ولد عبد الملك بن عبد القادر بن أحمد مرتاض في قرية مجيعة التابعة لـ مسيردة العليا بولاية تلمسان في أقصى الغرب الجزائري، يوم الخميس 13 رجب 1354هـ الموافق 10 أكتوبر 1935م. تعلَّم القراءة والكتابة وأصول اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم كاملًا في طفولته في كُتَّاب والده الشيخ عبد القادر بقرية الخماس التي تبعُد عن الحدود المغربية الشرقية زهاء 18 كيلومترًا.
درس عبد الملك المرحلة الابتدائية في المغرب حيث كان يعمل أبوه، ثم التحق عام 1954م بمعهد ابن باديس بقسنطينة في الجزائر، ولكن بعد أشهر اندلعت الثورة الجزائرية فأغلقت سلطة فرنسا المعهد وتفرَّق الطلاب. فمضى إلى المغرب وانتسب إلى جامعة القرويين عام 1955م، وعيِّن في العام التالي مدرِّسًا في مدرسة ابتدائية في مدينة أحفير المغربية. ونال شهادة الدراسة الثانوية الحرَّة (بكالوريا) في مدينة تطوان المغربية عام 1960م.
التحق بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الرِّباط ولم يكمل دراسته فيها، والتحق في الوقت نفسه بكلية الآداب في جامعة الرباط وحصل على شهادتها التي تعادل (ليسانس) عام 1963م، وكذلك حصل في السنة نفسها على شهادة المدرسة العليا للأساتذة.
وفي عام 1970م حصل على شهادة دكتوراه الطور الثالث بالآداب، من جامعة الجزائر عن رسالته (فن المقامات في الأدب العربي) بإشراف الأستاذ السوري الدكتور إحسان النص، ورأَسَ لجنة المناقشة الأستاذ السوري المحقق الدكتور شكري فيصل، ليكون عبد الملك مرتاض أولَ من يظفر بهذه الشهادة في الجزائر. ثم في عام 1983م نال شهادة دكتوراه الدولة في الأدب بمرتبة الشرف من جامعة السوربون الثالثة بباريس، عن رسالته (أجناس النثر الأدبي في الجزائر) بإشراف الأستاذ أندري ميكائيل ورئاسة الأستاذ محمد أركون.[5]
أعماله ووظائفه
بعد تخرُّجه في المغرب عام 1963م عاد إلى الجزائر، فعُين مستشارًا تربويًّا للمدارس الابتدائية بمدينة وهران، ثم مدرِّسًا للأدب العربي في ثانوية ابن باديس إلى عام 1970م.
وبعد حصوله على الدكتوراه عُيِّن مدرِّسًا للأدب العربي في جامعة وهران 1970م، وتولى رئاسة دائرة اللغة العربية وآدابها فيها لدى استحداثها أول مرة في العام التالي، ثم صار مديرًا لمعهد اللغة العربية وآدابها لدى استحداثه أول مرة في جامعة وهران عام 1974م، ثم نائبًا لمدير الجامعة من عام 1980 إلى 1983م. وتولى منصبَ مدير الثقافة والإعلام لولاية وهران، مع استمرار عمله في الجامعة، إلى عام 1986م. وأصبح رئيسَ وحدة البحث في اللغة والأدب العربي في جامعة وهران عام 1989م.
ورُقِّيَ إلى درجة أستاذ كرسي في التعليم العالي (بروفيسور) عام 1986م، ثم عُيِّن في منصب رئيس المجلس العلمي بمعهد اللغة العربية وآدابها من 1986 إلى 1998م،[5] ثم في منصب رئيس المجلس الأعلى للغة العربية من عام 1998 إلى 2001م. وعُيِّن عضوًا في المجلس الإسلامي الأعلى، التابع لرئاسة الجمهورية في الجزائر، وهو منصب دستوري، عام 1998م. وعمل عام 2011م أستاذًا لمقياس الأدب الجزائري.
انتُخِب عضوًا مراسلًا في مجمع اللغة العربية بدمشق عام 2002م،[6] وكان عضوًا في لجنة التحكيم لمسابقة أمير الشعراء التي أقيمت في عاصمة دولة الإمارات أبو ظبي. وانتُخب من قبلُ رئيسًا لفرع اتحاد الكتَّاب الجزائريين بولايات الغرب الجزائري عام 1975م، وعضوًا في الهيئة المديرة لاتحاد الكتَّاب الجزائريين عام 1981م، ثم انتُخب أمينًا وطنيًّا (قُطريًّا) مكلَّفًا بشؤون الكتَّاب الجزائريين من عام 1984 إلى 1989م. وعُيِّن عضوًا في الهيئة الاستشارية لمجلة (كتابات معاصرة) في بيروت عام 1988م، وعضوًا في الهيئة الاستشارية لمجلة (أصوات) بصنعاء في اليمن عام 1993م.
وعُيِّن عضوًا في اللجنة والوطنية لإصلاح التعليم العالي بالجزائر عام 1994م، ورأسَ تحرير مجلة (الحداثة) التي يصدرها معهد اللغة العربية وآدابها في جامعة وهران، ثم أسَّس مجلة (دراسات جزائرية) في المعهد نفسه عام 1998م. وأسَّس (مجلة اللغة العربية) بالمجلس الأعلى للغة العربية، ورأسَ تحريرها من 1998 إلى 2001م. وعُيِّن عضوًا في الهيئة الاستشارية لمؤسسة البابطين للإبداع الشعري في الكويت، مدَّة أربع سنوات، من عام 1997 إلى 2000م.
سُجِّل اسمُه في موسوعة لاروس بباريس مصنَّفًا في النقَّاد، وسُجِّل في موسوعات عربية وأجنبية أُخرى في سوريا، والجزائر، وألمانيا.[7]
وعُرف عبد الملك مرتاض بتواضعه ولطفه، وحاز احترامَ طلَّابه في الجامعة ومحبَّتهم.
صفته
وصفه تلميذه الدكتور الناقد الدكتور إبراهيم أبو طالب بقوله: « عبد الملك مرتاض كاتبٌ مبدع يمتلك ناصية البيان وإشراق العبارة وجمال السبك، متحكمٌ في التركيب مدهشٌ في البناء، خلال أكثر من نصف قرن زادت مؤلفاته العلمية عن ثمانين مؤلفًا، تفخر به الجزائر، وقد عرفتْهُ مؤرخًا وناقدًا ومبدعًا، كما عرفته الأقطار العربية كلها منظِّرًا، ومحاضرًا، ومحللًا، ولغويًّا، وعضوًا في عددٍ من المجامع اللغوية، ومحكَّمًا في البرامج الثقافية والشعرية، والمؤسسات العلمية البارزة في المشرق والمغرب... هذا السُّوربوني ذو الثقافة الفرنسية والاتصال بالغرب دراسةً وثقافةً وحداثةً له تكوينه العربي التُّراثيّ ومرجعيته العربية الأصيلة».[8]
أسرته
والده الشيخ عبد القادر بن أحمد بن أبي طالب بن محمد بن أبي طالب (ت 1991م) كان إمامًا وعمل في القضاء خمس سنين في المملكة المغربية، وأمُّه زينب بنت أحمد السوالي، وله ثلاثة إخوة وأربع أخَوات. واشتَهَر من أسرته أخواه: الدكتور محمد مرتاض والدكتور عبد الجليل مرتاض، الأستاذان بكلية الآداب في جامعة تلمسان. وله خمسة أولاد.[9]
مؤلفاته وآثاره
1) دراسات
القصة في الأدب العربي القديم 1968
نهضة الأدب العربي المعاصر في الجزائر (من 1925- 1954) 1971
توفي عبد الملك مرتاض بعد معاناة المرض في الجزائر، يوم الجمعة 19 ربيع الآخر 1445هـ الموافق 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023م.
وعزَّى رئيسُ الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون، فيه قائلًا: «انتقل إلى جوار ربِّه في هذه الجمعة المباركة الدكتور عبد المالك مرتاض أحدُ أعمدة اللغة العربية في الجزائر ومربي الأجيال. رحل الرجلُ ويبقى الأثر. تعازيَّ العميقة لأسرة الفقيد، وألهمهم جميلَ الصبر والسُّلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون».[16]
وكانت نعَتْه الدكتورة صورية مولوجي وزيرة الثقافة والفنون الجزائرية، وقالت: «بعين دامعة، وقلب خاشع، ونفس مسلمة راضية، تلقَّينا النبأ المفجع بوفاة المشمول بعفو الله تعالى ورضاه، الأديب الكبير عبد المالك مرتاض، تقبله الله في عداد الصالحين من عباده. الجزائر بل العالم العربي كله خسر برحيل الأستاذ مرتاض قامةً شامخة في الأدب العربي، فهو الأديبُ الروائي والمفكر والناقد والمؤرِّخ، فقد أسهم إسهامًا واسعًا في عديد ميادين المعرفة و العلم والأدب».[17]