزالي واليا عليها من قبل الدولة العثمانية، تمرد وأشهر العصيان على الدولة.
وكان الغزالي قد تواصل مع الصفويين على الثورة على العثمانيين بعد موت الخليفة سليم الأول مباشرة وبالفعل بعد وفاة الخليفة أعلن الغزالي التمرد والعصيان وأمر السلطان سليمان بقمع الفتنة فقمعت وأرسل رأس الثائر إلى إسطنبول دلالة على انتهاء التمرد.
أما التمرد الثاني فقام به أحمد باشا الخائن في مصر وكان هذا عام 930هـ، 1524 م. وكان هذا الباشا يطمح أن يكون صدرا أعظما ولم يفلح في هذا، لذلك طلب إلى السلطان أن يعينه واليا على مصر فقبل السلطان، وما أن وصل مصر حتى حاول استمالة الناس وأعلن نفسه سلطانا مستقلاً، لكن أهل الشرع في مصر وكذلك جنود الإنكشارية لا يعرفون إلا سلطانا واحدا خليفة لكل المسلمين هو السلطان سليمان القانوني، لذلك ثار أهل الشرع والجنود ضد هذا الوالي المتمرد وقتلوه، وظل اسمه في كتب التاريخ مقرونا باسم الخائن.[24]
والتمرد الثالث ضد خليفة المسلمين هو تمرد شيعـي قام به بابا ذو النون عام 1526 م في منطقة يوزغاد حيث جمع هذا البابا ما بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ثائر وفرض الخراج على المنطقة، وقويت حركته حتى أنه استطاع هزيمة بعض القواد العثمانيين الذين توجهوا لقمع حركته، وانتهت فتنة الشيعة هذه بهزيمة بابا ذو النون وأرسل رأسه إلى إسطنبول.[25][26]
والتمرد الرابع ضد الدولة العثمانية في عهد سليمان القانوني كان تمرداً شيعيا أيضا، وكان على رأسه قلندر جلبي في منطقتي قوينه ومرعش وكان عدد أتباعه 30000 شيعي قاموا بقتل المسلمين السنيين في هاتين المنطقتين. ويقول بعض المؤرخين أن قلندر جلبي جعل شعاره أن من يقتل مسلماً سنيّاً ويعتدي على امرأة سنية يكون بهذا قد حاز على أكبر ثواب.
توجه بهرام باشا لقمع هذا العصيان فقتله العصاة، ثم نجحت الحيلة معهم إذ إن الصدر الأعظمإبراهيم باشا قد استمال بعض رجال قلندر جلبى، فقلت قواته وهزم وقتل. بعد هذا هدأت الأحوال في الدولة العثمانية وبدأ السلطان سليمان في التخطيط لسياسة الجهاد في أوروبا.[27][28][29]
وحدث أن ذهب وفد فرنسي إلى سليمان القانوني يطلب منه مهاجمة بلاد المجر في سبيل تشتيت جيوش شارلكان وإضعافها، واكتفى السلطان بكتاب من طرفه يعد فيه بالمساعدة وكان يريد الاستفادة من هذه الفرصة من أجل تسديد ضرباته لمملكة النمسا وتشديد الخناق على دول أوروبا، ومما يجدر الإشارة إليه أن استعانة فرنسا بما لها من قوة وثقل كاثوليكيمسيحي في أوروبا آنذاك بالدولة العثمانية المسلمة، يعطي المطلع فكرة عما وصل إليه العثمانيون من قوة وصيت وعالمية في ذلك الزمان.
أراد الحلف الفرنسي العثماني غزو إيطاليا بسبب ثراء المدن الإيطالية وازدهار ثقافاتها بالإضافة إلى وجود مقر البابا قائد النصرانية في روما، وبالفعل توجه سليمان الأول بمئة ألف جندي لمهاجمة إيطاليا من الشرق، وهبط خير الدين بربروس من جهة الجنوب في ميناء أوترانة الإيطالي[32][33]، كما تقدم الفرنسيون من جهة الغرب الإيطالي، وكان الهدف من هذا هو هجوم واحد وكبير من ثلاثة جهات، إلا أن توجس الملك الفرنسي من أن يتهم بالردة عن المسيحية من قبل العامة ورجال الدين (لتعاونه عسكريا مع دولة مسلمة) جعله يعلق عملياته العسكرية ويكتفي بمهادنة شارلكان، ولو أن الحملة العسكرية المشتركة تمت كما خطط لها لغدت إيطاليا بكاملها ولاية عثمانية.
رسالة الاستغاثة من ملك فرنسا - واستجابة سليمان القانوني
كان السلطان سليمان يقود الحملات الهامة بنفسه وقد توغل في عمق أوربا حتى وصل إلى فيينا. وقد قاد القانوني بنفسه ثلاث عشرة حملة عسكرية كبرى وفتح بنفسه 360 حصنا وقلعة.[34] وقد بلغ الجيش في عهده درجة عالية من القوة بحيث كانت تخشاه جميع الجيوش فقد حاولت إسبانيااحتلالهولندا فطلب ملك هولندا وقتها المساعدة من السلطان سليمان القانوني فأرسل له أربعين بدلة من لباس الجيش الإنكشاري ليلبسها الجنود الهولنديون في المعركة وعندما شاهدها الإسبان ظنوا أن العثمانيين يحاربون بجانب الهولنديين فتوقفت اعتداءاتهم ثلاثين عاما.[35] ولم تكن قوات المشاة هي الأقوى عالميا فحسب بل كانت المدافع العثمانية في عهده متميزة على جميع المدافع في العالم.[36] وكانت قيادته للجيش العثماني قد أكسبته هيبة بين شعبه وجيشه وطاعتهم له وساعدت قيادته للجيش بعدم حصول أي تمرد أو عصيان من الجيش العثماني أو الإنكشارية عليه.[37] وكان الجيش منظما فلم يكن هناك فرق بين جنديوفارسوقائد إلا في حدود الرتبةوالمكانة العسكرية. لا مجال للتطاول والعدوان على أهل البلدان التي يمرون عليها.. فإذا اشتروا شيئًا من أهل بلدة لابد من دفع ثمنه.. وإذا قام أحد الأهالي بخدمة أو مهمة مهما كانت بسيطة لا بد من أن يأخذ أجره.
وإذا تسبب الجيش أثناء مسيره في عطب، أو أحدث أي خسائر لأحد، فلا بد من تعويضه ولا بد من إصلاح ذلك العطب.. بل قام الجيش العثماني أثناء تنقلاته بإصلاح وترميم الطرق والجسور التي كانت في حاجة إلى إصلاح وترميم.[38]
في نهاية عهده كان عدد الجنود السباهية في الجيش أكثر من أحد عشر ألف جندي وعدد الجنود من حملة الأعلام 620 جندي وعدد جنود فرقة المدفعية تجاوز 1200 جندي وسائقو عربات المدفعية تجاوز 670 شخص.[39]
قدر عدد الإنكشارية في عهده بإثني عشر ألف جندي. وكان دائما ما يهتم بتطوير الجيش ففي عام 1557 أمر القانوني بإنشاء مصنع للقنابل النحاسية في القدس.[40]
ولقد انتشر خبر فتح بلغراد، أحد أحصن قلاع النصارى، كالنار في الهشيم وانتشر معه الخوف عبر أوروبا، كما ذكر ذلك سفير الإمبراطورية الرومانية المقدسة: كان فتح بلغراد أصل عدة أحداث درامية ضربت المجر أبرزها موت الملك لويس الثاني واحتلال بودا وضم ترانسيلفانيا وتدمير مملكة مزدهرة وخوف البلدان المجاورة التي خافت مواجهة المصير نفسه".[43]
كان الجيش في جزيرة رودس المدعوم من الكنيسة في روما[44] دائمًا ما يتعرض للسفن الإسلامية وينهب محتوياتها ثم تعرض لإحدى سفن الحجاج وبعض السفن التجارية وقتل عددا من الركاب المسلمين عندها عزم الخليفة سليمان القانوني على فتح الجزيرة.[45] وعندما سمع أمير الجزيرة بالحملة التي يعدها القانوني عرض عليه دفع الجزية ليتمكن من طلب العون من أوربا لكن الخليفة تنبه لهذا الأمر ورفض طلبه.[46] وعندما أبى رهبان الجزيرة تسليمها إلى العثمانيين، دكت المدفعية العثمانية جدران حصنها المنيع والذي كان يعد أحد أمنع الحصون في العالم في ذلك الحين، ويقال أن القوة البرية العثمانية حفرت ما يقارب 50 سردابا تحت الحصن، وشنوا هجوما على المدينة من تحت الأرض، ولكن القوة المدافعة تفانت في الدفاع عن الجزيرة، وردت هذا الهجوم المفاجئ، كما دافعوا بكل قوة عن حصن جزيرتهم، ويروي أن نساء رودس كانت تعاون رجالها ورهبانها في الدفاع عن أسوار الجزيرة، ولما انقطعت الحلول من أمام رئيس الرهبان مع نفاذ مؤونته وذخيرته آثر التسليم في سنة 929هـ.[47] وبعد دخول الخليفة العثماني رودس ظافرا، اختار كبار القساوسة وفرسانهم مغادرة الجزيرة، فاتجهوا إلى مالطا وأقاموا فيها لمواصلة الهجوم على السفن الإسلامية (وعرفوا بـفرسان القديس يوحنا الأورشليمي أو فرسان مالطا).[48]
تحولت طموحات السلطان القانوني إلى بلاد المجر لاسيما بعد تدهور العلاقات معها والمراسلات التي دارت مع الفرنسيين والذين تقدموا بطلب لدى السلطان لكي يهاجم المجر لإضعاف الملك شارلكان ورفع شيء من الضغط عن الفرنسيين في الغرب.[49] حشد سليمان الأول الجيوش وسار بها نحو بلاد المجر عبر بلغراد التي كانت تحت سلطة العثمانيين منذ العام 1521، وفي طريقه فتح عدد من القلاع،[50] وقطع أكثر من ألف كيلومتر للوصول إلى مكان المعركة.[51] وذلك خلال 128 يوما.[52] وفي أثناء سير الجيش العثماني أعلن بابا الفاتيكان النفير في جميع أنحاء أوربا.[53] ثم التقى الجيش العثمانيبالجيش المجري في منطقة موهاكس وكان عدد جنود الجيش العثماني مئة ألف وعدد جنود الجيش المجري مئتي ألف مدعومين من كل ممالك أوروبا وكان معهم البابا وفرسانهم قد تدرعوا بالحديد.[54] وجرت معركة موهاكس الفاصلة سنة 932هـ - 1526م التي انتهت بعد ساعتين بانتصار العثمانيين وإبادة جميع الجيش المجري والأوربي المساند له[55] وتسلم السلطان القانوني مفاتيح عاصمةالمجربودا (و تعني البلد العالي)، ويجدر الإشارة هنا أن بودابست كانت عبارة عن مدينتين منفصلتين آنذاك وهما: بود وبست. واستيقظت المقاومةالمجرية لكنها فشلت وأصبح العثمانيونالقوة المسيطرة في أوروبا الشرقية.[56] وعندما رأى السلطان جثة لويس الهامدة عبر سليمان عن أسفه قائلا: قدمت بالفعل مسلحاً إليه ولكن لم تكن نيتي أن يُقتل هكذا وهو لم يذق حلاوة الحياةوالملك بعد.[57][58]
يقول المؤرخ الفرنسي «إرنست لافيس» يصف آثارَ تلك المعركة: "لم يشهد التاريخ حربًا كموهاج، حُسِمت نتيجتها على هذه الصورة في مصادمةٍ واحدة، ومحَت مستقبل شعبٍ كبير لعصورٍ طويلة.[59] عند عودة سليمان الأول من بلاد المجر اصطحب السلطان معه الكثير من نفائس البلاد وخاصة كتب كنيسة ماتياس كورفن، وهي كنيسة اعتاد الأوروبيون على تسميتها بكنيسة التتويج لأن الملوك الأوروبية كانت تتوج فيها، وحول المسلمون تلك الكنيسة إلى مسجد وأُضيف إليها النقوش العربية، وأُعيد المسجد كنيسةً عندما خرج العثمانيون من هنغاريا (المجر) وبقيت النقوش العربية حتى يومنا هذا.
أراد الخليفة العثماني سليمان القانوني فتح إيطاليا بسبب ثراء المدن الإيطالية وازدهار ثقافاتها بالإضافة إلى وجود مقر البابا قائد النصرانية في روما، وبالفعل توجه سليمان الأول بمئة ألف جندي لمهاجمة إيطاليا من الشرق، وهبط خير الدين بربروس من جهة الجنوب في ميناء أوترانة الإيطالي، كما تقدم الفرنسيون من جهة الغرب الإيطالي، وكان الهدف من هذا هو هجوم واحد وكبير من ثلاث جهات، إلا أن توجس الملك الفرنسي من أن يتهم بالردة عن النصرانية من قبل العامة ورجال الدين -لتعاونه عسكريا مع دولة مسلمة- جعله يعلق عملياته العسكرية ويكتفي بمهادنة شارلكان، ولو أن الحملة العسكرية المشتركة تمت كما خطط لها لغدت إيطاليا بكاملها ولاية عثمانية.[79]
في مالطا ذات الموقع الاستراتيجي أعاد فرسان القديس يوحنا تشكيل أنفسهم بعدما طردهم سليمان من رودس (1522) تحت اسم فرسان مالطة بدءاً من 1530. أثارت قرصنتهم ضد سواحل شمال إفريقيا وسفن المسلمين في البحر غضب الدولة العثمانية التي أرسلت حملةً عظيمةً لفتح مالطا عام 1565. بدأ حصار مالطا الكبير في 18 مايو/أيار واستمر حتى 8 سبتمبر/أيلول. في البداية بدت المعارك تكراراً للمعارك في رودس فدَمّرت عدة مدنٍ في مالطا وقضى نحو نصف الفرسان نحبهم في القتال (ومنهم قائدهم فاليتي الذي سَمّيت فاليتا عاصمة مالطا على اسمه)، لكن بوصول مددٍ من إسبانيا تغير ميزان القوى فانسحب العثمانيون بعدما خسروا ثلاثين ألف قتيلٍ في صفوفهم.[83]
كان العثمانيون يقسمون الدولة إلى إيالات ويعينون على رأس كل إيالة عثمانيةبيكلربكي ليدير أمور هذه الإيالة وعند فتح مناطق جديدة واستقرار العثمانيين بها يتم إنشاء إيالة خاصة بهذه المنطقة[85]
وقد قام خير الدين بربروس -بفضل المساعدات التي كان يتلقاها من السلطان سليمان القانوني- بضرب السواحل الإسبانية، وإنقاذ آلاف من المسلمين في إسبانيا، فقام في سنة 935هـ - 1529م بسبع رحلات إلى السواحل الإسبانية لنقل سبعين ألف مسلم من قبضة الحكومة الإسبانية.[80]
بما أنه كان يقود إمبراطورية مترامية الأطراف وقد قاد عدة حملات في مناطق مختلفة لإخضاعها لدولته فقد دخل القانوني عدة مدن أثناء حملاته العسكرية أشهر تلك المدن:
فيينا: وصل إلى أسوارها مرتين في محاولة لفتحها لكنه فشل في ذلك المرة الأولى كانت عام 1529 والمرة الثانية عام 1532 واضطر سليمان القانوني للعودة لأن الصفويين استغلوا وجوده في أقصى غرب أوروبا وبعده عن مركز خلافته فقاموا بالهجوم على بغداد فاضطر الجيش العثماني للانسحاب للسيطرة على بغداد.[116][117][118]
حلب وذلك في 8 نوفمبر1533 استعدادا للحملة الثالثة على الدولة الصفوية. وبقي في هذه المدينة خمسة أشهر.[119] كذلك قام بعدة زيارات لهذه المدينة غير هذه الزيارة.[120]
سليمان القانوني والبيئة
في عام 1539 م/898ه أصدر الخليفة سليمان القانوني أول لائحة قانونية للحفاظ على البيئة في أوربا وفي عهده وُجد موظفون مختصون بالحفاظ على نظافةالبيئة، وكان يطلق عليهم اسم «جوبلوك صوباشيسي»، رغم أن هذه المواد تبدو من المسلمات في هذا العصر إلا أنها في ذلك الوقت لم تكن كذلك في أي بقعة من العالم. وهذه بعض المواد من اللائحة التي أصدرها السلطان سليمان القانوني:
المادة الأولى: ضرورة المحافظة على نظافة المناطق المحيطة بالمساكن وبالدكاكين.
المادة الثالثة والرابعة: ضرورة قيام البقالين وأصحاب المهن الأخرى بنقل الفضلات والمياه الوسخة إلى خارج المدينة.
المادة العاشرة: عدم السماح لأصحاب العربات بإيقاف عرباتهم أمام المنازل والدكاكين بل إيقافها في محلات وقوف خاصة.
وهذه بعض المواد القانونية الواردة في لائحة «المحظورات بخصوص نظافة البيئة» المرسلة من السلطان سليمان إلى شعبة مدينة أدرنة:
عدم رمي الأزبال والأوساخ أمام البيوت والدكاكين ورفع ما رمي منها.
على موظف صوباشي إبداء غاية الاهتمام بنظافةالأسواق ومحلات السكنى وإجبار أصحاب البيوت والمحلات على رفع الأوساخ القريبة من بيوتهم ومحلاتهم وفي حال قول بعضهم إني لم أرم هذه الأوساخ البحث عن الفاعل وإجباره على تنظيف المكان.
يمنع القائمون على غسل الملابس وكذلك القائمون على فصد الدم سكب المياه القذرة والدماء على الطرق العامة بل يجب نقلها إلى الخلوات.
يمنع الطباخون وبائعو رؤوس الأغنام المشوية والسراجون من رمي الأعشاب وفضلات الحيوانات على الطرق ويجبرون على نقلها إلى الخلوات.
بعد أن أنشأ العديد من المساجدوالخاناتوالحماماتوالقلاع لخدمة رعاياه أمر القانوني بإنشاء بيوت للطيور لحمايتها من البرد وتأمين مأوى لها.[125] كذلك في عام 1550، أصدر السلطان سليمان القانوني قرارًا وأعلن فيه منع زيادة الثقل على الحيوانات أثناء إنشاء جامع السليمانية. كما كانت الأحصنة التي تحمل ثقلا ترتاح في يوم الجمعة، ولا يركب عليها أحد حتى ترتاح جيدا.[126]
كان التعليم مجالا مهما للسلطان. منحت مدارس المساجد والتي تمولها المؤسسة الدينية تعليما مجانيا لأطفال المسلمين وكانت متقدمة على تلك في الدول النصرانية في ذلك الوقت.[127] في العاصمة، زاد سليمان عدد المدارس إلى أربعة عشر تعلم الصغار القراءةوالكتابة ومبادئ الإسلام. وأمكن للأطفال الذين رغبوا مواصلة تعليمهم الشروع في واحدة من ثمانية مدارس جامعة، والتي شملت شعبها قواعد اللغة والميتافيزيقياوالفلسفةوعلم الفلكوالتنجيم.[127] منحت المدارس الجامعة العليا تعليما بدرجة جامعات اليوم، وأصبح خريجوها أئمة أو معلمين. شملت المراكز التعليمية في كثير من الأحيان واحدا من المباني العدة المحيطة بباحات المساجد أما المباني الأخرى فكان بها المكتبات وقاعات الطعام والنوافيرومطابخالحساءوالمستشفيات لصالح العامة. وعلى إثر شعور الدولة العثمانية بضرورة التطور في العلوم الرياضية والطبية أقام السلطان أربع مدارس لعلوم الرياضيات ومدرسة للطب ومدرسة دار الحديث، وفي عام 1557 م تم إنشاء كلية السليمانية بإشراف المعمار سنان، وحسب ما روى المؤرخ (باجوي) عمل في بناء الكلية 3523 عامل وتم صرف مبالغ كبيرة عليها وتم نقل مختلف أنواع الأحجار والأعمدة إليها من جزيرة بوزجه وازميت وغزةولبنان وغيرها من المدن، وقُسّمت الكلية إلى 15 قسماً، من بين أقسامها الجامع ومدرسة الطب ومشفى الأمراض العقلية، ومدرسة الحديث والمطبعة ودار الضيافة وضريح معمار سنان.[128][129]
وأنشأ المدارس المجانية لعموم الرعية وطور مراكز التعليم ورفعها إلى مصاف الجامعات[130]
ففي منتصف القرن السادس عشر كان في الأناضول مئات المدارس التي تخرج القضاة.[131] وفي عام 1529 كان يوجد في أدرنة أربع عشرة مدرسة.[132] بعد إنشائه للعديد من المدارس وضع لها نظاما للدراسةوالعمل فيها؛ فقد نظّم السلطان سليمان التعليم في تلك المدارس في اثنتي عشرة درجة، ولكل درجة اسمها الخاص، وعلى كل طالب أن يحصل على «إجازة» قبل أن ينتقل إلى الدرجة التالية، وعندما يصل إلى الدرجة السادسة «صحن الثمان» فإنه يُسمح له أن يعمل «مساعد مدرس» في الدرجات الأولى، ويعيد مع الطلاب ما كانوا قد أخذوه من أساتذتهم، ويُسمى «معيدًا». وفي هذه الحالة يتوقف عن كونه «صوفته» أي متشوق للعلم، وإذا أراد أن يصل لمنزلة «المدرس» عليه أن يُتابع تعلمه في الدرجات الست الأعلى المتبقية، والحصول على «إجازاتها»، وإذا تمكن من الحصول على هذه التراتبية الأكاديمية، كان عليه أن يبدأ التدريس في المرحلة الدنيا، ثم يرتقي تدريجيًا نحو العليا، عبر الدرجات التسع الأولى من أصل الاثنتي عشرة درجة، ولا يصبح مرشحًا لمنصب «الملاّ» أو «القاضي الكبير» إلا بعد الوصول إلى الدرجة التاسعة من التدريس على الأقل.[133]
كان يتقن اللغة العربية ويحفظ الكثير من سور القرآن الكريم ويحفظ أشعار المتنبيوالبحتريوجريروأبي فراسوأبي تمام، وكان يكتب الشعر باللغتين العربيةوالتركية.[140] يحتفظ سليمان القانوني بلقب أكثر من كتب شعرًا على بحر الغزل بين الشعراء الكلاسيكيين، وبفارق كبير. ومن المتّفق عليه بين الدارسين أن عظمة شاعريته كانت مساوية لعظمة قيادته العسكرية والإدارية. واستخدم القانوني اسم «مُحبي» الفني، ولضرورة الوزن استخدم أحيانا أسماء؛ محب، والسلطان سليمان، ومفتوني، وعاجزي. يتضمن ديوانه 2779 قصيدة على بحر الغزل، بينما لم يكتب الشاعر «زاتي» أشهر الشعراء الكلاسيكيين سوى 1825 قصيدة فقط. وهكذا يعتبر القانوني صاحب الرقم القياسي بكتابة قصائد على هذا البحر. كما أن أكثر شعراء العالم التركي علي شيرنوائي بقي عند الرقم 2616 قصيدة على بحر الغزل. وبذلك يتخلف عن رقم القانوني بمائة وست وستين قصيدة.
كتب بالفارسية قصائد كثيرة لو جمعت لعادلت ديوانا بأكمله، وقد طبعت السّلطانة عادلة بنت محمود الثاني قسما مؤلفا من 875 قصيدة من ديوان محبّي سنة 1899 م تقديرا لجدّها. ويذكر المؤرخالأديب التركي أميل جلبي أوغلو أن القانوني ينبغي أن يُعد أحد كبار الشّعراء الذين كتبوا في الشّعر العثماني. رفع القانوني من مكانة الأدباء والعلماء والشعراء واستضافهم في قصره، واستمتع بمسامراتهم واصطحبهم معه في ترحاله، وعمل على إسعادهم. ويقول لطيفي في مذكراته " الكلمات البليغة التي تنتظم في خلجات قلبه أثناء أعمال السلطنة تشبه عقدا من اللؤلؤ، ووجدت مكانة وشهرة بين المثقفين وفي لغات العالم كلها. بأداء مرهف وكلمات ملونة نظم قصائد على بحر الغزل الجميل بالفارسيةوالتركية. ويذكر إسماعيل حقي أوزون تشارشيلي في إحدى مقالاته بمجلة «التاريخ التركي» أن القانوني كان فنانا في الخط، ويكتب خط التعليق بشكل جميل. ويلاحظ أنّه كان يستخدم هذا الخط في خطاباته. رعى القانوني أرباب العلموالفن بشكل دائم وأمر علاء الدين جلبي بترجمة كتاب كليلة ودمنة أحد أهم آثار الأدب الهندي، وجاء في مقال لـ «كوك بلغين» في الموسوعة الإسلامية التركية أن القانوني قرأ الترجمة المقدمة له باسم «سيرة سلطانية» في ليلة واحدة، وكافأ المترجم بتعيينه قاضيا على بورصة وهو منصب يحتاج في الأحوال العادية إلى سبع سنوات خدمة لبلوغه. كما أمر شاعرًا يدعى ضعيفي بترجمة كتاب «إلباسه لباسا روميا» من الفارسية إلى التركية، هو كتاب سياسي نموذجي، ويمكن اعتبار عمله هذا محاولة على طريق تشكيل فلسفةالدولة من خلال الرسائل وأخبار الشعراء. وبالإضافة إلى ما تقدم فقد ترجم مراد بك أحد مترجمي القصر السلطاني كتاب الفيلسوفوالخطيب الرومي شيشرون وقدمه للقانوني. واسم الكتابباللاتينية هو "De Senectute" وترجمه بعنوان كتاب «مديح الشيخوخة».[141] كان يغلب على أشعارهالزهد والتدبر والتفكر، والخشوع والخضوع لله.[142] و عند وفاة والدته رثاها بعدد من القصائد.[143]
حديثا أعلنت تركيا عن إقامة معرض ينشر فيه أشعار القانوني التي كتبها إلى زوجته بعد أن قام بعض الباحثين المختصين بجمعها من مئات المصادر والمراجع المختلفة.[144][145][146]
التطور الحضاري
كان السلطان سليمان القانوني شاعرًا كتب قصائده تحت الاسم الأدبي «مُحبّي».[147] وخطاطًا يجيد الكتابة، وملمًا بعدد من اللغات الشرقية من بينها العربية، وكان له بصر بالأحجار الكريمة.[148] وقد قام القانوني بدعم المبدعين والفنانين فارتقت الفنون والآداب ونبغ عدد كبير من الأعلام في ذلك العصر.[149]
العمارة في عهده
قام سليمان القانوني بالعديد من أعمال التشييد، ففي عصره بنى مدينة السليمانية بالعراق العجمي على انقاض قرية قديمة.[14] فقد كان القانوني مغرمًا بالبناء والتشييد، فظهر أثر ذلك في دولته، فأنفق بسخاء على المنشآت الكبرى فشيد المعاقل والحصون في رودس وبلغراد وبودا، وأنشأ المساجد والصهاريج والقناطر في شتى أنحاء الدولة العثمانية، وبخاصة في دمشقومكةوبغداد، غير ما أنشأه في عاصمته من روائع العمارة. وفي عهد القانوني عاش معمار سنان وبنى الكثير من الأبنية المعمارية بأمر من سليمان القانوني، ومن الأبنية التي شيدت في عهده:
التكية السليمانية أمر ببنائها السلطان سليمان في دمشق.[170] وكانت تخدم عابري السبيل والفقراء والحجاج في طريقهم وتؤمن لهم الطعام والمأوى والتعليم للفقراء[171] تبلغ مساحتها أحد عشر ألف متر مربع وأقيمت في مكان قصرالظاهر بيبرس الذي هدمه تيمورلنك وأنشئت عام 1554.[172] وهي من تصميم معمار سنان.[173]
في عهده تم بناء أربعة جسور على أنهار مدينة سراييفو وهي:
الجسر اللاتيني فوق نهر ميليا تسكا 1565.[174] يعتبر الجسر اللاتيني من أشهر المعالم السياحة في سراييفو.[175]
جسر كريفا في مدينة موستار بني على نهر رادوبوليا عام 1558 تحت إشراف المعماري التركي تشيفان كاتودا. يقال إن هذا الجسر بني على شكل تجربة قبل بناء الجسر القديم ستاري موست. وهو تحت حماية منظمة اليونيسكو.[176]
كذلك اهتم بالعمارة في مدينة القدس فأمر سليمان القانوني بإعادة تجديد وتحصين سور القدس وذلك لتوفير الأمن والاستقرار فيها وذلك بعد أن وطد الأمن في ربوع الدولة العثمانية.[189] واستعان بأفضل المهندسين لأجل هذا الغرض.[190]
كذلك أمر السلطان بتجديد عدد من الأسبلة الموجودة في القدس وببناء عدد جديد من الأسبلة.[191]
تكية خاصكي سلطان بنيت بعد أن زارت زوجة السلطان سليمان وهي روكسلانا مدينة القدس عام 1552.وأمرت بإنشاء مجمع خيري كبير.[196] بعد أن رأت أعداد المصلين والطلاب الكبير في المسجد الأقصى وكانت تقدم الطعام والدعم لخمسة آلاف إلى عشرة آلاف شخص.[197] ومازالت قائمة إلى الآن وتقدم الطعام لعدد من الفقراء وعابري السبيل.[198]
اهتم السلطان القانوني بالحجاج وتأمين الحماية والماء لقوافل الحجاج كغيره من سلاطين الدولة العثمانية ففي طريق قافلة الحج الشامي أمر ببناء أربع قلاع لحماية الحجاج وأمر بحفر العديد من الآبار.[206]
غير أن الذي اشتهر به واقترن باسمه هو وضعه للقوانين التي تنظم الحياة في دولته الكبيرة. حيث كان القانون السائد في الإمبراطورية هو الشريعة الإسلامية وكان تغييرها خارج صلاحيات السلطان. حتى ظهر قانون سليمان الذي غطى مجالات القانون الجنائي وحيازة الأراضي والجبايات.[215] جمع فيه جميع الأحكام التي صدرت من قبل السلاطين العثمانيين التسعة الذين سبقوه. وبعد القضاء على الازدواجية والاختيار بين التصريحات المتناقضة، أصدر مدونة قانونية واحدة، وراعى فيها الظروف الخاصة لأقطار دولته، على سبيل المثال في عام 1525 أصدر السلطان قانون نامة مصر لتنظيم أمور إيالة مصر.[216] وحرص على أن تتفق مع الشريعة الإسلامية والقواعد العرفية،[217] وأن يكون لها أدلة من القرآن وحديث رسول الله.[218] ففي أحد القوانين التي أصدرها نبه على ضرورة إقامة قواعد الشرع وعدم السكوت على المنكرات وإن كانت مما يدر دخلا للأمة.[219] كانت هذه الإصلاحات في إطار سعي سليمان، بدعم من المفتيأبو السعود أفندي، إلى إصلاح التشريع للتكيف مع تغيير الدولة العثمانية السريع. حينما وصل القانون إلى شكله النهائي سمي القانون العثماني (بالتركية: kanun‐i Osmani) أو قانون السلطان سليمان (بالتركية العثمانية: قانون نامه سلطان سليمان) وبقي جاريا العمل به قرابة ثلاثمئة سنة أي حتى مطلع القرن الثالث عشر الهجري - القرن التاسع عشر الميلادي، كما جعل أكبر الوظائف العلمية وظيفة المفتي، وقسم جيش الإنكشارية إلى ثلاث رتب بحسب سنين خدمتهم.[220]
ولم يطلق الشعب على السلطان سليمان لقب القانوني لوضعه القوانين، وإنما لتطبيقه هذه القوانين بعدالة، ولهذا يعد العثمانيون الألقاب التي أطلقها الأوروبيون على سليمان في عصره مثل: الكبير، والعظيم، قليلة الأهمية والأثر إذا ما قورنت بلقب القانوني الذي يمثّل العدالة.
”
لم يكن قائدا عسكريا عظيما فقط، رجل سلاح، كما كان أبوه وجد جده من قبله بل اختلف عنهم لأنه كان رجل قلم. كان مشرعا عظيما، يقف أمام قومه كحاكم نبيل المشاعر وناصر للعدالة شهم.[221]
“
—لورد كينروس
وكان من القوانين التي سنها القانوني أيضا: السماح للانكشارية بخوض الحروب بدون خروج الخليفة على رأسهم،[222] والسماح للوزراء بتداول شؤون الدولة في وجود الصدر الأعظم على رأسهم مندوبا عن السلطان.
أعطى سليمان اهتماما خاصا لحالة الرعايا العاملين في أراضي السباهي. حيث عدل قانون الرعايا الذي يحكم الجبايات والضرائب التي يدفعها الرعايا ورفع مكانتهم فأصبحوا أحسن من الأقنان إلى حد أن الأقنان النصارى في البلدان النصرانية هاجروا إلى الدولة العثمانية للاستفادة من الإصلاحات.[223] لعب السلطان دورا هاما في حماية يهود إمبراطوريته لقرون تالية.
وعلاوة على ذلك، سن سليمان قانونا جنائيا جديدا وقانون شرطة جديدا، يحث على مجموعة من الغرامات على المخالفات الخاصة، فضلا عن الحد من الحالات التي تتطلب القصاص أو التشويه. في المجال الضريبي، كانت الضرائب مفروضة على عدة سلع ومنتجات منها الحيوانات والمعادن والأرباح التجارية ورسوم الاستيرادوالتصدير. بالإضافة إلى الضرائب، صادر السلطان أراضي وممتلكات المسؤولين الذين لهم سمعة سيئة. حيث سن السلطان سليمان القانوني (القانون نامه) الذي ضم أحكاما في العقوبات التعزيرية وفي حقوق الأراضي وتحديد الأراضي الأميرية والخراج، وكذلك في المواضيع العسكرية والإدارية. كما جرى تأسيس السجلات الشرعية التي ضمت قرارات المحاكم الصادرة من المحاكم الشرعية.[224] ولم يكن عهد القانوني العهد الذي بلغت فيه الدولة أقصى حدود لها من الاتساع وحسب، وإنما هو العهد الذي تمت فيه إدارة أعظم دولة بأرقى نظام إداري.[225]
يقول Busbecq سفيرالإمبراطورية الرومانية المقدسة الذي كان سفيرا إلى إسطنبول في عهد القانوني:«إن غياب ارستقراطية النسب والسلالة من أهم عناصر القوة في الدولة العثمانية»[226] ويقول بوسبيك: «في الدولة العثمانية لا يحظى الأتراك أنفسهم بالتقدير إلا بمهارة أو خصلة حميدة.... جميع القادة لا يصلون لمواقعهم إلا بمؤهلاتهم ومهاراتهم وليس بانتمائهم لنسب أو عائلة أو قوتهم أو مالهم، فأبواب الارتقاء مغلقة أمام الكسالى والمتقاعسين فيظل هؤلاء قابعين في زوايا النسيان، وهذا سبب نجاحهم في كل أمر وعلو أمتهم وامتداد دولتهم على مر الزمان، أما نحن فعلى خلافهم في كل شيء فلا محل للأهلية والكفاءة بيننا بل يجري التحري عن النسب في كل شيء دون نظر إلى المهارة».[227]
أهم رجال الدولة في عهده
تميز القانوني بقيادته لدولة مترامية الأطراف وتنظيمه لأمورها وما كان هذا ليحدث لو كان وحيدا دون مساعدة من رجال دولته.
برز في عهد القانوني عدد من النيشانجيين وكان لهم أهمية مميزة حيث كان يتم اختيارهم من العلماء ذوي الخبرة لنظرا للعدد الكبير من القوانين التي أصدرها السلطان. من النيشاجيين في عهد القانوني:
في عام 1561 أجبرت الحكومة الحرفيين على شراء كميات كبيرة من السلع المصادرة بأسعار عالية وإلى اعتماد سعر للذهب لا يمثل سوى ثلث السعر السائد، مما دفع بحشود الحرفيين إلى التوجه إلى الديوان السلطاني لمطالبة الصدر الأعظمبالعدالة، ولكن بعد أن ردوا على أعقابهم امتنعوا عن فتح دكاكينهم في اليوم التالي وتجمهروا تحت راياتهم وكان عددهم مئة وخمسون ألفاً وكان غالبيتهم يحمل السلاح وانتهى الأمر بعزل الصدر الأعظم.[248]
كانت إسطنبول في عهده أضخم مدينة في أوروبا وكانت أكثر مدينة مزدهرة ووصل عدد سكانها إلى أربعمئة ألف نسمة في النصف الأول من القرن السادس عشر.[249] وكانت من المدن الثرية ففي عام 1546 كان في إسطنبول 2517 وقفا يعود إلى أشخاص من خارج العائلة الحاكمة[250] كذلك قد ازدهرت فيها التجارة والصناعة بشكل كبير ففي إسطنبول عام 1564 كان عدد الورشات التي تصنع البروكار 318 ورشة.[251]
«أحب أن أموت غازيًا في سبيل الله»، قالها عندما خرج للجهاد عازما على حصار سيكتوار وكان عمره تجاوز السبعين عاما ونصحه الأطباء بالبقاء في العاصمة لكنه أصر أن يخرج على رأس ذلك الجيش.[254]
«عندما أموت أخرجوا يدي من التابوت لكي يرى الناس أنه حتى السلطان خرج من هذه الدنيا ويده فارغة»[255]
ويقول المؤرّخ الإنجليزي هارولد: «إن يوم موته كان من أيام أعياد النصارى».[258]
وفاته
توفي سليمان القانوني أثناء حصار مدينة سيكتوار في 7 سبتمبر1566 لأسباب طبيعية إلا أن الجنود لم يريدوا أن يخبروا أحدا حتى العودة إلى العاصمة فقاموا بدفن أحشائه في الخيمة التي كان متمركزا بها ليتمكنوا من حفظ جسده حتى العودة إلى العاصمة.[259][260][261]
في شهر سبتمبر عام 2016 أعلن نائب رئيس الوزراء التركي، ويسي قايناق، أن علماء أتراك ومجريين اكتشفوا مكان دفن أحشاء وأعضاء السلطان سليمان القانوني.[262][263][264]
عند وفاة سليمان، أصبحت الدولة العثمانية بقوتها العسكرية وخيراتها الاقتصادية وتوسعاتها أقوى دولة في العالم.[266] وضعت فتوحات سليمان أهم المدن الإسلامية (مكةوالمدينةوالقدسوالقاهرةودمشقوبغداد) ومقاطعات البلقان (تصل الآن إلى كرواتياوالنمسا) وأغلب أراضي شمال أفريقيا تحت قبضة العثمانيين. ومنحت التوسعات للعثمانيين مكانة مهمة في موازين القوى مما جعل السفير أوجيه غيزلين بسكيك يحذر من غزو وشيك لأوروبا حيث قال: "على طرف الدولة العثمانية نجد موارد إمبراطورية عظيمة، بقوة لا تصد وتعود على النصر وقدرة تحمل للكدح ووحدة وانضباط وتدبير وترقب... هل يمكن أن يكون لنا شك في النتيجة؟... حين سيغزو الترك بلاد فارس ويستقرون فيها، سوف يحلقون فوق رقابنا مدعومين من الشرق بأكمله؛ لن أستطيع البوح بمدى عدم استعدادنا لذلك.[267]
لم يظهر إرث سليمان في المجال العسكري وحده بل كان الفرنسي جان دي تيفينوت شاهدا بعد قرن على قوة القاعدة الفلاحية للبلاد ورفاهية الفلاحين ووفرة المواد الغذائية الأساسية والتنظيم في حكومة سليمان.[268] بقيت الدولة العثمانية قائمة بعد عدة قرون وذلك بسبب الإصلاحات الحكومية والقضائية التي قام بها والتي عرف بها وهو إنجاز تطلب أجيالا من ذريته لقلبه.[269] ترأس سليمان العصر الذهبي للدولة العثمانية من خلال رعايته الشخصية لقمة إنجازات العثمانيين الثقافية في مجال الهندسة المعمارية والأدب والفن والفقه والفلسفة.[5][270] واليوم في أفق البوسفور وفي عدة مدن تركية أو مقاطعات عثمانية سابقة لا زالت أعمال معمار سنان المعمارية قائمة. أحد هذه الأعمال مسجد سليمان القانوني مستقر جسد سليمان وهرنزتان: مدفونين في ضريحين منفصلين ملحقين بالمسجد.
بنى رجل الأعمال التركي صالح سيهان المزداد بطرابزون مسجد في ماريوبولبأوكرانيا مسجد السلطان سليمان القانوني (بالإنجليزية: Kanuni Sultan Süleyman) في 2005 وهو مفتوح لإقامة الصلوات الخمس وصلاة الجمعة.
في عام 2011 أُنتج مسلسل حريم السلطان والذي اعتبره بعض الباحثين بعيدًا عن التاريخ الحقيقي وتصويره للسلطان المحاط بالنساء وبصورة الدولة في عهده التي ينغمس سلطانها ووزراؤه وقادة دولته في الخمر والنساء، على الرغم من أن القانوني ظل في جهاد مستمر على عدة جبهات لأكثر من ثلاثين سنة، ولم يعرف الراحة إلا في أواخر أيامه بعد أن تقدم به السن.[278][279] يرى المنتقدون للمسلسل أنه شوه صورة السلطان العثماني سليمان القانوني ويقولون إن كاتبة السيناريو هي علمانية متطرفة لا علم لها بالتاريخ نهائيًّا.[257][258] وقالوا: لم يكتب مؤرخٌ في عهد السلطان سليمان القانوني ولا قريبٍ منه تاريخ حريمه من أمثال روكسلانا المفترى عليها لأنّ هذه المنطقة محرّمة على عامة الناس وخاصّتهم فكيف الأمر بمن يكتب تفاصيل حياتهنّ يوما بيوم وكأنه عاش معهنّ بعد مرور خمسة قرون، أليس هذا الكذب الصُراح والزور.[280] كذلك قال عدد من بروفيسورات التاريخ إن المسلسل به تشويه كبير لتاريخ الخليفة سليمان القانوني.[281] أما كاتبة السيناريو فقد أقرت بأن عددا كبيرا من المتابعين انزعج نتيجة للمسلسل لكنها أكدت أن أحداث المسلسل خيالية وليست تاريخية.[282]
^الدولة العثمانية المجهولة، أحمد آق كوندز و سعيد أوزتوك، وقف البحوث العثمانية، 2008، ص 241.
^صابان، سهيل (1421 هـ / 2000 م). المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية التاريخية. الرياض: مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية. ص. 45. ISBN:9960001490. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
^الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، د.خليل إينالجيك، ترجمة: محمد الأرناؤوط، دار المدار الإسلامي، الأولى، 2002، ص 167.
^İnalcık, Halil (2010). Osmanlılar: Fütühat, İmparatorluk, Avrupa ile İlişkiler. Timaş Yayınları. s. 41. ISBN 605-114-188-X .
^Sandler, Stanley (2002). Ground Warfare: An International Encyclopedia. ABC-CLIO. s. 387. ISBN 1-57607-733-0
^
Holt, P. M.; Katherine, Ann; Lambton, Swynford; Lewis, Bernard. The Central Islamic Lands from Pre-Islamic Times to the First World War. Cambridge University Press. s. 328 .
^Harley, John Brian (1992). Cartography in the Traditional Islamic and South Asian Societies. Oxford University Press. s. 245. ISBN 0-226-31633-5 .
^Leeb, Josef (2013) (Almanca). Der Reichstag zu Regensburg 1556/57. Oldenbourg Verlag. s. 310. ISBN 3-486-71708-1
^
Turnbull, Stephen. The Ottoman Empire 1326–1699. New York: Osprey, 2003.pg 51
^
Turnbull says the garrison was "over 16,000 strong". The Ottoman Empire, p 50; Keegan and Wheatcroft suggest 97,000. Who's Who in Military History, p 283; Some estimates are just above 20,000, for example: "Together with Wilhelm von Roggendorf, the Marshal of Austria, Salm conducted the defense of Vienna with 16,000 regulars and 5,000 militia." Dupuy, Trevor, et al., The Encyclopedia of Military Biography, p 653.
^Turnbull suggests Suleiman had "perhaps 120,000" troops when he reached Osijek on 6 August. The Ottoman Empire, p 50; Christopher Duffy suggests "Suleiman led an army of 125,000 Turks". Siege Warfare: Fortresses in the Early Modern World 1494–1660, p 201. For higher estimates, see further note on Suleiman's troops.
^الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، د.خليل إينالجيك، ترجمة: محمد الأرناؤوط، دار المدار الإسلامي، الأولى، 2002، ص 187.
^الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار، د.خليل إينالجيك، ترجمة: محمد الأرناؤوط، دار المدار الإسلامي، الأولى، 2002، ص 259.
^ليلى الصباغ، معالم الحياة الفكرية في الولايات العربية في العصر العثماني، ضمن الدولة العثمانية تاريخ وحضارة، إشراف أكمل الدين إحسان أوغلو، ترجمة صالح سعداوي، منشورات مركز إرسيكا - اسطنبول، 1999 م، ج 2، ص 213.
^Medeni Hukuka Giris, Imre Zahit, Istanbul, 1976, pp 89.
^"أحمد قرة حصاري". موقع الإمارات اليوم. مؤرشف من الأصل في 2017-11-17. اطلع عليه بتاريخ 2017-11-17.
^البهنسي، عفيف (1995 م). معجم مصطلحات الخط العربي والخطاطين (ط. الأولى). بيروت: مكتبة لبنان ناشرون. ص. 120. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
^
A Military History of Modern Egypt: From the Ottoman Conquest to the Ramadan War By Andrew James McGregor p.30
^ ابMurvar، Vatro (1989). Nation and Religion in Central Europe and the Western Balkans: The Muslims in Bosna, Hercegovina, and Sandžak : a Sociological Analysis. FSSSN Colloquia and Symposia, University of Wisconsin. ص. 34.
^Mehmet Süreyya (1996) [1890], Nuri Akbayar; Seyit A. Kahraman (eds.), Sicill-i Osmanî (بالتركية), Beşiktaş, Istanbul: Türkiye Kültür Bakanlığı and Türkiye Ekonomik ve Toplumsal Tarih Vakfı, Archived from the original on 2019-06-09
Severy، Merle (نوفمبر 1987). "The World of Süleyman the Magnificent". National geographic. Washington, D.C.: National Geographic Society. ج. 172 ع. 5: 552–601. ISSN:0027-9358.