تتلمذَ له عُلَماءُ شيعةٍ كُثُر، وُلِد الكُلَينيُّ في النصف الثاني من القرن الثالث الهجريّ، بقرية كُلَين، على بُعد (38) كيلومترًا من مدينة الرَّيّ، الواقعة في جَنوب العاصمة طِهران، وقد انتهت إليه رئاسة فقهاء الإمامية في أيام المقتدر.
تولَّىٰ أبوه منذ صِغَرِه رعايتَه وتربيتَه، حيثُ علَّمه الأخلاقَ، وحُسْنَ السُّلُوك، والآدابَ الإسلامية، وكان لِخالِه أثرٌ في نشأته وتربيته.
حياته
نسبه وعائلته
هو أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي السلسلي البغدادي الأعور،[3] وذكر ابن عساكر في بيان اسمه: «محمد بن يعقوب ويقال محمد بن علي أبو جعفر الكليني»،[4][5] ويرى السيّد ثامر هاشم حبيب العميدي أن ابن عساكر أخطأ في ذلك، وأن الاسم الأول هو الصحيح.[6] يُكنى الكليني بـ«أبي جعفر»، كما أن جميع أصحاب «الكتب الأربعة» (الكليني، والصدوق، والطوسي) كلّهم يسمون بمحمد ويُكنّونّ بأبي جعفر.[6]
عُرف بـ«الكليني» نسبةً إلى كُلَيْن إحدى توابع مدينة الري، لأنه ولد ونشأ فيها، وهو أحد أشهر ألقابه،[6] وعُرف بـ«الرازي» نسبةً إلى الري، لأن قريته كانت تابعة لمدينة الري، كما أنه ذهب لها في وقتٍ من الأوقات وسمع الحديث من مشايخ الري وروى عَنهم. وعرف كذلك بـ«السلسلي» نسبةً إلى درب السلسلة الذي يقع في ناحية بغداد. كما عرف بـ«البغدادي» نسبةً إلى بغداد حيث انتقل إليها وتوفي فيها،[7] أما تلقيبه بـ«الأعور» قيل بسبب ما كان بين عينيه من غور.[8]
ومن ألقابه، «ثقة الإسلام» ويُعتبر من أشهرها، و«شيخ الأصحاب» فقد انتهت إليه رئاسة الشيعة الإمامية في أيام المقتدر العباسي، كما كان شيخ الشيعة بالري ووجههم، ويلقب كذلك بـ«شيخ المحدثين» باعتباره أحد أبرز علماء الحديث.[9] عرف كذلك بـ«المجدّد»، فيُعد أحد المجددين في المذهب الشيعي الإمامي على رأس المئة الثالثة.[10][11][12]
أبوه هو الشيخ يعقوب الكليني، كان من العلماء المعروفين في كلين، وقبره معروف يزار فيها.[13] وكانت أم الكليني من عائلة معروفة بالدين والعلم، فمنهم: جدها لأبيها إبراهيم الكليني المعروف بعلان، وعمها أحمد بن إبراهيم الكليني، وأبوها محمد بن إبراهيم الكليني، وأخوها علي بن محمد بن إبراهيم الكليني وهو خال الشيخ الكليني.[14]
نشأ الكليني في مدينة الري التي حوت جميع المذاهب من الإسماعيليةوالأحنافوالشافعية فضلًا عن الشيعة الإمامية، فكان على معرفة جيدة بآراء ونظريات تلك المذاهب الكلامية والفقهية، وإلى جانب ذلك قرر الخوض في مجال علم الحديث حفظا وتدوينا متلمذًا على كبار أساتذة الفن في مدينة الري كأبي الحسن أبي الحسن محمد بن جعفر بن عون الأسدي، ثم شدّ الرحال صوب مدينة قم لمواصلة الدراسة في مجال علم الحديث متلمذًا على محدثيها ممن رووا عن العسكريوالهادي مباشرة وبلا واسطة.[19]
تشير الشواهد التاريخية إلى أنّ الكليني قد هاجر إلى بغداد سنة 327 هجرية وبقي فيها السنتين الأخيرتين من عمره حيث كانت بغداد تمثّل المركز العلمي للعالم الإسلامي، ومن الشواهد التي تدلّ على الانتهاء من كتاب الكافي قبل الدخول إلى بغداد أنّه لم يرو عن النواب الأربعة بلا واسطة مع معاصرته لهم، ولشهرة الكليني ومعروفيته رجع إليه الشيعة في الفتوى حتى وصفوه بـــ ثقة الإسلام.[20]
توفى الكليني ببغداد سنة ثلاثمائة وتسع وعشرين وقيل ثمان وعشرين، في شعبان سنة تناثر النجوم، والمقارن لبدء الغيبة الكبرى عن عمر ناهز الثانية والسبعين.[21] وقال النجاشيوالشيخ الطوسي: «وصلى عليه محمد بن جعفر الحسيني أبو قيراط، ودفن بباب الكوفة في مقبرتها»، وقال ابن عبدون: «رأيت قبره في طريق الطائي، وعليه لوح مكتوب فيه اسمه واسم أبيه».[22] وقال محمد باقر الخوانساري: «والقبر الشريف في شرقي بغداد، في تكية المولوية، وعليه شباك من الخارج إلى يسار العابر من الجسر المشهور، تزوره العامة والخاصة».[23]
وهذا غير وارد كما ذكر المؤرخ محمود شكري الآلوسي في كتابه مساجد بغداد وآثارها وذكر إن بناء القبر على هذا الوضع ينبيء إنه مشهد قبر لأحد الخلفاء إذ كان هذا الموضع مقبرة لبني العباس كما ذكر بعض المؤرخين، وكان المسجد من مرافق المدرسة ومتمماتها فمن المحتمل أن يدفن فيه باني المدرسة المذكورة بل هو الظاهر ومن البعيد أن يدفن فيهِ الإمام الكليني أو الزاهد الحارث المحاسبي الذي لا يملك دينارًا ولا درهمًا، وكان أهل العلم والورع في ذلك العصر يتجنبون زخرفة القبور، ومن البعيد أن يصرف غير الخليفة على عمارة مرقده نحو عشرة آلاف دينار فلابد أن يكون ذلك لأحد الخلفاء.[24] والأصح هو ما ذكر إن موقع قبر محمد بن يعقوب الكليني في مدينة الكوفة وليس في بغداد كما دلت عليه المصادر الشيعية، ولكن تم تعمير القبر حاليا في مدرسة الآصفية وما زال الكثير من عوام الشيعة يعتقد إنه مرقد الكليني.
شيوخه وتلامذته
شيوخه
روى الكليني وسمع عمن لا يتناهى كثرة من علماء أهل البيت ورجالهم ومحدثيهم، الذين منهم:[25]
النجاشي:«محمد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الكليني، وكان خاله علان الكليني الرازي، شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث، وأثبتهم، صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمى الكافي في عشرين سنة».[29]
حسين عبد الصمد الحارثي «شيخ عصره في وقته ووجه العلماء والنبلاء. كان أوثق الناس في الحديث وأنقدهم له وأعرفهم به».[30]
العلامة الحلي:«شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم»[27]
نور الله التستري:«ثقة الإسلام ، وواحد الأعلام خصوصاً في الحديث ، فإنّه جهينة الأخبار ، وسابق هذا المضمار ، الذي لا يُشقّ له غبار ، ولا يُعثر له على عِثار»[31]
صدر الدين: «أمين الإسلام ، وثقة الأنام ، الشيخ العالم الكامل ، والمجتهد البارع ، الفاضل محمّد بن يعقوب الكليني ، أعلى الله قدره ، وأنار في سماء العلم بدره»[32]
النووري الطبرسي:«فخر الشيعة ، وتاج الشريعة ، ثقة الإسلام ، وكهف العلماء الأعلام ، أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني ... الرازي ، الشيخ الجليل العظيم ، الكافل لأيتام آل محمّد عليهمالسلام بكتابه الكافي»[33]
المير داماد:«شيخ الدين ، وأمين الإسلام ، نبيه الفرقة ، ووجيه الطائفة ، رئيس المحدّثين ، حجّة الفقه والعلم والحقّ واليقين ، أبي جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني رفع الله درجته في الصدّيقين ، وألحقه بنبيّه وأئمّته الطاهرين»[32]
سيد ابن طاووس:«الشيخ المتّفق على عدالته وفضله وأمانته محمّد بن يعقوب الكليني»[27]
عباس القمي:«الكليني هو الشيخ الأجل قدوة الأنام، وملاذ المحدثين العظام، ومروج المذهب في غيبة الإمام عليه السلام، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي الملقب ثقة الإسلام. ألف الكافي الذي هو أجل الكتب الإسلامية وأعظم المصنفات الإمامية والذي لم يعمل للامامية مثله».[34]
^ثامر هاشم حبيب العميدي (1990م - 1415هـ). دفاع عن الكافي (ط. الأولى). مركز الغدير للدراسات الإسلامية. ج. 1. ص. 35-36. مؤرشف من الأصل في 2022-12-30. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ= (مساعدة)
^محمد مهدي بحر العلوم. الفوائد الرجالية. حققه وعلي عليه محمد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم. النجف الأشرف: مكتبة العلمين الطوسي وبحر العلوم. ج. 3. ص. 336. مؤرشف من الأصل في 2021-02-12.