صدر (تصوف)الصدر في الإسلام
الصَّدْرُ عند الصوفية هو لطيفة ربانية لها بالصدر الجسماني تعلق، ويضم القلب مع النفس واللطائف الستة.[1] الصدر في القرآنذكر القرآن كلمة الصدر ضمن العديد من الآيات في قول الله :
تعريف الصدرالصدر لغةأوردت القواميس العربية تعريفات لمصطلح الصدر نصها:[2] «الصَّدْرُ في اللسان العربي من معانيه:
الصدر عند الصوفيةجعل الإمام عبد القادر الجيلاني الصدر المؤمن أساسا لطريق المريدين عند الصوفية:[3][4]
وأضاف إلى ذلك الإمام ابن عطاء الله السكندري دعاء عرفانيا يجعل يقين الصدر المؤمن أساسا لتطهير المريدين من الريب والشك:[5][6]
وشرح ذلك الشيخ عبد المجيد الشرنوبي بأن الشك هو ضيق الصدر عند إحساس النفس بأمر مكروه يصيبها، فإذا ضاق الصدر أظلم القلب وكثر الحزن والهم عليه، والطهارة منه تكون بحصول ضده وهو العلم النافع واليقين، وبقدر ما يصيب القلب من نور اليقين يكون انشراح الصدر به وفرحه بالله .[7][8]
محتويات الصدرجاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بجرد مستفيض لمحتويات الصدر من اللطائف الربانية، وهي: القلب والنفس والهداية والأعمال. القلبوقد بينت الآية السادسة والأربعون من سورة الحج بأن لطيفة القلب موجودة حقا وصدقا داخل الصدر.[9]
النفسوَبَيَّنَ الحديث الذي رواه الصحابي عبد الله بن عباس بأن لطيفة النفس موجودة حقا وصدقا داخل الصدر بين الجنبين.[10] روي عن عبد الله بن عباس في سنن البيهقي:
وقال أبو بكر الصديق في وصيته لعمر بن الخطاب حين استخلفه:[11]
الهدايةوبينت الآية الخامسة والثلاثون من سورة النور بأن الصدر هو محل استقرار الهداية الإلهية في ذات المسلم.[12]
فنور الله الذي يشرح به صدر المسلم للهداية، يتم استقباله داخل وعاء صدري كالمشكاة التي تجتمع فيها أشعة الإضاءة الإيمانية لتزداد توهجا.[13] وحينما يستقر النور في مشكاة الصدر، فإنه يتغلغل إلى مصباح القلب الذي يصير فيه الإيمان طبعا شفافا رقراقا كالزجاجة.[14] وهذه الزجاجة الإيمانية، داخل مصباح القلب، تستمد وقود إضاءتها من العلم الشرعي الصافي في القرآن الكريم والسنة النبوية.[15] الأعمالفكل الأقوال والأفعال التي يقترفها ويجترحها الإنسان أثناء حياته الدنيا تبقى مخزونة في صدره إلى أن يخرج من قبره يوم القيامة، كما أوردته الآية العاشرة من سورة العاديات:[16]
فالجعبة والوعاء المتمثل في الصدر هو مخزن للأعمال كما أكدت على ذلك الآية الثالثة عشرة من سورة الإسراء:[17]
فآثار ما كان سرا في صدور الناس يبرز ويصبح علانية، ويظهر يوم القيامة ما كان يصنع المخلوقون، ليجازوا عليه أوفر الجزاء، دون أن يُظلموا مثقال ذرة. حالات الصدريعتري اللطيفة الربانية المسماة بالصدر العديد من الحالات، منها الشرح والسلامة والضيق والحرج.[18] الصدر المشروحتُعتبر حالة الشرح التي تعتري الصدر من علامات العافية الإيمانية والمنة الربانية والهداية المتنزلة على المسلم المطيع، وقد وردت في ثلاث آيات من القرآن هما:
فانشراح صدر المسلم للحق والنور يجعله متبعا في ذلك للنبي ﷺ الذي كان صدره منشرحا أتم الشرح، وعليه فإن للمسلمين من أتباعه حظ ونصيب من ذلك في الخير على حسب اتباعهم له.[18] فأتبع الناس لرسول الله ﷺ أشرحهم صدرا، وكلما قويت متابعتهم له علما وعملا وحالا، قوي انشراح صدورهم للإسلام، فيصيرون أشرح الناس صدرا. كما وردت آية واحدة في سورة النحل ارتبط فيها شرح الصدر مع الضلال والكفر:
الصدر السليمتُعتبر حالة السلامة التي تعتري الصدر من علامات كمال الصحة الإيمانية والطمأنينة الربانية والاستقامة عند المسلم المطيع، وقد بين ذلك رسول الله ﷺ في الحديث النبوي الذي رواه عبد الله بن مسعود ، والذي نصه:[19][20][21] روي عن عبد الله بن مسعود في سنن أبي داود:
فسلامة الصدور من النقائص والضغائن والحسد من أسباب دخول الجنة كما أورد ذلك الإمام أحمد وغيره، عن أنس بن مالك في الحديث النبوي الذي نصه:[22] روي عن أنس بن مالك في مسند أحمد:
فليس سهلا أن يكون الإنسان دائمًا سليم الصدر، ليس في قلبه غش، ولا حقد، ولا حسد على أحد من إخوانه، إنه أمر بالغ الصعوبة، ولكن يحصل بالمجاهدة، من وفقه الله له حصل له.[23] وأُثِر عن أبي الدرداء أنَّه كان يدعو لسبعين من أصحابه، يسمِّيهم بأسمائهم، وهذا العمل علامة على سَلَامة الصَّدر.[24] وقد كان أبو موسى الأشعري صوَّامًا قوَّامًا، ربَّانيًّا، زاهدًا، عابدًا، ممَّن جمع العلم والعمل والجهاد وسَلَامة الصَّدر، لم تغيره الإمارة، ولا اغترَّ بالدُّنيا.[25] الصدر الضيقتُعتبر حالة الضيق التي يكابدها الصدر من علامات الضعف الإيماني والعقاب الرباني والضلال المتلبس بالمسلم العاصي، وقد وردت في أربع آيات من القرآن هي:
ومن أهم أسباب ضيق الصدر نجد الخوف والرهبة والتوجس والشك وقلة العلم والفقه.[26]
الصدر الحرجتُعتبر حالة الحرج التي يقاسيها الصدر من علامات شدة الضعف الإيماني المتعلق بالمسلم العاصي، وقد وردت في آيتين اثنتين من القرآن هما:[27][28]
فالحرج بالتالي هو أشد ضيق الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة، ولا يدخله نور الإيمان، لقساوة وكثافة ران الشرك عليه.[29][30] وسوسة الصدريُعتبر الصدر محل وسوسة تستهدف صفاءه ونوره وعافيته، ومصدر هذه الوسوسة هما: الشيطان والنفس.[31] وهذه الوسوسة ما هي إلا حديث وصوت خفي مفاجئ أو مسترسل يخطر بالبال ليحاول إحداث غفلة أو اضطراب وانحراف في صدر المسلم ليصده عن سبيل الله .[32] وقد استعاذ النبي ﷺ من شر وسوسة النفس والشيطان في الدعاء الثابت في أذكار الصباح والمساء والنوم، الذي نصه:[33] روي عن أبي بكر الصديق في سنن الترمذي:
وسوسة الشيطانالشيطان يوسوس في صدر الإنسان في مجال العقيدة والخواطر السيئة والكفرية أساسا، وكذلك يوسوس في مجال الشهوات والغضب.[34][35]
وهذه الوسوسة الشيطانية في الصدر هي قدرة على بث الأفكار والتزيينات والتخويفات والأماني في ذات الإنسان، كما يبث شخصٌ فكرةً ما في عقل شخص آخر ويمنّيه بها، وهي إيصال الفكرة أو التضليل بطريقة خفيّة وكأنّها همس في الأذن.[36] فالشيطان الوسواس لديه القدرة على إثارة وإغارة الصدور عبر بث الأفكار العقلية السيئة أو الميول النفسية المنحرفة.[37] وقد أورد الإمام محمد الشوكاني في تفسير فتح القدير مقولة للتابعي قتادة بن دعامة يصف فيها خرطوم الشيطان الذي يوسوس به في صدور الناس.[38][39]
وسوسة النفسالنفس الأمارة بالسوء توسوس في صدر الإنسان بالأمور الخاصة بالشهوات والغضب أساسا، كما توسوس فيه كذلك بدرجة أقل بالأمور الخاصة بالعقيدة والخواطر السيئة والكفرية.[40]
وقد قال الإمام ابن تيمية في موضوع حديث النفس ووسوستها ما نصه في مجموع الفتاوى:[41][42]
وقال التابعي أبو حازم الأشجعي فِي الْفَرْقِ بَيْنَ وَسْوَسَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ ما نصه:[43][44]
أزيز الصدرأزيز الصدر هو الصوت الذي كان يُسْمَعُ من صدر الرسول ﷺ ومن صدور الصحابة عند قيامهم الليل، أو عند قراءتهم لكتاب الله بخشوع وتدبر، فتدمع عيونهم، وتخشع قلوبهم، وتختلط أصوات تلاوتهم مع بكائهم، فيكون لصدورهم أزيز كما وردت الآثار بذلك.[45][46] روي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه في سنن أبي داود:
فالبُكَاءُ مِن خشية الله سِمَةُ الأنبِياءِ والصَّالحينَ، وهذا الحديثُ بيانٌ لِما كان عليه النَّبِيُّ ﷺ مِن خَشيةِ الله، وفيه يَحكِي عبدُ الله بنُ الشِّخِّيرِ ، أنَّه رأى رسولَ الله ﷺ يُصلِّي وفي صَدْرِه أَزِيزٌ كَأزيِزِ الرحى.[47][48] وأَزيزُ الرَّحَى هو صوتُ الطاحونةِ في دَورانِها عند طَحنِ الحَبِّ، أي إنَّه ﷺ يبْكِي في صَلاته فيُسْمَعُ لصَدْرِه صَوْتٌ يَجِيشُ فيه مِن البُكَاءِ، كأنَّ قلبَه أُشْرِبَ خَوْفَ اللهِ تعالى، واستَولى عليه حتى كأنَّه عَاينَ الحِسابَ.[49][50] وفي رواية أخرى لنفس الحديث جاء ذكر أزيز المرجل، أي قِدر الطبخ، بدلا عن أزيز رحى طحن الحبوب.[51][52] روي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه في رياض الصالحين:
كذلك، فإن الأزيز لغة هو صوت المِرْجَلِ، وهو القِدْر الذي يُطبَخ فيه، وهو من حديد أو حجر أو خزف، ويًسمى كذلك لأنه إذا نُصِبَ كأنه أُقِيمَ على الرِّجْلِ، ويصدر عنه صوت الأزيز عند غليانه بما فيه من الماء والمأكولات، وكذلك يكون الصدر حين يكون تفاعله مع القرآن والذكر والدعاء.[53][54] وقد أورد الإمام عبد الرحمن بن قدامة المقدسي في كتابه مختصر منهاج القاصدين أثرا عن أزيز صدر إبراهيم ، رواه الصحابي أبو الدرداء الأنصاري ، ونصه:[55][56]
علاج أمراض الصدريمرض الصدر بسبب مرض محتوياته من قلب ونفس، ويحتاج إلى ما يحتاجان إليه من الأدوية الربانية كالذكر والدعاء وتلاوة القرآن والعبادات والأعمال الصالحة.[57][58]
وقد بينت الآيتان من سورة التوبة وسورة يونس بأن سبيل علاج الأمراض الإيمانية في الصدور يكون بأدوية معنوية تارة كالموعظة والنصيحة والإرشاد، وعملية تارة أخرى كمراغمة الشياطين والمداومة على الإصلاح الاجتماعي والنشاط الخيري.[59][60] فمرض الصدر الضيق الحرج قد يصير به إلى خراب وهلاك وحتف لا نجاة من أخطارها إلا بحفظ وتلاوة وتعهد القرآن الكريم، كما ورد في الحديث النبوي الذي رواه الصحابي عبد الله بن عباس ، والذي نصه:[61][62] روي عن عبد الله بن عباس في سنن الترمذي:
فالمسلم الذي ليس في صدره وجوفه وقلبه شيء من القرآن، مَثَلُهُ كمثل البيت الخالي الخَرِبِ، وذلك لأن حافظ القرآن في جوفه يجعل بذلك صدره عامراً مزيَّناً بحسب قلة ما فيه وكثرته من الآيات والسور، وإذا خلا صدره وجوفه من شيء من الحفظ فإن ذلك أماره وعلامة على الخراب المعنوي والعملي، وكأنه كالبيت الخالي عن الأمتعة التي بها زينته وبهجته، والقرآن هو الذي يعمر الصدر والجوف والقلب، فيجعل الذات مستنيرة بنور الكتاب العزيز.[63][64] وصلات خارجية
انظر أيضًاهوامش
المراجع
Information related to صدر (تصوف) |