الجزية ما يعطيه أهل الذمة من المال، [1][2] في مقابل حمايتهم والدفاع عنهم. والجمع الجزى، وهي فعلة من الجزاء؛ ومنه الحديث: ليس على مسلم جزية؛ أراد أن الذمي إذا أسلم وقد مر بعض الحول لم يطالب من الجزية، [3] أعفى الإسلام من أداء الجزية النساء والصبيان والمساكين والرهبان وذوي العاهات، فلا تجبى الجزية من امرأة ولا فتاة، ولا صبي، ولا فقير، ولا شيخ، ولا أعمى، ولا أعرج، ولا راهب، ولا مختل في عقله. بل زاد الإسلام فتكفل بالإنفاق على من شاخ وعجز من أهل الذمة. الجزية كانت غالباً مبلغ ثابت كان يُقدَّر حسب حالتهم الاقتصادية.[4][5]
في الشريعة الإسلامية
لقد ذكرت في الآية 29 من سورة التوبة: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ٢٩﴾ [التوبة:29]، وقال القرطبي في تفسيره لهذه الآية:
قوله تعالى: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر» لما حرم الله تعالى على الكفار أن يقربوا المسجد الحرام، وجد المسلمون في أنفسهم بما قطع عنهم من التجارة التي كان المشركون يوافون بها، قال الله عز وجل: «وإن خفتم عيلة» [التوبة:28] (الآية). على ما تقدم. ثم أحل في هذه الآية الجزية وكانت لم تؤخذ قبل ذلك، فجعلها عوضا مما منعهم من موافاة المشركين بتجارتهم. فقال الله عز وجل: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر» الآية. فأمر سبحانه وتعالى بمقاتلة جميع الكفار لإصفاقهم على هذا الوصف، وخص أهل الكتاب بالذكر إكراما لكتابهم، ولكونهم عالمين بالتوحيد والرسل والشرائع والملل، وخصوصا ذكر محمد صلى الله عليه وسلم وملته وأمته. فلما أنكروه تأكدت عليهم الحجة وعظمت منهم الجريمة، فنبه على محلهم ثم جعل للقتال غاية وهي إعطاء الجزية بدلا عن القتل. وهو الصحيح. قال ابن العربي: سمعت أبا الوفاء علي بن عقيل في مجلس النظر يتلوها ويحتج بها. فقال: «قاتلوا» وذلك أمر بالعقوبة. ثم قال: «الذين لا يؤمنون» وذلك بيان للذنب الذي أوجب العقوبة. وقوله: «ولا باليوم الآخر» تأكيد للذنب في جانب الاعتقاد. ثم قال: «ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله» زيادة للذنب في مخالفة الأعمال. ثم قال: «ولا يدينون دين الحق» إشارة إلى تأكيد المعصية بالانحراف والمعاندة والأنفة عن الاستسلام. ثم قال: «من الذين أوتوا الكتاب» تأكيد للحجة، لأنهم كانوا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل. ثم قال: «حتى يعطوا الجزية عن يد» فبين الغاية التي تمتد إليها العقوبة وعين البدل الذي ترتفع به.[6]
وقال القرطبي كذلك: «قال علماؤنا: الذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من المقاتلين، وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين، وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني».[7]
وقد ذكر الرزاي أيضا في تفسيره للآية المذكورة في الأعلى:
قال الواحدي: الجزية هي ما يعطي المعاهد على عهده، وهي فعلة من جزى يجزى إذا قضى ما عليه، واختلفوا في قوله: {عن يد} قال صاحب الكشاف قوله: {عن يد} إما أن يراد به يد المعطي أو يد الآخذ، فإن كان المراد به المعطي، ففيه وجهان:
أحدهما: أن يكون المراد {عن يد} مؤاتية غير ممتنعة، لأن من أبى وامتنع لم يعط يده بخلاف المطيع المنقاد، ولذلك يقال: أعطى يده إذا انقاد وأطاع، ألا ترى إلى قولهم نزع يده عن الطاعة، كما يقال: خلع ربقة الطاعة من عنقه.
وثانيهما: أن يكون المراد حتى يعطوها عن يد إلى يد نقدا غير نسيئة ولا مبعوثا على يد أحد، بل على يد المعطي إلى يد الآخذ. وأما قوله: {وهم صاغرون} فالمعنى أن الجزية تؤخذ منهم على الصغار والذل والهوان بأن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب، ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس. ويؤخذ بلحيته، فيقال له: أد الجزية وإن كان يؤديها ويزج في قفاه، فهذا معنى الصغار. وقيل: معنى الصغار هاهنا هو نفس إعطاء الجزية، وللفقهاء أحكام كثيرة من توابع الذل والصغار مذكورة في كتب الفقه.[8]
وقد جاء في تفسير البغوي بخصوص الآية المذكورة بالأعلى:
قال الله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} فإن قيل: أهل الكتاب يؤمنون بالله واليوم الآخر؟ قيل: لا يؤمنون كإيمان المؤمنين، فإنهم إذا قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله، لا يكون ذلك إيمانا بالله. {ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق} أي: لا يدينون الدين الحق، أضاف الاسم إلى الصفة. وقال قتادة: الحق هو الله، أي: لا يدينون دين الله، ودينه الإسلام. وقال أبو عبيدة: معناه ولا يطيعون الله تعالى طاعة أهل الحق. {من الذين أوتوا الكتاب} يعني: اليهود والنصارى. {حتى يعطوا الجزية} وهي الخراج المضروب على رقابهم، {عن يد} عن قهر وذل. قال أبو عبيدة: يقال لكل من أعطى شيئا كرها من غير طيب نفس: أعطاه عن يد. وقال ابن عباس: يعطونها بأيديهم ولا يرسلون بها على يد غيرهم. وقيل: عن يد أي: عن نقد لا نسيئة. وقيل: عن إقرار بإنعام المسلمين عليهم بقبول الجزية منهم، {وهم صاغرون} أذلاء مقهورون. قال عكرمة: يعطون الجزية عن قيام، والقابض جالس. وعن ابن عباس قال: تؤخذ منه ويوطأ عنقه.
وقال الكلبي: إذا أعطى صفع في قفاه.
وقيل: يؤخذ بلحيته ويضرب في لهزمتيه.
وقيل: يلبب ويجر إلى موضع الإعطاء بعنف.
وقيل: إعطاؤه إياها هو الصغار.[9]
أما دليل شرعيتها من السنة النبوية؛ ما جاء في صحيح البخاري:
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو، قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا هلال بن العلاء الرقي، حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا المعتمر بن سليمان، حدثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي، أنا بكر بن عبد الله المزني، وزياد بن جبير، عن جبير بن حية، فذكر الحديث الطويل:. " فأمرنا نبينا رسول ربنا ﷺ أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا رسول الله ﷺ عن رسالة ربنا، أنه من قتل منا صار إلى الجنة ونعيم لم ير مثله قط، ومن بقي منا ملك رقابكم.[10]
قد اختلف العلماء فيمن تؤخذ منه الجزية، قال الشافعي: لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب خاصة عربا كانوا أو عجما لهذه الآية، فإنهم هم الذين خصوا بالذكر فتوجه الحكم إليهم دون من سواهم لقوله عز وجل: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]. ولم يقل: حتى يعطوا الجزية كما قال في أهل الكتاب. وقال: وتقبل من المجوس بالسنة، وبه قال أحمد وأبو ثور. وهو مذهب الثوري وأبي حنيفة وأصحابه.
وقال الأوزاعي: تؤخذ الجزية من كل عابد وثن أو نار أو جاحد أو مكذب. وكذلك مذهب مالك، فإنه رأى أن الجزية تؤخذ من جميع أجناس الشرك والجحد، عربيا أو عجميا، تغلبيا أو قرشيا، كائنا من كان، إلا المرتد.[6]
وقال ابن القاسم وأشهب وسحنون: تؤخذ الجزية من مجوس العرب والأمم كلها. وأما عبدة الأوثان من العرب فلم يستن الله فيهم جزية، ولا يبقى على الأرض منهم أحد، وإنما لهم القتال أو الإسلام. ويوجد لابن القاسم: أن الجزية تؤخذ منهم، كما يقول مالك. وذلك في التفريعلابن الجلاب وهو احتمال لا نص.[6]
لا تفرض الجزية على المستأمن الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها.[11]
شروط من تُفرض عليهم الجزية
وضع الفقهاء مجموعة من الشروط التي يجب أن يُتّصَف بها الذمي لأداء الجزية، وكان هناك خلاف في بعضها، وهي كالتالي:
الذّكورة والبلوغ
اتفق جميع الفقهاء على أن الذّكورة والبلوغ تشترطان لأخذ الجزية، ولذلك لا توضع على النساء أو الخناثى ولا على الصبيان حتى يبلغوا.[12][13][14][15][16][17][18] ويقول ابن قدامة في هذا الصدد: لا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذا.[12][14][18] وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وأصحابه، والشافعي، وأبو ثور.[12][18] وقال ابن المنذر: ولا أعلم عن غيرهم خلافهم.[12][14][17][18]
واستدلّوا لهذا بوجهين.[17] من الكتاب، إذ الذي دل عليه القرآن هو أن الجزية تؤخذ من الرجال المقاتلين، لأنه تعالى قال: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ﴾ إلى قوله: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾[ا] فالمقاتلة مفاعلة من القتال تستدعي أهليّة القتال من الجانبين، [17] فيقتضي ذلك وجوبها على من يقاتل، دون من ليس أهلا للقتال، كالنساء والذرية وغيرهم.[16][17] ومن السنة، ما روى أبو عبيد، سعيد، والأثرم عن عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أمراء الأجناد: «أن يضربوا الجزية، ولا يضربوها على النساء والصبيان ولا يضربوها إلا على من جرت عليه المواسي.»[ب][12][14][17][18] قال أبو عبيد: يعني من أنبت.[14] وقد جاء في كتاب النبي ﷺ إلى معاذ باليمن، فيما رواه أبي داود، الترمذي، النسائي والشافعي في مسنده: «خُذْ مِنْ كُلِّ حالِمٍ ديناراً»، [ج][15][17][18][20] مما يدل على أنها لا تجب على الأنثى والغير بالغ.[12][14][17][18]
فإن بذلتها امرأة أخبرت أنه لا جزية عليها، فإن قالت: أنا أتبرع بها، قُبل منها ولم تكن جزية، ولو شرطته على نفسها، ولها الرجوع متى شاءت.[18][21][22] وإذا بلغ الصبي من أهل الذمة، لم يحتاج إلى تجديد العقد، بل العقد الأول يتناول البالغين ومن سيبلغ من أولادهم أبداً. وعلى هذا استمرت سنة رسول الله ﷺ وسنة خلفائه كلهم في جميع الأعصار، لم يفردوا كل من بلغ بعقد جديد. وقال الشافعي أن يخير البالغين بين التزام العقد وبين أن يُرد إلى مأمنه، فإن اختار الذمة عُقدت له وإن اختار اللحاق بمأمنه أُجيب إليه.[17][23] وقال الماوردي في الأحكام السلطانية: «وقول الجمهور أصح وأولى، فإنه لم يأت عن النبي ﷺ ولا عن أحد خلفائه تجديد العقد لهؤلاء، ولا يعرف أنه عمل به في وقت من الأوقات ولا يهمل الأئمة مثل هذا الأمر لو كان مشروعا.»[21][23]
العقل
بالمثل، اتفق جميع الفقهاء على أن العقل يشترط لأخذ الجزية، وبالتالي لا توضع على المجنون حتى يفيق، [12][14][15][16][17][18] ونقل الإجماع كل من ابن قدامة، وابن المنذر، والقرطبي، وابن هبيرة، [12][14][16][17][18] ولكن ابن رشد ذكر خلافاً في المجنون، [13][17] وذكره النّوويّ نقلاً عن البيان وجهاً ضعيفاً للشّافعيّة، وعلّق عليه بالقول: وليس بشيء.[17][24]
ويأتي الاستدلال هنا بناءً على قوله تعالى: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ﴾ إلى قوله: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾[د]، فيقتضي ذلك وجوبها على من يقاتل، دون المجانين المغلوبين على عقولهم، والأصناف أخرى.[16]
والجمهور أن من أفاق من مجانين أهل الذمة فهو من أهلها بالعقد الأول، لا يحتاج إلى استئناف عقدٍ لها، بخلاف الشافعي، [17][23] كما سبق ذكره أعلاه.
الحرّيّة
وأجمعوا كذلك أنها لا تُؤخد من العبيد، سواء كان العبد مملوكا لمسلم أو كافر.[15][17] وقد نقل هذا الاتّفاق ابن المنذر، وابن قدامة، والقرطبي، وابن رشد، وابن هبيرة.[12][13][16][17]
ويأتي الاستدلال بناءً على قوله تعالى: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ﴾ إلى قوله: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾[ه] ويدل على أنه ليس على العبد وإن كان مقاتلا، لأنه لا مال له، ولأنه تعالى قال: ﴿حَتَّى يُعْطُوا﴾[و] ولا يقال لمن لا يملك حتى يعطي.[16]
وذهب أحمد في رواية عنه إلى أنّ العبد إذا كان مملوكاً لسيّد كافر تؤخذ الجزية من سيّده الكافر، [12][17] ولكن المنصوص عن أحمد هو أنه لا جزية عليه، وهو قول عامة أهل العلم.[25]
المقدرة الماليّة
وقول الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعي في أحد أقواله هو أن لا جزية على الفقير العاجز عن أدائها.[26][27][28]
ويأتي تعليل ذلك في وجهين. من القرآن، إذ قالوا إنّ الجزية مال يجب بحلول الحول، فلا يلزم الفقير العاجز عن الكسب كالزّكاة والدّية. وأنّ العاجز عن الأداء معذور شرعاً فيما هو حقّ العباد، لقوله تعالى: ﴿وإنْ كانَ ذو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيسَرةٍ﴾[ز] ففي الجزية أولى.[28] ولقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ﴾[ح]، و﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ﴾.[ط] وجه الاستدلال من الآيتان أنّ الفقير العاجز عن الكسب ليس في وسعه أن يدفع الجزية، ومتى كان الأمر كذلك فلا يكلّف بها، [28] ولا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة.[27] وكذلك لأنه تعالى قال: ﴿حَتَّى يُعْطُوا﴾[ي]، ولا يقال لمن لا يملك حتى يعطي.[16] ومن السنة، أن عمر رضي الله عنه جعل الجزية على ثلاث طبقات، جعل أدناها على الفقير المعتمل، فيدل على أن غير المعتمل لا شيء عليه.[26][28][29] وقد كان ذلك بمحضر الصّحابة رضوان الله عليهم، ولم ينكر عليه أحد، فهو إجماع.[28] ويروي الإمام أبو يوسف أن:
«مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلي ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه فوالله ما أنصفناه، أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾[يا] والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.[30][31][32][33]
»
«و جعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر وسار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين وعياله.[15][32][34][35]»
ومما يدل كذلك على أن الجزية مراعى فيها المقدرة المالية، ما روي أن عمر بن الخطاب حينما أجلى نصارى نجران اليمن إلى نجران العراق، وضع عنهم الجزية أربعة وعشرين شهراً حتى يتم استقرارهم ويبدأ إنتاجهم، وكتب لهم عهداً جاء فيه: «فمن حضرهم من رجل مسلم فلينصرهم على من ظلمهم، فإنهم أقوام لهم الذمة وجزيتهم عنهم متروكة أربعة وعشرين شهراً بعد أن يقدموا، ولا يكلفوا إلا من صنعهم البر، غير مظلومين ولا معتدى عليهم.»[15]
والخلاف الذي ذكره ابن رشد، [13] هو قول آخر للشافعي وأبي ثور ذهبا فيه إلى أنها تستقر في ذمته وتؤخذ منه إذا قدر عليها، [26][27][28] استدلالا بعموم حديث: «خُذْ مِنْ كُلِّ حالِمٍ ديناراً»، [26] ويعقب ابن قدامة على ذلك بالقول: «أما الحديث، فيتناول الأخذ ممن يمكن الأخذ منه، ومن لا يمكن الأخذ منه، فالأخذ منه مستحيل، فكيف يؤمر به!»[26][29] ويقول ابن القيم: «وقد تقدم أن عمر رضي الله عنه أجرى على السائل الذمي رزقه من بيت المال، فكيف يكلف أداء الجزية، وهو يرزق من بيت مال المسلمين؟!»[27]
السّلامة من العاهات المزمنة
اشترط الفقهاء كذلك السلامة من العاهات المزمنة كالمرض، أو العمى، أو الكبر المقعد عن العمل والقتال، لأخذ الجزية.[36][37] فظاهر الرّواية عند الحنفيّة ومذهب أحمد، والشّافعيّ في أحد قوليه: أنّ الجزية لا تؤخذ من هؤلاء ولو كانوا موسرين.[36] واستدلّوا بقوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمنونَ باللَّهِ ولا باليومِ الآخِرِ.[يب] ففحوى الآية يدلّ على أنّ الجزية تؤخذ ممّن كان منهم من أهل القتال، لاستحالة الخطاب بالأمر بقتال من ليس من أهل القتال، إذ القتال لا يكون إلاّ بين اثنين ومن يمكنه أداؤه من المحترفين، ولذلك لا تؤخذ الجزية ممّن لم يكن من أهل القتال: كالأعمى والزّمن والمفلوج والشّيخ الكبير الفاني: سواء أكان موسرا أم غير موسر.[36] وذهب المالكيّة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ الجزية تؤخذ من الزّمنى والعميان والشّيوخ الكبار إذا كان لهم مال.[36] ومذهب أبي ثور أنّ الجزية تؤخذ من المصابين بالعاهات المزمنة، ولو لم يكونوا موسرين.[36]
ألا يكون من الرّهبان المنقطعين للعبادة في الصّوامع
اختلف الفقهاء في أخذ الجزية من الرّهبان المنقطعين للعبادة في الصّوامع، اللذين لا يخالطون النّاس في معايشهم ومساكنهم، ويشركوهم في الرّأي والمشورة والمكايد الحربيّة.[13][38]
فذهب أبو حنيفة في رواية القدوريّ، ومالك، وأحمد في رواية، والشّافعيّ في أحد قوليه إلى أنّ الجزية لا تفرض عليهم سواء كانوا قادرين على العمل أم غير قادرين.[38] لأنّ الرّهبان لا يقتلون ولا يتعرّض لهم، لما جاء في وصيّة أبي بكر الصّدّيق ليزيد بن أبي سفيان حين وجّهه إلى الشّام: «لا تقتل صبيّاً ولا امرأة وستمرّون على أقوام في الصّوامع احتبسوا أنفسهم فيها، فدعهم».[38] ولأنّ الرّاهب من جملة الفقراء، لأنّه إنّما ترك له من المال اليسير. وذهب أبو حنيفة في رواية نقلها عنه محمّد بن الحسن، وهو قول أبي يوسف وأحمد في رواية إلى أنّ الجزية توضع على الرّهبان إذا كانوا قادرين على العمل.[38] قال أبو يوسف: «المترهّبون الّذين في الدّيارات إذا كان لهم يسار أخذ منهم، وإن كانوا إنّما هم مساكين يتصدّق عليهم أهل اليسار منهم لم يؤخذ منهم، وكذلك أهل الصّوامع إن كان لهم غنى ويسار، وإن كانوا قد صيّروا ما كان لهم لمن ينفقه على الدّيارات ومن فيها من المترهّبين والقوّام أخذت الجزية منهم.»[38][39] وذهب الشّافعيّ في قول وأبو ثور إلى أنّ الجزية تجب على الرّهبان.[38]
ألا يكون من الفلاحين والحراثين الذين لا يقاتلون
أما الفلاحون الذين لا يقاتلون والحراثون فظاهر كلام الأصحاب أن تؤخذ منهم الجزية، لأنهم لم يستثنوهم مع من استثني، وظاهر كلام أحمد أنه لا جزية عليهم، فإنه قال: «من أطبق بابه على نفسه ولم يقاتل لم يقتل، ولا جزية عليه.»[40]
مقدار الجزية
اختلف العلماء في تحديد مقدار الجزية، وذلك لعدم ذكرها في الآية التي فرضت الجزية في سورة التوبة، وقد ذكر القرطبي في تفسيره:
لم يذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه مقدارا للجزية المأخوذة منهم. وقد اختلف العلماء في مقدار الجزية المأخوذة منهم، فقال عطاء بن أبي رباح: لا توقيت فيها، وإنما هو على ما صولحوا عليه. وكذلك قال يحيى بن آدم وأبو عبيد والطبري، إلا أن الطبري قال: أقله دينار وأكثره لا حد له. واحتجوا بما رواه أهل الصحيح عن عمرو بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين على الجزية.
وقال الشافعي: دينار على الغني والفقير من الأحرار البالغين لا ينقص منه شيء واحتج بما رواه أبو داود وغيره عن معاذ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل حالم دينارا في الجزية. قال الشافعي: وهو المبين عن الله تعالى مراده. وهو قول أبي ثور. قال الشافعي: وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز، وإن زادوا وطابت بذلك أنفسهم قبل منهم. وإن صولحوا على ضيافة ثلاثة أيام جاز، إذا كانت الضيافة معلومة في الخبز والشعير والتبن والإدام، وذكر ما على الوسط من ذلك وما على الموسر وذكر موضع النزول والكن من البرد والحر.
وقال مالك فيما رواه عنه ابن القاسم وأشهب ومحمد بن الحارث بن زنجويه: إنها أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق، الغني والفقير سواء ولو كان مجوسيا. لا يزاد ولا ينقص على ما فرض عمر لا يؤخذ منهم غيره. وقد قيل: إن الضعيف يخفف عنه بقدر ما يراه الامام.
وقال ابن القاسم: لا ينقص من فرض عمر لعسر ولا يزاد عليه لغنى. قال أبو عمر: ويؤخذ من فقرائهم بقدر ما يحتملون ولو درهما. وإلى هذا رجع مالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل: اثنا عشر، وأربعة وعشرون، وأربعون. قال الثوري: جاء عن عمر بن الخطاب في ذلك ضرائب مختلفة، فللوالي أن يأخذ بأيها شاء، إذا كانوا أهل ذمة. وأما أهل الصلح فما صولحوا عليه لا غير.[6]
ويقول وهبة الزحيلي:
و مما يدل على عدالة الإسلام أنه ترك أمر تقدير الجزية إلى إجتهاد ولي الأمر بحسب ما يرى من حالات اليسار والفقر في مختلف البيئات والأزمان، وهذا ما نرجحه لاختلاف المقادير التي رويت في السنه وفعل الصحابة، وهو رأي سفيان الثوري وأبي عبيد والشيعة الإمامية، ونقل الماوردي: أنه رأي مالك، وهو رواية أيضاً عن أحمد. ونظراً لاختلاف المروي عن الرسول ﷺ ذهب أئمة المذاهب إلى تقدير الجزية وأقلها دينار أو اثنى عشر درهماً.[41]
أنواع الجزية
ذكر ابن رشد في كتابه حول الفقه المقارن بداية المجتهد أن الجزية عند الفقهاء ثلاثة أصناف:[42]
جزية عَنْويَّة: وهي هذه التي تكلمنا فيها. وهي التي تفرض على الحربيين بعد غلبتهم.[42]
جزية صُلحيَّة: وهي التي يبذلونها طواعية منهم بغير حرب، طلباً للمصلحة والمسالمة مع المسلمين. وهذه ليس فيها تحديد لا في مقداره، ولا فيمن يجب عليه، ولا متى يجب عليه، وإنما ذلك كله راجع إلى الاتفاق الواقع في ذلك بين المسلمين وأهل الصلح، إلا أن يقول قائل: إنه إن كان قبول الجزية الصلحية واجب على المسلمين، فقد يجب أن يكن هنا قدر ما إذا أعطاه الكفار من أنفسهم: وجب على المسلمين قبول ذلك منهم، فيكون أقلها محدوداً وأكثرها غير محدود. ويعلق يوسف القرضاوي على هذا القول بأنه لا يعلم نصاً معتبراً يجب ذلك الحد، بل هو متروك لاجتهاد أولي الأمر بما يحقق مقاصد الشريعة، ومصلحة الأمة، لأن فقه السياسة الشرعية فقه توسعة، لأنه مبني على فقه الموازنات، وفقه الأولويات، وفقه المقاصد، وفقه المآلات، كل ما على ولي الأمر ألا يستبد بالرأي، بل عليه أن يستشير أهل العلم، وأهل الخبرة، وأهل الحكمة، ويأخد برأيهم فيما أجمعوا عليه، أو اجتمع أكثرهم عليه. فقد وصف الله مجتمع المؤمنين بقوله: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾، وأمر رسوله بقوله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ﴾.[42]
جزية عُشْرية: وذلك أن جمهور العلماء على أنه ليس على أهل الذمة عشر ولا زكاة أصلاً في أموالهم. إلا ما روي عن طائفة منهم: أنهم ضاعفوا الصدقة على نصارى بني تغلب. وممن قال بهذا القول: الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري، وهو فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.[42]
والأنبياء عليهم السلام حين غلبوا على بعض الممالك بأمر الله ونصرته أخذوا الجزية من الأمم المغلوبة، بل واستعبدوا الأمم المغلوبة، كما صنع النبي يشوع مع الكنعانيين حين تغلب عليهم «فلم يطردوا الكنعانيين الساكنين في جازر. فسكن الكنعانيون في وسط افرايم إلى هذا اليوم وكانوا عبيداً تحت الجزية»، [49] فجمع لهم بين العبودية والجزية.
وأحيانًا يأتي مصطلح الجزية في العهد الجديد بمعنى أداء الجزية للسلاطين وهو مختلف عن معنى الجزية في الإسلام. وقد يكون أشبه بالزكاة، حيث يعطي العهد الجديد أداء الجزية للسلاطين قداسة ويجعله أمراً دينياً، إذ يقول: «لتخضع كل نفس للسلاطين، السلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة. إذ هو خادم الله، منتقم للغضب من الذي يفعل الشر. لذلك يلزم أن يخضع له ليس بسبب الغضب فقط، بل أيضا بسبب الضمير. فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضاً، إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه، فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، والخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام».[50] وكذلك ورد معنى شبيه في متى 16 - 21: «فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلاَمِيذَهُمْ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللهِ بِالْحَقِّ، وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ. فَقُلْ لَنَا: مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟» فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ وَقَالَ: «لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ أَرُونِي مُعَامَلَةَ الْجِزْيَةِ». فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَارًا. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» قَالُوا لَهُ: «لِقَيْصَرَ». فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ».».[51] وقد نقل العهد الجديد شيوع هذه الصورة حين قال المسيح لسمعان: «ماذا تظن يا سمعان؟ ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية، أمن بنيهم أم من الأجانب؟ قال له بطرس من الأجانب. قال له يسوع: فإذاً البنون أحرار».[52]
في العصور الحديثة
لم تعد الجزية أو وضعية أهل الذمة تفرض على الأقليات غير المسلمة وفي الدول ذات الأغلبية المسلمة.[53] في القرن الحادي والعشرين، يُنظر إلى الجزية على نطاق واسع على أنها تتعارض مع المفاهيم العلمانية المعاصرة للحقوق المدنية للمواطنين والمساواة أمام القانون، [54] على الرغم من وجود تقارير عن إجبار الأقليات الدينية في مناطق النزاع والمناطق الخاضعة لعدم الاستقرار السياسي على دفع الجزية.[54]
في عام 2009، قيل أن مجموعة من المسلحين الذين أشاروا إلى أنفسهم باسم طالبان قد فرضوا ضريبة الجزية على الأقلية السيخية في باكستان بعد احتلالهم لبعض المنازل التابعة للطائفة السيخية واختطاف أحد زعماء السيخ.[55]
في فبراير من عام 2014، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أنها تعتزم على فرض ضريبة الجزية على المسيحيين في مدينة الرقة في سوريا، والتي تسيطر عليها. فرض على المسيحيين الذين رفضوا قبول وضعية أهل الذمة ودفع الضريبة إما أن اعتناق الإسلام أو المغادرة أو الإعدام. فرض على المسيحيين الأثرياء دفع نصف أوقية من الذهب، أي ما يعادل 664 دولارًا أمريكيًا مرتين في السنة؛ في حين فرض على المسيحيين من الطبقة المتوسطة دفع نصف هذا المبلغ، بينما فرض على الفقراء المسيحيين دفع ربع هذا المبلغ.[56] وفي يونيو، ذكر معهد دراسة الحرب أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تدعي أنها جمعت الجزية.[57] وفي 18 يوليو من عام 2014، أمر داعش المسيحيين في الموصل بقبول عقد الذمة ودفع الجزية أو اعتناق الإسلام. وإذا رفضوا قبول أيٍّ من الخيارات الثلاثة فسوف يُقتلون.[58]
^تخريج: يوسف بن أحمد البكري أبو براء وأحمد بن توفيق العاروري أبو أحمد: في «الأموال» (رقم 93)، وأخرجه عبد الرزاق (19267) من طريق معمر عن أيوب... مثله به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين. والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (582/7) والبيهقي في «سننه» (195/9–196) من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع به. قلت: وهذا إسناد صحيح – أيضاً – رجاله رجال الشيخين. وأخرجه البيهقي في «سننه» (198/9) من طريق زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن نافع به. قلت: وهذا إسناد صحيح أيضاً رجاله ثقات.[14]
^تخريج: يوسف بن أحمد البكري أبو براء وأحمد بن توفيق العاروري أبو أحمد: أخرجه أحمد في «مسنده» (230/5) وأبو داود في «سننه» (1578) والترمذي (619–تحفة) والنسائي (25/5–26) وابن ماجة (1803) والدارمي (382/1) والحاكم (398/1) والبيهقي في «سننه» (98/4 و193/9) والدارقطني (102/2) وابن حبان في «صحيحه» (4886) من طريق الأعمش عن شقيق بن سلمة أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل به. قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وجود إسناده ابن القيم، وقد قيل إن مسروقاً لم يسمع من معاذ فيكون الإسناد منقطع. ورد هذا القول ابن عبد البر في «التمهيد» (275/2) فقال: «وقد روي هذا الخبر عن معاذ بإسناد متصل صحيح ثابت». وقال ابن حزم الأندلسي في «المحلى» (16/6): «فوجدنا حديث مسروق إنما ذكر فيه فعل معاذ باليمن في زكاة البقر وهو بلا شك قد أدرك معاذاً وشهيد حكمه وعمله المشهور المنتشر، فصار نقله لذلك ولأنه عن عهد رسول الله ﷺ نقلاً عن الكافة عن معاذ بلا شك، فوجب القول به».[19]
Shelley ConnShelley Conn pada pengambilan gambar Heartbeat pada 2016LahirShelley Deborah Conn21 September 1976 (umur 47)Barnet, London, InggrisPekerjaanPemeranTahun aktif2000–sekarangSuami/istriJonathan KerriganAnakOscar (l. 2012) Shelley Deborah Conn (lahir 21 September 1976) adalah seorang pemeran Inggris. Kehidupan awal dan pendidikan Conn lahir di Barnet, utara London dari orang tua Inggris-India. Ia berdarah campuran, yang meliputi Portugis, Burma dan India.[1][2...
Grand Prix Kanada 2012 Lomba ke-7 dari 20 dalam Formula Satu musim 2012 Detail perlombaanTanggal 10 Juni 2012 (2012-06-10)Nama resmi Formula 1 Grand Prix du Canada 2012[1]Lokasi Circuit Gilles Villeneuve, Montreal, CanadaSirkuit Street circuitPanjang sirkuit 4.361 km (2.71 mi)Jarak tempuh 70 putaran, 305.27 km (189.7 mi)Posisi polePembalap Sebastian Vettel[2] Red Bull-RenaultWaktu 1:13.784Putaran tercepatPembalap Sebastian Vettel Red Bull-RenaultWaktu 1:15.752 putaran ke-...
Artikel ini tidak memiliki referensi atau sumber tepercaya sehingga isinya tidak bisa dipastikan. Tolong bantu perbaiki artikel ini dengan menambahkan referensi yang layak. Tulisan tanpa sumber dapat dipertanyakan dan dihapus sewaktu-waktu.Cari sumber: Asuransi Bintang – berita · surat kabar · buku · cendekiawan · JSTORArtikel ini perlu dikembangkan agar dapat memenuhi kriteria sebagai entri Wikipedia.Bantulah untuk mengembangkan artikel ini. Jika tida...
MoldeNama lengkapMolde FotballklubbNama singkatMFKBerdiri19 June 1911; 112 tahun lalu (19 June 1911)StadionAker StadionMoldeNorway(Kapasitas: 11.800)KetuaRusli WardanaManajerAldi RevaldiPelatihMark DempseyLigaLiga Utama Norwegia2022Juara Kostum kandang Kostum tandang Kostum ketiga Molde Fotballklubb merupakan sebuah klub sepak bola asal Norwegia yang bermain di Liga Utama Norwegia. Didirikan peda tahun 1911. Berbasis di Molde. Klub ini memainkan pertandingan kandangnya di Aker Stadion ya...
American politician (1837–1918) Jacob H. GallingerChairman of the Senate Republican ConferenceIn officeMarch 4, 1913 – August 17, 1918DeputyJames Wolcott Wadsworth Jr. (1915)Preceded byShelby Moore CullomSucceeded byHenry Cabot LodgePresident pro tempore of the United States SenateIn officeFebruary 12, 1912 – March 3, 1913Serving with Augustus O. Bacon, Frank B. Brandegee & Henry Cabot LodgePreceded byAugustus O. BaconSucceeded byJames Paul ClarkeUnited Sta...
State park in Alpine County, California, United States Grover Hot Springs State ParkStreambed and waterfall at Grover Hot SpringsShow map of CaliforniaShow map of the United StatesLocationAlpine County, California, United StatesNearest cityMarkleeville, CaliforniaCoordinates38°42′5″N 119°50′20″W / 38.70139°N 119.83889°W / 38.70139; -119.83889Area553 acres (224 ha)Established1959Governing bodyCalifornia Department of Parks and Recreation Grove...
1963 Queensland state election ← 1960 1 June 1963 (1963-06-01) 1966 → All 78 seats in the Queensland Legislative Assembly40 Assembly seats were needed for a majorityTurnout94.29 ( 1.75 pp) First party Second party Third party Leader Frank Nicklin Jack Duggan Paul Hilton Party Country–Liberal Coalition Labor Queensland Labor Leader since 21 May 1941 18 August 1958 (1958-08-18) 28 May 1960 Leader's seat Landsborough ...
Airline in France Corsair International IATA ICAO Callsign SS CRL CORSAIR Founded17 May 1981; 42 years ago (1981-05-17) (as Corse Air International)Operating basesParis–OrlyFrequent-flyer programClub CorsairFleet size9Destinations14Parent companyConsortium of West Indian InvestorsHeadquartersRungis, FranceKey peoplePascal de IzaguirreRevenue €470,582,300 (2018)[1]Websitewww.flycorsair.com Corsair International, legally Corsair S.A. and previously Corsairfly and C...
Genre of electronic music Not to be confused with Illbient or Chillhop. This article has multiple issues. Please help improve it or discuss these issues on the talk page. (Learn how and when to remove these template messages) This article possibly contains original research. Please improve it by verifying the claims made and adding inline citations. Statements consisting only of original research should be removed. (March 2018) (Learn how and when to remove this message) This article may need...
Ancient city For other uses, see Tiana. TyanaTyana, Cappadocia, TurkeyShown within TurkeyLocationKemerhisar, Niğde Province, TurkeyRegionCappadociaCoordinates37°50′53″N 34°36′40″E / 37.84806°N 34.61111°E / 37.84806; 34.61111TypeSettlementSite notesConditionIn ruins Tyana, earlier known as Tuwana during the Iron Age, and Tūwanuwa during the Bronze Age, was an ancient city in the Anatolian region of Cappadocia, in modern Kemerhisar, Niğde Province, Central...
Prime Minister of Israel (1996–1999, 2009–2021, 2022–present) Netanyahu redirects here. For his brother, see Yonatan Netanyahu. For other people with this name, see Netanyahu (surname). Benjamin Netanyahuבִּנְיָמִין נְתַנְיָהוּOfficial portrait, 20239th Prime Minister of IsraelIncumbentAssumed office 29 December 2022PresidentIsaac HerzogDeputyYariv LevinPreceded byYair LapidIn office31 March 2009 – 13 June 2021President Shimon Peres Reuven Rivlin...
Baseball analytics media company Baseball ProspectusType of siteSports Analytics, Sports CommentaryCreated byMultipleEditorCraig GoldsteinURLbaseballprospectus.comCommercialYesLaunched1996 (1996)Current statusOnline Baseball Prospectus (BP) is an organization that publishes a website, BaseballProspectus.com, devoted to the sabermetric analysis of baseball. BP has a staff of regular columnists and provides advanced statistics as well as player and team performance projections on...
Intentionally planted trees or shrubs that are maintained for food production This article is about the planting of trees in agriculture. For other uses, see Orchard (disambiguation). Meadow orchard (Streuobstwiese) with view to the Lochenhörnle [de] An orchard is an intentional plantation of trees or shrubs that is maintained for food production. Orchards comprise fruit- or nut-producing trees that are generally grown for commercial production. Orchards are also sometimes a fea...
Inner boroughs of Greater London Place in EnglandInner LondonStatutory definitionStatistical definitionSovereign stateUnited KingdomCountryEnglandRegionLondonAdministrative areaGreater LondonArea • Total123 sq mi (319 km2)Population (2021 Census) • Total3,404,300 • Density28,000/sq mi (11,000/km2)NUTSUKI1 Inner London is the name for the group of London boroughs that form the interior part of Greater London and are surrounded by Out...
American politician from Indiana Brian BosmaSpeaker of the Indiana House of RepresentativesIn officeNovember 16, 2010 – March 9, 2020Preceded byPatrick BauerSucceeded byTodd HustonIn officeNovember 16, 2004 – November 21, 2006Preceded byPatrick BauerSucceeded byPatrick BauerMember of the Indiana House of Representativesfrom the 88th districtIn officeNovember 4, 1992 – July 31, 2020Preceded byConstituency establishedSucceeded byChris JeterMember of ...
Music festival BestivalGenreIndependent, danceDatesLate summer, September (4 days)Location(s)Dorset, EnglandYears active2004–2018Attendance50,000Websitebestival.net Bestival was a four-day music festival held in the south of England. The name Bestival is a portmanteau of the words best and festival. It had been held annually in the late summer since 2004 at Robin Hill on the Isle of Wight. In 2017 the festival relocated to the Lulworth Estate in Dorset. The event was organised by DJ and rec...
هذه المقالة تحتاج للمزيد من الوصلات للمقالات الأخرى للمساعدة في ترابط مقالات الموسوعة. فضلًا ساعد في تحسين هذه المقالة بإضافة وصلات إلى المقالات المتعلقة بها الموجودة في النص الحالي. (ديسمبر 2018) ممرض ممارس رعاية صحية للنساء معتمد من مجلس الإدارة (WHNP-BC[1]) هو تعيين لممرضة...
Human settlement in Todmorden, West Yorkshire, England For other uses, see Stansfield (disambiguation) and Stansfield (surname). Human settlement in EnglandStansfieldSt Paul's Church, Cross Stone, Stansfield, Todmorden in 2012StansfieldShow map of CalderdaleStansfieldLocation within West YorkshireShow map of West YorkshireCivil parishTodmordenMetropolitan boroughCalderdaleMetropolitan countyWest YorkshireRegionYorkshire and the HumberCountryEnglandSovereign stateUnited KingdomP...