جامعة القرويين هي جامعة تقع في مدينة فاس، بالمغرب، وتعتبر وفقًا لليونسكو وبناءً على تصنيفات كتاب غينيس للأرقام القياسية[4] أقدم مؤسسة تعليم عالٍ وأول جامعة تمنح إجازة في الطب في العالم[5] وهي ما زالت تُدرَّس حتى الآن دون انقطاعٍ.[6] ويُشِير إليها المؤرخون بأنها أقدم جامعة في العالم.[7] تُعد الجامعة مؤسسةً تعليمية تابعة لجامع القرويين[8] الذي قامت ببنائه السيدة فاطمة بنت محمد الفهري القرشي عام 245 هجرية المُوافق 859 ميلادية[9]، والذي أصبح فيما بعد واحدًا من المراكز الروحية والتعليمية الرائدة في العصر الذهبيللعالم الإسلامي.[10] وقد بدأت الجامعة التدريس بعد بناء الجامع مباشرةً على شكل دروس وحلقات علم تعقد فيها، في مدينة فاسالمغربية غير أن بعض المؤرخين يعتقدون أنها لم تُصبح جامعة إلا في العهد المرابطي أو المريني. تُعدّ جامعة القرويين أيضًا أول مؤسسة علمية اخترعت الكراسي العلمية المتخصصة، والدرجات العلمية في العالم. وقد أُدمجت في نظام الجامعات الحكومية الحديث في المغرب في عام 1382 هـ/1963 م. كما أن تصميم وطراز المسجد يمثل العمارة المغربية والإسلامية التاريخية التي تضم زخارف متنوعة عديدة لفترات مُختلفة من التاريخ المغربي.[11]
يُركّز التعليم في جامعة القرويين على العلوم الدينية والفقهية الإسلامية مع التركيز الشديد على القواعد اللغويةللعربية الفصحىوالفقه المالكي،[12] كما تقدم أيضًا للطلاب بعض الدروس حول مواضيع أخرى غير إسلامية مثل الفرنسية والإنجليزية. تُدرِّس الجامعة بطريقةٍ تقليديّةٍ، حيث يجلس الطلاب في نصف دائرة (حلقة) حول شيخ، الذي يدفعهم لقراءة أقسام من نص معين، ويطرح عليهم أسئلة حول نقاط معينة من القواعد أو الفقه أو التفسير، ويشرح النقاط الصعبة.[13] يحضر جامعة القرويين طلاب من جميع أنحاء المغرب وأفريقيا الغربية الإسلامية، على الرغم من أن عددًا قليلاً منهم قد يأتون من أماكن بعيدة مثل آسيا الوسطى الإسلامية. وحتى المسلمين الإسبان الذين اعتنقوا المذهب المالكي يحضرون إلى المؤسسة في كثير من الأحيان، ويجذبهم إلى حد كبير حقيقة أن شيوخ جامعة القرويين، والعلم الإسلامي في المغرب عمومًا، هم ورثة للتراث الديني الغني والعلمي لمسلمي الأندلس.[14] تتراوح أعمار معظم الطلاب في جامعة القرويين ما بين 13 و 30 سنةً، ويدرسون إلى شهادة الثانوية والشهادات الجامعية، كما يمكن للمسلمين الذين يتمتعون بمستوى عالٍ في اللُغة العربِيِّة أيضًا حضور حلقات المحاضرات على أساس غير رسمي، نظرًا للفئة التقليدية للزوار الباحثين عن المعرفة الدينية والفقهية (طلاب العلم). بالإضافة إلى كونهم مسلمين، يُطلب من الطلاب المرشحين للدراسة في جامعة القرويين حفظ القرآن كاملاً، فضلاً عن العديد من النصوص الإسلامية الأخرى في العصور الوسطى حول القواعد النحوية والفقه المالكي، وبصفةً عامةً أن يكونوا متمكنين من اللغة العربية الفصحى. ومن المفاهيم الخاطئة والشائعة أن الجامعة مفتوحة للرجال فقط؛ ذلك أن الجامعة مفتوحة للرجال والنساء على حدٍ سواء، حيث قُبلت النساء لأول مرة في الجامعة في الأربعينيات.[15]
الاسم العربي للجامعة، جَامِعَةُ الْقَرَوِيِّينَ وسيلة «جامعة الشعب من القَيْرَوَان» أصل عائلة فاطمة الفهرية من إفريقية[18] وذكر المؤرخ المغربي علي الجزنائي أن اسم القرويين يعود إلى عهد إدريس الثاني (177 – 213 هـ، 793 – 828 م) مؤسس عُدْوة القرويين التي شُرع في بنائها في 1 ربيع الأول 193 المُوافق فيه 22 يناير 809 م بالمنطقة الغربية من مدينة فاس، لاستقبال المهاجرين الأفارقة من مدينة القيروان.[19]
التاريخ
تأسيس المسجد
تأسس جامع القرويين[20] على يد السيدة فاطمة الفهرية،(3)[21] وهي ابنة تاجر ثري اسمه محمد الفهري، عام 245 هـ الموافق 859 م.[22] هاجرت عائلة الفهري من القيروانبإفريقية، تونس حاليًا إلى فاس في أوائل القرن التاسع، وانضمت إلى مجتمع من المهاجرين الآخرين من القيروان الذين استقروا في عدوة القرويين في فاس (4). ورثت فاطمة وشقيقتها مريم الفهرية، اللتان كانتا على جانب من العلم والفضل معًا،[23] مبلغًا كبيرًا من المال من والدهما،[24] وهناك روايات أخرى بأن فاطمة الفهرية أتت إلى مدينة فاس مع أختها وزوجها، وليس مع والدها، وورثت منهما بعد أن توفيا،[25] فتعهدت فاطمة بإنفاق كامل ميراثها على بناء مسجد مُناسب لمجتمعها، أي في فاس عاصمة الدولة الإدريسية. بينما تعهدت أختها ببناء مسجد الأندلسيين.[26] اشترت فاطمة الفهرية بستانًا وحصلت على تصريح الأمير الإدريسي يحيى بن إدريس لبناء النواة الأولى لجامع القرويين.[27] ولضمان صيانة المسجد وضمان سيرورته، قامت بوقف جميع ممتلكاتها. في البداية، كان المسجد مجرد مكان صغير للخطبة، حتى أن صلاة الجمعة كانت ما تزال تُقام في جامع الشرفاء.
عند أعمال الترميم في البلاط الأوسط فوق قوس المحراب القديم، عُثر على لوحة مدفونة تحت الجبس منقوش عليها جملة بالخط الكوفي الأفريقي العتيق: «بُني هذا المسجد في شهر ذي القعدة من سنة ثلاثة وستين ومائتي سنة مما أمر به الإمام أعزه الله داود بن إدريس أبقاه الله ونصره نصرًا عزيزًا». مِمَّا يُضرب في رواية المنسوبة لفاطمة الفهرية.[28] ويشكك فيها خصوصًا أنها لم تذكر في كُتب التاريخ إلى حين القرن 13 ميلادي من طرف المؤرخ ابن أبي زرع، أي أربع قرون بعد بناء المسجد، فصارت فاطمة الفهرية محل جدل بين المؤرخين. لكن «التقاليد القديمة لا تلح في ذكر أسماء النساء على المباني سيما مع ما أثر من أن الشعوب قد تقوم بالمشاريع وترجو إلى الملوك تبنيها تقديرًا لهم وتكريمًا لمقامهم».[29]
في القرن الرابع هجري المُوافق للقرن العاشر ميلادي، سقطت الدولة الأدارسة وأصبحت فاس موضع نزاع بين الدولة الفاطميةوالدولة الأموية في الأندلس وحلفائهم.[26] خلال هذه الفترة، زادت مكانة جامعة القرويين تدريجيًا، حيث نُقلت خطبة الجمعة من جامع الشرفاءلإدريس الثاني(5) إلى مسجد القرويين، ممَّا منحه صفة المسجد الجامع، فصار المسجد الرئيسي في تلك العدوة كلها.[30] وقد حدث هذا النقل إما في سنة 307 هـ/919 – 920 م أو في 321 هـ/933 م،[27] وهما تاريخان يتوافقان مع الفترة الوجيزة للسيطرة الفاطِمِيَّة على المدينة، [31] مِمَّا قد يَدُّل على أنَّ هذا النقل رُبما يكون حدث بمبادرةٍ فاطمية. كما صُنع للمسجد منبرًا من خشب الصنوبر.[32] في عام 307 هـ الموافق ل919 – 920 م. [33] وبشكلٍ عام، استمر المسجد ومؤسسته التعليمية في التمتع بالاحترام من النخب السياسية، وقد وسع المرابطون المسجد توسعًا كبيرًا، وقامت السلالات اللاحقة بتزيينه عدة مرات.[11] وقد ثبت عُرفًا بأن تقوم جميع مساجد فاس الأخرى بالأذان حسب توقيت القرويين.[34]
قام القرويين بتجميع مجموعة كبيرة من المخطوطات التي كانت محفوظة في مكتبةٍ أسسها السلطان المرينيأبو عِنان فارس في عام 750 هـ المُوافق 1349 م.[39] ومن بين أثمن المخطوطات الموجودة حاليًا في المكتبة مُجلد المُوَطّأ الشهير للإمام مالك مكتوبة على رق الغزال، وسيرة ابن إسحاق، ونسخة من القرآن الكريم التي قدمها السلطان أحمد المنصور في 1011 هـ المُوافق 1602 م، والنسخة الأصلية من كتاب ابن خلدونالعبر وديوان المبتدأ والخبر.[40] ومن بين المواد التي تُدرسها، إلى جانب القرآن والفقه(6)، النحو والبلاغة والمنطق والطب والرياضيات وعلم الفلك.
كان مولاي الرشيد بن الشريف وهو أول سلطان لسلالة العلويين، يولي أهمية كبيرة للمجال العلمي، ممّا كان في صالح الجامعة. دعا العلماء المُسلمين، الذين كانوا يُسمون أنفسهم «الشراطين» وأسس تقليد «سلطان الطلبة»،[44] وهي تظاهرة سنوية تُجرى كل عطلة ربيعية[45] تحت قيادة المخزن أو السلطان نفسه،[46] التي خلالها يختار الطلاب سلطانًا، يحكم لمدة 15 يومًا، وبهذه المناسبة، تنظم ندوات علمية ومناظرات حول أسئلة حاسمة، تلقى الخطب وتقرأ القصائد، تقوم نخبة من وجهاء المدينة بتكريم هذا الحدث بحضورهم وإخبار سلطان الطلاب باهتمامهم.[47] هذا الحدث، الذي أدى إلى ظهور مهرجان شعبي من نوع خاص، تميز أيضًا بحدث نادر، زيارة السلطان العلوي الذي يقدم في بعض الأحيان هدايا للطلاب، ويستمع إلى شكاويهم ويحرص على تنفيذ رغباتهم. كانت هذه الزيارة بمثابة شهادة مؤكدة وأكبر دليل على أن السلطان مهتم بالعلم ومروجيه الحاليين والمستقبليين. إلتفاتة لم تسجل مثلها في أي مكان آخر في العالم أو على الأقل بنفس هذا الشكل.[46]
سار محمد الثالث بن عبد الله على نهج آباءه وأجداده وأثر تدخله بشكل حاسم على جهود الجامعة لإعادة تنظيم تعليمها، أو حتى تكييفها مع الاحتياجات وتوقعات الطلاب التي رُحب بها. وهو بذلك فتح ملفًا خاصًا بالجامعة وسن ظهيرًا ملكيًا في عام 1203 هجرية الموافق 1789 ميلادية أمر فيه شيخ القرويين بتحديد المواد التي تدرس والإشارة إلى الأعمال المرجعية.
في ذلك الوقت، بحسب المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي، فقد كان في فاس على عهد بداية حكم السلاطين العلويين (1076م) مئة كرسي لتدريس العلوم، أنشئت عشرون منها في جامعة القرويين والبعض الآخر منتشر في جميع أنحاء المدينة في مختلف ملحقاتها. تشير المصادر نفسها إلى عدد كبير من المكتبات العامة والخاصة.[48]
الاحتلال الفرنسي
في الفترة التي أصبح فيها المغرب تحت الاحتلال الفرنسي في عام 1912، شهدت جامعة القرويين تدهورًا كمركز ديني تعليمي مقارنة بذروتها وأوج نشاطها في العصور الوسطى.[49] بالمقابل، احتفظت ببعض الأهمية كمكان تعليمي لإدارة السلطان.[50] قُسمت الهيئة الطلابية بشكل صارم على مستوى الطبقات الاجتماعية. حيث يحدد العرق(9) والوضع الاجتماعي والثروة الشخصية والخلفية الجغرافية(10) لقبول عضوية المجموعة الطلاب الذين كانوا يفصلون في مرفق التدريس وكذلك في أماكنهم الشخصية.[50] رغم ذلك إلى أن الجامعة لعبت دورًا مهمًا في مقاومة الاحتلال في البلاد، حيث كانت تقع التجمعات وتلقي الخطب في القرويين للاحتجاج على التصرفات الأجنبية وأعمالها، ومن طلبتها ومتخرجيها كان الدعاة ينتشرون لبث فكرة الاستقلال ورفض الاحتلال وتكوين الحلقات السرية في البوادي والجبال والصحاري والقرى النائية، ممَّا كان يعرضهم للسجن والقمع والضرب والفصل من الجامعة. نفذت الإدارة الفرنسية عددًا من الإصلاحات الهيكلية بين عامي 1914 م و1947 م، لكنها لم تقم بتحديث محتويات التدريس والتي كانت لا تزال تهيمن عليها وجهات النظر العلماء المسلمين.[50] في الوقت نفسه، تضاءلت أعداد الطلاب في الجامعة إلى ما مجموعه 300 طالب في عام 1922 م حيث بدأت النخبة المغربية بإرسال أطفالها إلى الكليات والمعاهد الغربية الجديدة في البلاد.[50]
في عام 1947 م، دُمجت الجامعة في النظام التعليمي للدولة.(11)
الحقبة المعاصرة
وفي عام 1963 م، حُولت المدرسة أخيرًا إلى جامعة تحت إشراف وزارة التربية والتعليم بمرسوم ملكي[51] بعد الاستقلال.[52] أُغلقت المدرسة القديمة وأُنشيء الحرم الجامعي الجديد في ثكنات الجيش الفرنسي السابقة.[50] بينما شغل العميد مقعده في فاس، أنشأت أربع كليات داخل المدينة وخارجها: كلية الشريعة الإسلامية في فاس، كلية الدراسات العربية في مراكش وكلية أصول الدين في تطوان[53]، بالإضافة إلى كلية الشريعة بأيت ملول وكلية العلوم الشرعية بالسمارة بالقرب من أكادير في عام 1979 م. قدمت المناهج والكتب الدراسية الحديثة وتحسن التدريب المهني للمعلمين.[54] بعد الإصلاحات، تغير اسم القرويين رسميًا إلى «جامعة القرويين» عام 1965 م.[50]
في عام 1975 م، حُولت الدراسات العامة إلى جامعة سيدي محمد بن عبد الله التي تأسست حديثًا في حين حافظت جامعة القرويين على مقررات الدراسات الإسلامية والعقائدية.[50]
في عام 1988 م، بعد توقف دام ما يقرب من ثلاثة عقود، استأنف الملك الحسن الثاني تدريس التربية الإسلامية التقليدية في مدرسة القرويين في ما فُسر على أنه خطوة لتعزيز الدعم المحافظللنظام الملكي.[50]
التاريخ المعماري
التاريخ المبكر
أسست فاطمة الفهرية المسجد عام 859 ميلادية المُوافق 244 هجرية، ولكن شكله الحالي هو نتيجة لتطور تاريخي طويل على مدى أكثر من 1000 عام. للمبنى الأصلي، الذي ما زالت هناك بعض من آثاره في تصميم المسجد الحالي، والذي يمثل حاليًا المنطقة المركزية لقاعة الصلاة الواقعة جنوب الفناء.[11][55] بين القرن التاسع والعاشر كان له تصميم أرضي مستطيل يبلغ طوله 36 × 32 مترًا، ويغطي مساحة 1520 مترًا مربعًا، وكان يتألف من قاعة للصلاة مع أربعة ممرات عرضية (12).[56] يُعتقد أنه كان بها أيضًا فناء صغير الحجم نسبيًا، كما ورد أنَّ المئذنة الأولى، كانت قليلة الارتفاع أيضًا أو متطامنة الإشراف كما يقول الجزنائي،[57][58] وقد كانت تقع حيث العنزة[59] الحالية والمدخل المركزي لقاعة الصلاة من الصحن.[60] كما كان هناك بئر شماليَّ المسجد في منطقة قريبة من الصحن القديم لتوفير المياه،[11] ومازال موقع البئر معروفًا إلى الآن لدى قيّمي المسجد ينعتونه بالبئر المغمور.[61]
مع نمو مدينة فاس ومع زيادة حظوة المسجد أيضًا، لم يكن المبنى الأصلي كافيًا لاحتياجات المدينة الدينية والمؤسسية.[11][62] لذا فخلال القرن العاشر، تنافست الخلافة الأموية في الأندلسوالخلافة الفاطمية في إفريقية باستمرار للسيطرة على فاس والمغرب، التي كانت بمثابة منطقة عازلة بين الاثنين.[26] على الرغم من هذه الفترة غير المستقرة، تلقى المسجد رعاية كبيرة ووُسِّع بصورة ملحوظة. كتب أمير قبيلة زناتة البربرية الأمير أحمد بن أبي سعيد، أو أحمد بن أبي بكر الزناتي حسب الجزنائي،[58] أحد حكام فاس خلال هذه الفترة والذي كان متحالفًا مع الأمويين، إلى الخليفة عبد الرحمن الثالث في قرطبة للحصول على إذن وتمويل لتوسيع المسجد.[11] وافق الخليفة، فهدم الصومعة متطامنة الإشراف وابتدأ العمل على الصومعة الجديدة في 03 رجب 344هـ/27 أكتوبر 955م وأُنهيت الأشغال في الربيع الثاني 345 هـ/يوليو 956م.[63][11] وَسّع هذا العمل المسجد من ثلاث جِهات، ليشمل مساحة الفناء الحالي في الشمال وحتى الحدود الشرقية والغربية الحالية للمبنى.[64] كما استُبدلت المئذنة الأصلية بمئذنة جديدة أكبر[65] والتي لا تزال قائمة حتى اليوم. يُلاحظ أيضًا أن شكلها العام، بعمود مربع، كان مؤشرًا على التطور المآذن المغاربيةوالأندلسية.[11][64] للإشارة فقد نُفذت أعمال مماثلة أيضًا في عهد عبد الرحمن الثالث وفي نفس الوقت على مسجد الأندلسيين، وهو مسجد كبير آخر في فاس.[64] زُيّن المسجد مرةً أخرى بالزخارف وذلك عندما قاد الحاكم الأميري المظفر ابن المنصور بن أبي عامر حملة عسكرية إلى فاس في 998م/388هـ. وبني منبرًا جديدًا(13) وقبة جديدةً مزخرفةً بطلمسات على شكل فأر وثعبان وعقرب،[66][67] ولكن لم تنج أي من هذه الأعمال.[11] وبنى أيضًا السقاية والبيلة المستطيلة التي عن يسار الخارج من باب الحفاة وجلب لهما الماء من وادي حسن.[68][67]
الفترة المرابطية
في القرن الثاني عشر نُفذت واحدة من أهم التوسعات والتجديدات التي شهدها المسجد بين سنة 529 هجرية المُوافقة لسنة 1135م و537 هجرية المُوافقة لسنة 1143م تحت رعاية الحاكم المرابطيعلي بن يوسف، حيث يََديِنُ الشكل الحالي للمسجد بالكثير لهذا العمل.[11] وُسّعت قاعة الصلاة عن طريق تفكيك الجدار الجنوبي(14) الحالي وإضافة ثلاثة ممرات عرضية أخرى، وبذلك ارتفع عددها من 7 إلى 10، مع نفس شكل الأقواس الموجودة في المسجد.[69] تَطَّلب هذا التوسع شراء وهدم عدد من المنازل والمباني المجاورة، بما في ذلك بعض المنازل التي كانت جزءًا من الحي اليهودي(15) القريب.[11] لم يشمل التوسع الجديد للمسجد فقط محرابًا جديدًا فقط(16) في منتصف الجدار الجنوبي الجديد، ولكن أيضًا إعادة بناء وتزيين «الصحن» المركزي لقاعة الصلاة(17) المؤدية من الفناء إلى المحراب. لم يقتصر الأمر على تجميل بعض الأقواس بأشكال جديدة فحسب، بل أيضًا إضافة سلسلة من سقوف القبة المتقنة للغاية والمكونة من منحوتات المقرنصات(35) وزينت أيضًا بنقوش معقدة من الزخرفة العربية وحروف الخط الكوفي.[70] وأخيرًا، إِكْتَمَلَ عام 538 هجرية الموافق 1144 ميلادية تركيب المنبر الجديد، بنمط مشابه ومنشأ فني مماثل للمنبر الشهير(18)لجامع الكتبية.[11] المنبر مصنوع من خشب الصندل والأبنوس والنارنج والعناب وعظم العاج،[68] في عمل متقن من الخشب المطعم، مزين بمواد مرصعة ونقوش الزخرفة العربية المنحوتة بشكل مُعقد، وهو يُمثل عملًا آخر عالي الدقة بأسلوب تمت محاكاته للمنابر المغربية اللاحقة، [11][71]، وهو حسب عبد الهادي التازي، أول تحفة في العالم الإسلامي صُنعت في مدينة فاس.[72]
وفي الأماكن الأخرى، أُضيفت للعديد من المداخل الرئيسية للمسجد أبوابًا مصنوعة من الخشب مُغطاة بتركيبات برونزية مُزخرفة، والتي تعد اليوم من أقدم الأعمال الفنية البرونزية المتبقية في العمارة المغربية/الأندلسية.[73] وهناك أيضًا عناصر أخرى مثير للاهتمام أُضيفت للمسجد وتتضمن الباب الغربي الكبير الذي بسماط الموثقين، بُنيً من مال الأحباس في أيام القاضي محمد بن عيسى السبتي سنة 505 هجرية الموافق 1111 ميلادية،[74] وكذلك باب الشماعين أيام القاضي محمد بن داود سنة 518 هجرية الموافقة لسنة 1124 ميلادية.[74] كما بنوا منصة خطابة ثانوية صغيرة، تُعرف باسم جامع الجنائز،(19)[72] والتي فصلت عن قاعة الصلاة الرئيسية ومخصصة لتقديم صلاة الجنازة على الميت قبل دفنه.[11] كما زودوا بيت الصلاة بمنبر من عود ثمين.
الفترة الموحّديَّة
استمرت السلالات اللاحقة في تزيين المسجد أو إهدائه مفروشات جديدة، على الرغم من عدم وجود أعمال جذرية مثل التوسع المرابطي. دخل الموحدون(20) مدينة فاس بعد حصار دام سنة واحدة 1145 – 1146 م.[75] أفادت مصادر تاريخية قصة تدعي أن سكان فاس، خوفًا من أن يستاء الموحدين «المتشددين» من الزخرفة الفخمة الموضوعة داخل المسجد، فسارعوا إلى تغطية بعض المنحوتات والزخارف المنمقة التي تعود إلى توسعة ابن يوسف قرب المحراب.[76] مع أن الباحث الفرنسي هنري تراس أشار إلى أن هذه العملية رُبما أجرتها سلطات الموحدين نفسها بعد بضع سنوات.[11] ولم تكشف زخارف المرابطين بالكامل مرة أخرى إلا خلال تجديدات أوائل القرن العشرين.[77]
ومع ذلك، في عهد محمد الناصر (حكم 1199-1213)، قام الموحدون بإضافة أو تحسين عدد من الأشياء في المسجد، تميز بعضها بزينة زخرفية قوية. طُورت مرافق الوضوء في الفناء، وذلك بإضافة غرفة وضوء منفصلة إلى الشمال(22)، وبنيت غرفة تخزين جديدة تحت الأرض.[11] كما استبدلوا الثريا الكبرى للمسجد بأخرى جديدة وأكثر زخرفة بالبرونز، لا تزال الثريا معلقةً في الصحن المركزي للمسجد إلى اليوم.[69] والتي وصفها هنري تراس بأنها «أكبر وأجمل ثريا في العالم الإسلامي».
الفترة المرينية
قدم المرينيون، الذين كانوا مسؤولين عن بناء العديد من المدارس الفخمة حول فاس، مساهمات مختلفة في المسجد. في عام 1286، قاموا بترميم وحماية مئذنة القرن العاشر، التي كانت مصنوعة من حجر رديء الجودة ومتهالك، من خلال تغطيته بالجير المطفأ الأبيض.[11] كما قاموا عند سفحه الجنوبي ببناء دار المؤقت، وهي غرفة لصاحب الوقت في المسجد والتي كانت مسؤولة عن تحديد أوقات الصلاة بدقة. وجُهزت الغرفة بالأسطرلاب وجميع أنواع المعدات العلمية في ذلك العصر للمساعدة في هذه المهمة.[11] كما أُعيد بناء الأروقة حول الفناء القريب في 1283 و1296-97، وفي عام 1289، رُكبت شاشة خشبية مزخرفة (23) تُسمى العنزة[78] عند مدخل الفناء إلى قاعة الصلاة (24)، وكانت بمثابة محراب رمزي «خارجي» أو «صيفي» للصلاة في الفناء.[11]
وفي عام 1337، رُكبت قبة مزخرفة فوق دهليز باب الورد(25) عند المدخل الخارجي المركزي للفناء من جهة الشمال،[67] والتي لا تزال مرئية حتى اليوم(26).[11]
يعود تاريخ العديد من الثريات المعدنية المزخرفة المعلقة في قاعة صلاة المسجد إلى العصر المريني. صُنعت ثلاثة منها من أجراس الكنيسة التي استخدمها الحرفيون المرينيون كقاعدة وقاموا بتلحيمها بقطع تركيب نحاسية مزخرفة. كان أكبرها، التي رُكبت في المسجد عام 1337، جرسًا أرجعه ابن السلطان أبو الحسن علي بن عثمان، أبو مالك، من جبل طارق بعد استعادته من القوات الإسبانية عام 1333.[11]
وأخيرًا، قام السلطان أبو عنان فارس بتأسيس مكتبة المسجد عام 1350، مع إضافات من السلطان أبو سالم إبراهيم بن علي عام 1361.[11] تقع هذه المكتبة المرينية الأولى في الزاوية الشمالية الشرقية للمسجد(27).[79]
الفترة السعدية
قام السعديون بتزيين المسجد بإضافة جناحين بارزين إلى الأطراف الغربية والشرقية من الفناء، كل منهما يحتوي على نافورة جديدة. كان السلطان السعدي الشهير أحمد المنصور مسؤولًا عن بناء الجناح الأول ناحية الشرق في عام 1587-1588، بينما أضاف ابنه محمد الشيخ المأمون عام 1609 الجناح الغربي.[80] تحاكي الأجنحة الموجودة في بهو السباعبقصر الحمراء(28).[81] كانت هذه آخر إضافة رئيسية لتصميم المسجد. كما بنى السلطان السعدي أحمد المنصور غرفة جديدة للمكتبة على الجانب الجنوبي من المسجد(29)، والتي أُوصلت بالمسجد عبر باب في جدار القبلة.[82]
الفترة العلوية
استمرت الأسرة العلوية، التي حكمت المغرب منذ القرن السابع عشر إلى اليوم، في إحداث إضافات بسيطة وصيانة منتظمة للمسجد، بما في ذلك إضافة قبة مضلعة أخرى في الصحن المركزي.[11] يعود الآن الشكل الرئيسي لمبنى المكتبة الحالي، والذي كان يطور باستمرار، إلى توسع وتعديل رئيسي في القرن العشرين، خاصةً في أربعينيات القرن العشرين.[79][83]
في عام 1333 هـ أسس السلطان يوسف بن الحسن مجلسًا للنظر في شؤون الجامعة ووضع برنامج للدراسة فيها، أسفرت إلى تقسيم منهاج الدراسة إلى ثلاثة أقسام: ابتدائي وثانوي ونهائي، وتقرير نظام المراقبة والامتحانات.[84]
الوصف المعماري
قامت السلالات المتعاقبة بتوسيع مسجد القرويين حتى أصبح الأكبر في أفريقيا، بسعة 22 ألف مُصلي.[85] ولذلك فإن المسجد الحالي يغطي مساحةً واسعةً تبلغ حوالي نصف هكتار.[34] وبصفةٍ عامةٍ، فإنّه يَتَكوّن من فضاء داخلي كبير ومعمد للصلاة وفناء (صحن) مع نوافير، ومئذنة في الطرف الغربي من الفناء، وعدد من الملاحق بالإضافة إلى المسجد الرئيسي نفسه.
من الخارج
بشكلٍ عامٍ، لا يمثل المظهر الخارجيّ للقرويين مظهرًا ضخمًا ومتكاملًا مع النسيج الحضري الكثيف حوله. بحسب إحصاء واحد، هناك 18 بوابة ومدخل منفصلة وموزعة حول محيطها.[34] تختلف البوابات من مداخل صغيرة مستطيلة إلى أقواس حدوة الحصان هائلة ذات أبواب ضخمة مسبوقة بأسقف خشبية تغطي الشارع أمامها.[11] جميع الأبواب مصنوعة من الخشب، إلا أن بعض البوابات لها طبقات برونزية واسعة مزخرفة صنعت خلال الفترة المرابطية.[11] أكثر الأمثلة المزخرفة وأفضلها حفظًا تتضمن أبواب المدخل الشمالي الرئيسية، باب الورد(30)، البوابة الغربية المسماة باب السبطريين(31)، والباب الجنوبي الغربي باب الجنايز الذي يؤدي إلى جامع الجنائز.[11][71] تحتوي البوابات الأكثر أهمية شمال غرب المسجد، باب الشماعين وباب المقصورة، على زخارف مثبتة برونزية وثقيلة، بما في ذلك بعض المطارق المزخرفة، التي يعود تاريخها إلى الفترة المرابطية.[11]
يوجد باب آخر مجاور لباب الورد على جانبه الغربي يسمى باب الحفاة، يرجع إلى العصر الموحدي، والذي يتميز بانسياب قناة مائية صغيرة ظاهرةً فقط داخله. سمحت هذه المياه للمصلين الذين يدخلون المسجد بغسل أقدامهم في طريقهم للمساعدة في الوضوء الأولي.[86] وينتصب على مقربة من صومعة القرويين منفصلًا عن الجامع، شبه منارة بدون قبة، برج يعرف باسم برج النفارة «برج عازفي البوق»، وهو برج مراقبة يظن الزوار غالبًا أنه مئذنة ولكنه في الواقع جزءًا من دار الموقت(32).[87]
قاعة الصلاة
قاعة الصلاة الداخلية المعمدة تستحوذ على معظم مساحة المسجد، وهي مثل المناطق الداخلية لمعظم المساجد التقليدية في العمارة المغربية، مساحة خالية من الزينة نسبيًا، مع جدران بسيطة عمومًا، وسقوف خشبية، والصفوف توازي صفوف الأقواس. المنطقة الرئيسية، جنوب الفناء، عبارةً عن مساحة شاسعة مقسمة إلى عشرة ممرات عرضية بواسطة صفوف من الأقواس التي توازي الجدار الجنوبي.[11] كما يشير الجدار الجنوبي لهذه القاعة إلى القبلة(33). يتميز المحور المركزي لقاعة الصلاة، المتعامد مع جدار القبلة، بصحن مركزي يمتد بين خطين إضافيين من الأقواس على طول هذا المحور، متعامدين مع الأقواس الأخرى.[11] يؤدي هذا الصحن إلى المحراب: وهو مكان في جدار القبلة يرمز إلى اتجاه الصلاة، ويؤدي الإمام الصلاة ويلقي المواعظ أمامه عادةً. هذا التصميم العام، أي قاعة معمدة مع صحن مركزي، هو تخطيط مألوف للمساجد في شمال أفريقيا عمومًا.[11][88]
زُينت منطقة المحراب، التي يعود تاريخها إلى العهد المرابطين في القرن الثاني عشر، بالجص المنقوش والملون بورق الذهب واللازورد[89]، بالإضافة إلى عدة نوافذ من الزجاج الملون. كوة المحراب نفسها كوة صغيرة مغطاة بقبة صغيرة من المقرنصات(35).[71] يتميز الصحن المركزي الذي يمتد على طول محور المحراب عن بقية المسجد بعدد من الزخارف المعمارية على سبيل المثال، الأقواس التي تمتد على طولها ذات أشكال مختلفة، بما في ذلك كل من أقواس حدوة الحصان والأقواس متعددة الفصوص.[11] معظم أقسام الرواق مغطاة بسلسلة من أسقف المقرنصات المعقدة والقبة بدلاً من الأسقف الخشبية العادية، كل منها يختلف قليلاً عن الآخر، بالإضافة إلى قباب مضلعة، على غرار قباب جامع قرطبةومسجد باب المردوم في طليطلة، يعود تاريخها إلى الفترتين المرابطية والعلوية.[11] زُينت العديد من تراكيب المقرنصات بالمزيد من النقوش المعقدة بالزخرفة العربيةوالكتابات العربيةبالخط الكوفي والحوف المتصلة.[11][71] بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الثريات البرونزية المنحوتة بشكل متدلي في الصحن والتي تعود إلى العصرين الموحدي والمريني. ثلاثة منها على الأقل كانت صنعت من أجراس، ربما أجراس الكنيسة، استعيدت من الانتصارات في إسبانيا.[11][90]
إلى يمين المحراب يوجد منبر المسجد، والذي يمكن تخزينه أيضًا في غرفة صغيرة خلف باب في جدار القبلة. من المحتمل أن يكون المنبر من أصول مماثلة مثل المنبر المرابطي الشهير لمسجد الكتبية، الذي صنعته ورشة في قرطبة ولم يمض وقت طويل على هذا الأخير حتى رُكب في مسجد القرويين في 1144 في نهاية أعمال المرابطين في المسجد.[11] إنه عمل استثنائي آخر من الخشب المطعم وحفر الخشب، وزينت مع التشكيلات الهندسية والمواد المرصعة، ونقوش الزخرف العربية.[11][71]
بصرف النظر عن زخارف الصحن المركزي، فإن بقية المسجد متناسقة هندسيًا، ولكن هناك بعض الاختلافات الطفيفة في مخطط الأرضية. على سبيل المثال، الأقواس في النصف الغربي من قاعة الصلاة أقصر من تلك الموجودة في النصف الشرقي، وبعض الممرات العرضية أوسع قليلاً من غيرها. لم يشرح المؤرخون هذه الحالات الشاذة بشكل كامل ولكن يبدو أنها كانت موجودة منذ القرون الأولى للمسجد. قد تكون بسبب عمليات إعادة البناء أو التعديلات المبكرة التي لم تُسجل في السجلات التاريخية.[11]
الصحن
الصحن فناء ذو شكل مستطيل، وتحيط به قاعة الصلاة من ثلاث جهات ورواق إلى الشمال. الأرضية معبدة ببلاط الفسيفساء المغربي (زليج) وفي الوسط توجد نافورة.[88] منفذ الفناء من خارج المسجد هو البوابة الشمالية الرئيسية، المسماة باب الورد، التي تغطي دهليزها بقبة بيضاء من العصر المريني مخددة من الخارج ومغطاة بالجص المطلي والمنقوش من الداخل.[11] ومقابل هذه البوابة، الواقعة على محور المحراب، يوجد المدخل المركزي لقاعة الصلاة الداخلية، والتي تحرسها شاشة خشبية منحوتة ومطلية تسمى العنزة، وهي بمثابة محراب رمزي «خارجي» أو «صيفي» للصلاة في الفناء(36).[11] يحتوي المدخل إلى قاعة الصلاة والبوابة الخارجية المقابلة له على واجهات مزينة بالجص المنقوش والمطلي.[11]
في الطرفين الغربي والشرقي من الفناء يقف جناحان سعديان مزخرفان كل منهما يؤوي نافورة أخرى. تحتوي الأجنحة على قباب هرمية تحاكي أجنحة تابهو السباع في قصر الحمراءبإسبانيا.[11] وهي مصممة بالخشب النقوش والجص والجدران ذات البلاط الفسيفسائي والأعمدة الرخامية.[80] خلف هذه الأجنحة يوجد امتدادات لقاعة الصلاة الرئيسية مقسمة إلى أربعة بلاطات بصفوف من الأقواس.[11] والرواق والقاعة المقوسة على الجوانب الشمالية الشرقية من الفناء عبارة عن مكان للصلاة مخصص للنساء.[11]
الصّومعة
في القرن العاشر، مَوَّل عبد الرحمن الناصر لدين اللهالخليفة الأموي في قرطبة (891م/277هـ -961م/350هـ) بناء المئذنة الحالية، والتي تطل على الفناء من الغرب، وقد أشرف على بنائها عامله بفاس أحمد بن أبي بكر الزناتي وهدم الصومعة الأولى.[58][91] والتي كانت مبنية بحجر جيري مطلي ذو جودة رديئة نسبيًا وقد قام المرينيون بطليها بالكلس الأبيض في القرن الثالث عشر من أجل حمايتها من التدهور.[63] والمئذنة عبارة عن عمود مربع،[91] تبلغ سِعة كل وجه منها واحدًا وعشرين شبرًا، وجعل بابها من جهة القبلة تعلوه قبة،[67] ووضع في ذروتها تفافيح مموهة من ذهب في زج من حديد، وركب في الزج المذكور سيف الإمام إدريس الذي أسس المدينة. بالإضافة إلى حاجز الشرفة التي يصدر منها المؤذنالأذان. يبلغ ارتفاع الهيكل الكامل 26.75 متر.[11] إحدى السمات الغريبة للمئذنة هي النافذة السفلية على واجهتها الجنوبية، والتي تشبه شكل حدوة حصان «ثلاثية»، ممدودة رأسياً، وهي فريدة من نوعها لهذا الهيكل.[64] على الجانب الجنوبي من المئذنة، أعلى رواق الفناء، توجد غرفة تُعرف باسم دار المؤقت، وهي مخصصة لتحديد أوقات الصلاة بطريقة دقيقة.[11]
جامع الجنائز
يوجد عدد من الملاحق حول المسجد التي تؤدي وظائف مختلفة. تشغل المراحيض الطرف الشمالي الغربي من المبنى.[11] خلف جدار القبلة الجنوبي، إلى الغرب من محور المحراب، توجد منطقة تعرف باسم جامع الجنايز (37)، والتي تؤدى فيها صلاة الجنازة وهي منفصلة عن باقي المسجد. لم يكن هذا النوع من المرافق شائعًا خصوصًا في العالم الإسلامي ولكن هناك العديد من الأمثلة في فاس، بما في ذلك في مسجد الشرابليينومسجد باب الكيسة. فُصل عن المسجد الرئيسي من أجل الحفاظ على نقاء هذا الأخير كمكان للصلاة العادية، والتي يمكن من حيث المبدأ تلويثها خلال وجود جثة.[11][71] يعود هذا المسجد إلى الفترة المرابطية، كما يتميز بزخارف مثل قبة المقرنصات وعدد من القناطر المزخرفة بأشكال مختلفة.[11][71]
نظرة داخل غرفة القراءة الحديثة (قاعة المطالعة) بمكتبة القرويين.
تقع المكتبة وراء الجدار الجنوبي للمسجد، من ناحية الشرق من محور المحراب، هي المكتبة التاريخية للمسجد والجامعة.[11] وتُعتبر أقدم مكتبة في العالم، وقد صُنَّفت ضمن أعظم 100 موقع في العالم تجب زيارتها سنة 2018.[92] تأسست في البداية كمكتبة صغيرة إلى جانب جامع القرويين عام 750 هجرية المُوافق 1350 ميلادية على يد السلطان المرينيأبو عنان[93]، لكنها كانت تقع في الزاوية الشمالية الشرقية للمسجد بدلاً من الجنوب. إلا أنه يعود المبنى الحالي جزئيًا إلى البناء السعدي من إنشاء أحمد المنصور في أواخر القرن السادس عشر،[94] الذي بنى غرفة تسمى الأحمدية خلف جدار القبلة مباشرةً، لكن معظم المبنى الحالي يعود إلى توسع كبير في القرن العشرين. وشمل هذا التوسع غرفة القراءة الكبرى الحالية، التي يبلغ طولها 23 مترًا، وتتميز بسقف خشبي مطلي بالزخارف.[79] ووقد رُممت وأعيد فتحها مؤخرًا في عام 2016.[95][96] وحاليًا تتوفر جامعة القرويين على خمسُ مكتباتٍ بأكثر من 45.268 مُجلدًا.
أقدم جامعة في العالم
وفقًا لمنظمة اليونسكو،[6] وعددٍ من العلماء الآخرين، تُعتبر القرويين جامعة منذ تأسيسها، ولذلك هي أقدم جامعة في العالم.[98] في بعض المصادر، تُوصف المدرسة في العصور الوسطى بأنها «جامعة».[20][99] وفقًا ليحيى بالافيسيني، لم ينتشر نموذج الجامعات في أوروبا حتى القرن الثاني عشر، ووجد في جميع أنحاء العالم الإسلامي منذ تأسيس القرويين في القرن التاسع حتى الاستعمار الأوروبي على الأقل.(38) وفقًا لموسوعة بريتانيكا، كانت الجامعات موجودة في أجزاء من آسيا وأفريقيا قبل تأسيس أول الجامعات الأوروبية في العصور الوسطى.[100]
كما تُعتبر أول جامعة تمنح إجازة في الطب في العالم، وذلك عام 1207 ميلادية الموافق 603 هجرية، وتُعد هذه الإجازة الأقدم من نوعها والتي منحتها جامعة القرويين لعبد الله بن صالح الكتامي لِمُمَارسة الطب البشري والبيطري.[97]
الجدال والانتقادات
يعتبرُ عددٌ من الباحثين الآخرين أن الجامعة في العصور الوسطى(39) مؤسسة فريدة من نوعها في أوروبا، بحجة أن الجامعات الأولى كانت موجودة في أوروبا الغربية،[101] وكثيرًا ما يُشار إلى جامعة باريسوجامعة بولونيا باعتبارِهما أمثلة أقدم على ذلك .[102] إلا أن عبد الله كنون يذكر في كتابه التعاشيب بأن كلية بولونيا تأسست سنة 1119م أي بعد الأزهر بنحو قرن ونصف، إذ أن مُقابل تاريخ بنائه من الميلادي يكون حوالي 970 وحينئذٍ ترتيب هذه الجامعات حسب القِدم يكون كالتالي جامعة القرويين ثم الأزهر فجامعة بولونيا.[103] يقول جاك فيرغر أن مصطلح «الجامعة» استخدمه العلماء للإشارة أحيانًا للمدرسة لأنه أكثر ملاءمةً،[104] فقد شهدت الجامعة الأوروبية اضطرابًا كبيرًا بين المؤسسات السابقة للتعليم العالي وكانت أقرب جامعة حديثة حقيقية.(40) يعتبر العديد من العلماء أن جامعة القرويين تأسست ولم تكن تدرس(41) مثل المدرسة إلا بعد الحرب العالمية الثانية. وهم يعتبرون مؤسسات مثل القرويين كليات للتعليم العالي للشريعة الإسلامية حيث كانت المواد الأخرى ذات أهمية ثانوية فقط.(42) ويقرون أن تاريخ تحول مدرسة القرويين إلى جامعة يرجع إلى إعادة تنظيمها في عام 1963.(43) في أعقاب هذه الإصلاحات، تغير اسم القرويين رسميًا إلى «جامعة القرويين» بعد عامين.[50] وقد اقترح بعض العلماء، الذين أشاروا إلى أوجه تشابه بين الجامعة والمدارس الأوروبية في العصور الوسطى،(44) أن هذه الأخيرة ربما تأثرت بالمدارس الدينية في الأندلُسوإمارة صقلية.[105] وقد شكك علماء آخرون في ذلك، مشيرين إلى عدم وجود أدلة على انتقال فعلي من العالم الإسلامي إلى أوروبا المسيحية وسُلط الضوء على الاختلافات في بنية والإجراءات والمناهج والوضع القانوني «للكلية الإسلامية» مقابل الجامعة الأوروبية.(45) كما يعتقد السياسي المغربي محمد بن الحسن الوزاني بأنها «معهد ديني» وليست جامعة ولتكون جامعة تحتاج «لعلماء أخصائيين في سائر العلوم والفنون لهذا العصر».[106]
أبرز الملتحقين بالجامعة
في جامعة القرويين، درس الطلاب العقيدةوالفقه والفلسفة والرياضيات وعلم التنجيم وعِلم الفلك واللغات. كان للجامعة بين طلابها منذ العصور الوسطى أشخاص مشهورين من جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط مثل الفيلسوف ابن رشد والجغرافي محمد الإدريسي والفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون.[107]
موسى بن ميمون (1138 – 1240 م) (529 – 601 هـ). فيلسوف يهودي، كان أيضًا فلكي بارز وطبيبًا. وواحدًا من أكثر علماء التوراة إنتاجًا وتأثيرًا في العصور الوسطى. عمل موسى بن ميمونحاخامًا وطبيبًا وفيلسوفًا في المغربومصر.
ليون الإفريقي[112] (1488 – 1554 م) (894 – 962 هـ). دبلوماسي ومستكشف شمال أفريقيا ومؤلف أندلسي اشتهر بكتابه وصف أفريقيا الذي ركز فيه على جغرافية المغرب العربي ووادي النيل.
عبد الكريم الخطابي (1882 – 1963 م). زعيم سياسي وعسكري مغربي. قاد الثورة ضِدّ الاستعمار الإسباني والفرنسي،[115] ومن أشهر المعارك التي خاضها معركة أنوال والتي انهزمت فيها إسيانية هزيمة ساحقة.[116]
في 25 يونيو 2015، صدر بالجريدة الرسمية عدد 6372 ظهير شريف رقم 1.72.75 الصادر بتاريخ 7 رمضان1436هـ/24 يونيو 2015 يقضي بإعادة تنظيم جامعة القرويين والذي حدد المؤسسات والمعاهد التابعة لها، حيث صارت تحت الوصاية المباشرة للملك، وأُلحقت بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، وكلف الظهير الجامعة بمهام التأطير الديني والبحث العلمي وتكوين الأئمة والمرشدين. [122]
الكليات الأكاديمية
في 2015 أُلحقت خمس مؤسسات جامعية التي كانت تابعة لجامعة القرويين بالجامعات التابعة لنفوذها الترابي وهي :[53]
تضم الجامعة الآن خمس كليات ومجموعة من المؤسسات التابعة لجامعة القرويين منها جامع القرويين، معهد محمد السادس للقراءات، معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات [123]، معهد الفكر والحضارة الإسلامية بالدار البيضاء، [122] المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب،[124] المدرسة القرآنية.[125] ولكل معهد تابع للجامعة نظام إجازة خاص.
جامع القرويين للتعليم النهائي العتيق بفاس
احتفظ جامع القرويين فقط بالطور النهائي للتعليم العتيق والذي يضم ثلاثة مستويات تتوج بشهادة العالمية في التعليم العتيق حسب القانون رقم 13.01 في شأن التعليم العتيق (2002).[126][127]
معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية
مدة التكوين فيه أربع سنوات تتوج بإجازة، تتبعها سنتان للحصول على الماستر. ومن شروط الالتحاق بالمعهد، أن يكون الطالب حاملًا لكتاب الله كاملًا وحاصلًا على الباكالوريا، وألا يزيد عُمره على ثلاثين سنة عند اجتياز المسابقة.[128]
مؤسسة دار الحديث الحسنية
تعتبر مؤسسة دار الحديث الحسنية مؤسسة للتعليم العالي والبحث العلمي، يعهد إليها بمهمة تكوين العلماء والباحثين في مجال الدراسات الإسلامية العليا المتخصصة والمعمقة .[129] تأسست الدار بموجب المرسوم الملكي في 11 جمادى الأولى عام 1388هـ (6 غشت 1968م).[130] وفي سنة 2015 أصبحت المؤسسة منضوية تحت جامعة القرويين بموجب ظهير شريف رقم 115.71 الصادر في 7 رمضان 1436 (24 يوليوز 2015) بإعادة تنظيم جامعة القرويين .[131] كان النظام القديم (1968) للمؤسسة التسجيل مفتوحًا في وجه الطلبة الحاملين لشهادة الإجازة في العلوم الشرعية أو في اللغة العربية وآدابها أو في القانون الخاص، ويمنحهم نوعين من الشهادة:[132]
دبلوم الدراسات العليا في العلوم الإسلامية والحديث.
دكتوراه في العلوم الإسلامية والحديث «دكتوراه دولة».
وبتاريخ 18 رجب 1426 (الموافق 24 غشت 2005) صدر الظهير الشريف 1.05.159 بإعادة تنظيم دار الحديث الحسنية، وبناءً عليه أُضيف ما يلي :[132]
شهادة إجازة دار الحديث الحسنية في علوم الدين: تتويجًا للتكوين الأساسي المتخصص ويستقبل الطلبة الحائزين على شهادة الباكلوريا في مختلف التخصصات بميزة مستحسن على الأقل، ويشتمل هذا السلك على ثمانية فصول موزعة على أربع سنوات (منها فصلان تحضيريان).
شهادة التأهيل في الدراسات الإسلامية العليا: تتويجًا لمرحلة التأهيل والتي تضم أربعة فصول موزعة على سنتين، ويُستقبل الطلبة الحاملين لشهادة الإجازة من مؤسسة دار الحديث الحسنية، أو من إحدى كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أو ما يعادلها.
شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية العليا: تستغرق على الأقل ثلاث سنوات.
المنشورات الدورية
مجلة القرويين.
مجلة كلية اللغة العربية-مراكش.
مجلة منظمة العمل ضد الجوع في كلية الشريعة - فاس.
مجلة كلية أصول الدين – تطوان: تهتم بنشر الأبحاث العلمية والدينية، وصدر العدد الأول منها في عام 1999 وهي مستمرة حتى الآن.
مجلة كلية الشريعة – فاس: تقوم بنشر الأبحاث العلمية باللغة العربية منذ عام 1976.[133]
أبحاث
يعهد إلى مؤسسة دار الحديث الحسنية التابعة لجامعة القرويين مهمة تنمية البحث العلمي في مجال العلوم الإسلامية والفكر الإسلامي وعلم مقارنة الأديان والفقه المقارن، ومن مشاريعها البحثية.[129]
مؤلف جماعي في موضوع «الاختلاف في المجال الإسلامي تأصيلًا وتدبيرًا».[134]
كتاب «التأليف في الاختلاف الفقهي والأصولي في القرن الثاني الهجري: دراسة في الخصائص والوظائف والآثار».[135]
كتاب «كيف نختلف ؟» بتعاون مع المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية - تطوان.
كتاب «منطق تدبير الاختلاف من خلال أعمال طه عبد الرحمن». بالإضافة إلى ترجمة مجموعة من الكتب المتعلقة بالدراسات الإسلامية.[136]
1: أندرو بيترسون عن فاس في قاموس الهندسة المعمارية الإسلامية: «مسجد القرويين، الذي تأسس عام 859، هو أشهر مسجد في المغرب وجذب التمويل المستمر من قبل الحكام المسلمين». [137]
2: الكتاني متحدثًا عن ابن خلدون: «فيلسوف التاريخ ومُؤَلِّف علم الاجتماع عبد الرحمان ابن خلدون، الذي كان أعظم من رحل إلى مصر، والذي ملأ الدنيا، وشغل الناس، وقد حل بمصر سنة 784هـ، وتصدر للإقراء بالأزهر برغبة من طلبتها، وعلم بمدراس القاهرة كالقمحية، والصرغمتسية، التي درس بها الموطأ ذاكرا سنده إليها، وخاصة سند أبي البركات عندما درس عليه بالقرويين. وقد تولى ابن خلدون بمصر قضاء المالكية، ممن أخذ عنه العِزَّ ابن جماعة، والشمس البساطي، والدماميني، وابن حجر، وسواهم.»[16]
3: ليلات في تاريخ التعليم العالي الأفريقي من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر: توليفة نقدية في التعليم العالي متحدثةً عن القرويين: «أما بالنسبة لطبيعة مناهجها، فقد كانت نموذجية لمدارس رئيسية أخرى مثل الأزهر والقرويين، على الرغم من أن العديد من النصوص المستخدمة في المؤسسة جاءت من إسبانيا المسلمة... بدأت القرويين حياتها كمسجد صغير شيد عام 859 م عن طريق الوقف الذي تركته امرأة ثرية من باب التقوى، فاطمة بنت محمد الفهري.»[138]
11: كيفن شيلنغتون في موسوعة التاريخ الأفريقي:«لطالما كان التعليم العالي جزءًا لا يتجزأ من المغرب، حيث يعود إلى القرن التاسع عندما تم إنشاء مسجد القرويين. أصبحت [المدرسة]، المعروفة اليوم باسم جامعة القرويين، جزءًا من نظام جامعات الدولة في عام 1947».[139]
12: تمتد تقريبًا من الشرق إلى الغرب، موازية لجدار القبلة الجنوبي.
19: جامع الجنائز بجامع القرويين. يوجد خلف حائط قبلة الجامع ويتصل مباشرة بالطريق ببابين. ويسمح هذان البابان بالقيام بصلاة الجنازة دون مرور جثمان الميت بداخل قاعة الصلاة.
22: التي لم يبقَ منها اليوم إلا التصميم التقريبي فقط.
23: صنعت العنزة الأولى من خشب الأرز بسيطة في أعلاها كتابة في شهر شعبان سنة 524 هـ أما هذه العنزة فقد صنعها القاضي محمد بن أيوب أيام ولايته القضاء بفاس، حيث بدا بالعمل عليها بتاريخ 1 ذي القعدة 687 هـ (27 نوفمبر 1288م) وانتهى منها في 5 ربيع الأول 689هـ (8 مارس 1288).[140]
35: النحت على شكل بيوت النحل أو أقراص الشَّهد، إذ يشبه المقرنص الواحد -إذا أُخذ مفصولاً عن مجموعته- محراباً صغيراً، أو جزءً طولياً منه.
36: وهذا هو الجزء فقط الذي يمكن أن يراه الزوار الوافدون من خارج البوابة.
37: «مسجد الجنائز»، أو تترجم أحيانًا باسم «مسجد الموتى».
38: تحدث أسلان في «التعليم الإسلامي في أوروبا» قائلًا:«حافظ المجتمع الإسلامي على مؤسسات التعليم العالي وفَضّلها ونظّمها حتى أصبحت مراكز جديدة لنشر المعرفة الإسلامية، وكانت هذه المراكز أماكن يلتقي فيها المعلمون والطلاب في ذلك الوقت، كما أن جميع المثقفين يجتمعون ويشاركون في مناقشات علمية بالغة الأهمية. وليس من قبيل المصادفة أنه حوالي القرن التاسع تُنشئ في العالم الإسلامي أول جامعة في العالم، وهي جامعة القرويين بفاس، تلتها الزيتونة في تونس، والأزهر في القاهرة. كان للنموذج الجامعي، الذي كان منتشراً في الغرب منذ القرن الثاني عشر فقط، ثروة غير عادية وانتشر في جميع أنحاء العالم الإسلامي على الأقل حتى الفترة الاستعمارية».[141]
40: «لا أحد اليوم يجادل في حقيقة أن الجامعات، بالمعنى الذي يُفهم به المصطلح الآن بشكل عام، كانت من صنع العصور الوسطى، التي ظهرت لأول مرة بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر. لا شك في أن الحضارات الأخرى، قبل أوغريبةً كليًا إلى القرون الوسطىالغربية، مثل الإمبراطورية الرومانية، البيزنطية، الإسلام، أو الصين، كانوا على دراية بأشكال التعليم العالي التي وصفها عدد من المؤرخين، من اجل الاقناع، بأنها جامعات. غير أن إلقاء نظرة فاحصة يجعل من الواضح أن الواقع المؤسسي كان مختلفًا تمامًا، وبغض النظر عما قيل عن هذا الموضوع، فلا يوجد رابط حقيقي مثل أن يبررنا في ربطهم بـ جامعات القرون الوسطى في الغرب. حتى يكون هناك دليل قاطع على عكس ذلك، يجب اعتبار هذا الأخير هو المصدر الوحيد للنموذج الذي انتشر تدريجيًا عبر أوروبا كلها ثم إلى العالم كله. لذلك نحن معنيين بما هو بلا منازع مؤسسة أصلية، والتي لا يمكن تعريفها إلا من خلال التحليل التاريخي لظهورها وطريقة عملها في ظروف ملموسة.» (مترجم)[142]
«المدرسة، في الاستخدام الحديث، هي اسم مؤسسة تعليمية تُدّرس فيها العلوم الإسلامية، أي كلية للدراسات العليا، بدلاً من مدرسة ابتدائية من النوع التقليدي (كتّاب)؛ في استخدام العصور الوسطى، وهي كلية قانون حيث كانت فيها العلوم الإسلامية الأخرى، بما في ذلك العلوم الأدبية والفلسفية، مواد ثانوية فقط.»[143]
«المدرسة هي كلية الشريعة الإسلامية. كانت المدرسة مؤسسة تعليمية يُدرس فيها الشريعة الإسلامية (الفقه) وفقًا لمذهب سني أو أكثر: المالكي، الشافعي، الحنفي، أو الحنبلي. كان مدعومًا بوقف أو التزام خيري (وقف) يوفر كرسيًا واحدًا على الأقل لأستاذ القانون، ودخلًا لأعضاء هيئة التدريس أو الموظفين الآخرين، ومنحًا للطلاب، وتمويلًا لصيانة المبنى. احتوت المدارس الدينية على مساكن للأساتذة وبعض طلابه. كثيرًا ما تُدّرس الموضوعات بخلاف القانون في المدارس الدينية، وحتى أنها كانت تقام هناك جلسات صوفية، ولكن لا يمكن أن تكون هناك مدرسة بدون قانون باعتبارها الموضوع الرئيسي من الناحية الفنية.»[144]
«عند دراسة معهد أجنبي وبعيد نسبيًا في الزمن، كما هو الحال في مدرسة القرون الوسطى، يخاطر المرء بنَسْب خصائص مستعارة من مؤسساته وعصره. وبالتالي، يمكن إجراء عمليات نقل غير مبررة من ثقافة إلى أخرى، وقد يُهمل عامل الوقت أو ينبذ باعتباره بلا أهمية. لذلك لا يمكن للمرء أن يكون حريصًا جدًا في محاولة إجراء دراسة مقارنة لهاتين المؤسستين: المدرسةوالجامعة. ولكن على الرغم من العثرات الكامنة في مثل هذه الدراسة، وإن كانت سطحية، فإن النتائج التي يمكن الحصول عليها تستحق المخاطر التي تنطوي عليها. على أي حال، لا يمكن للمرء تجنب إجراء مقارنات عندما تم بالفعل الإدلاء ببعض البيانات غير المبررة ويبدو أنها مقبولة حاليًا دون سؤال. أكثر هذه التصريحات غير المبررة هو ذلك الذي يجعل من "المدرسة" "جامعةً".»[145]
يقول جورج مقدسي في المدرسة والجامعة في العصور الوسطى: «وهكذا كانت الجامعة، شكلًا من أشكال التنظيم الاجتماعي، خاصة بأوروبا في العصور الوسطى. صُدر فيما بعد إلى جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الإسلامي. وبقي معنا حتى يومنا هذا. لكن بالعودة إلى العصور الوسطى، خارج أوروبا، لم يكن هناك شيء يشبه ذلك في أي مكان.»[146]
يقول روج، والتر في مقدمة. الجامعة مؤسسةٌ أوروبية: «الجامعة مؤسسة أوروبية؛ في الواقع، إنها المؤسسة الأوروبية بامتياز. هناك أسباب مختلفة لهذا التأكيد. كمجتمع من المعلمين والمتعلمين، مُنح حقوقًا معينة، مثل الاستقلالية الإدارية وتحديد المناهج وتحقيقها (الدورات الدراسية) وأهداف البحث وكذلك منح الدرجات المعترف بها علنًا، إنه إنشاء من القرون الوسطى أوروبا، التي كانت أوروبا المسيحية البابوية... ; لم تنتشر أي مؤسسة أوروبية أخرى في العالم بأسره بالطريقة التي اتبعها الشكل التقليدي للجامعة الأوروبية. أُعتمدت الدرجات التي تمنحها الجامعات الأوروبية - درجة البكالوريوس، والليسانس، ودرجة الماستر، والدكتوراه - في أكثر المجتمعات تنوعًا في جميع أنحاء العالم. لقد نجت كليات الفنون الأربع في العصور الوسطى - والتي يطلق عليها بشكل مختلف الفلسفة، الآداب، الفنون، الفنون والعلوم، والعلوم الإنسانية - والقانون والطب واللاهوت واستكملت بالعديد من التخصصات، لا سيما العلوم الاجتماعية والدراسات التكنولوجية، لكنها بقيت لا تقل عن ذلك في قلب الجامعات في جميع أنحاء العالم. يأتى اسم universitas، الذي طُبق في العصور الوسطى على الهيئات المؤسسية من أكثر الأنواع تنوعًا وطُبق وفقًا لذلك على التنظيم المشترك للمعلمين والطلاب، على مر القرون، تم التركيز بشكل خاص على: الجامعة، باعتبارها Universitas litterarum، منذ القرن الثامن عشر هي المؤسسة الفكرية التي تزرع وتنقل مجموعة كاملة من التخصصات الفكرية المدروسة منهجية.»،[147] « … يجب اعتبار هذا الأخير هو المصدر الوحيد للنموذج الذي انتشر تدريجيًا عبر أوروبا كلها ثم إلى العالم كله.»[142]
تقول زكية بلهاشمي في كتابها الجندر والتعليم والمعرفة النسوية في المغرب (شمال أفريقيا) – 1950-70: «تعديلات المؤسسات الأصلية للتعليم العالي: المدرسة. أثرت التعديلات المؤسساتية للمدارس بشكل كبير على بنية ومحتوى هذه المؤسسات. من حيث الهيكل، كانت التعديلات ذات شقين: إعادة تنظيم المدارس الأصلية المتاحة وإنشاء مؤسسات جديدة. وقد أدى ذلك إلى نوعين مختلفين من المؤسسات التعليمية الإسلامية في المغرب [العربي]. النوع الأول مستمد من اندماج المدارس القديمة مع جامعات جديدة. على سبيل المثال، حول المغرب القرويين (859 م) إلى جامعة تحت إشراف وزارة التربية والتعليم عام 1963.»[148]
يقول بارك في القاموس التاريخي للمغرب: «القرويين هي أقدم جامعة في المغرب. تأسست مسجدًا في مدينة فاس في منتصف القرن التاسع. لقد كانت وجهة لطلاب وعلماء الدراسات الإسلامية والدراسات العربية عبر تاريخ المغرب. كانت هناك أيضًا مدارس دينية أخرى مثل مدارس ابن يوسف ومدارس أخرى في لسوس. مَوّل سلاطين المغرب والعديد من العائلات التقليدية الشهيرة هذا النظام التعليمي الأساسي والمسمى بالتعليم الأصيل. بعد الاستقلال، حافظت القرويين على سمعتها، لكن بدا من المهم تحويلها إلى جامعة تعد الخريجين لبلد حديث مع الحفاظ على التركيز على الدراسات الإسلامية. ومن ثم، تأسست جامعة القرويين في فبراير 1963، وبينما كان مقر إقامة العميد في فاس، كان للجامعة الجديدة في البداية أربع كليات تقع في مناطق رئيسية من البلاد معروفة بتأثيرها الديني والمدارس. كانت هذه الكليات هي كلية الشريعة بفاس، وكلية أصول الدين بتطوان، وكلية اللغة العربية بمراكش (تأسست جميعها عام 1963)، وكلية الشريعة بآيت ملول بالقرب من أكادير، والتي تأسست عام 1979.»[149]
ليلات في تاريخ التعليم العالي الأفريقي من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر: توليفة نقدية في التعليم العالي متحدثةً عن القرويين :«أما بالنسبة لطبيعة مناهجها، فقد كانت نموذجية لمدارس رئيسية أخرى مثل الأزهر والقرويين، على الرغم من أن العديد من النصوص المستخدمة في المؤسسة جاءت من إسبانيا المسلمة...»[138]
44: نوريا سانز سجور برجان (2002) في تراث الجامعات الأوروبية « في كثير من النواحي، إذا كانت هناك أي مؤسسة يمكن لأوروبا المطالبة بها كأحد اختراعاتها، فإنها الجامعة. كدليل على ذلك ودون الرغبة هنا في سرد التاريخ الكامل لولادة الجامعات، يكفي أن نصف بإيجاز كيف اتخذ اختراع الجامعات شكل عملية متعددة المراكز ذات أصل أوروبي على وجه التحديد.»[150]
يقول جورج مقدسي في المدرسة والجامعة في العصور الوسطى: «وهكذا كانت الجامعة، شكلًا من أشكال التنظيم الاجتماعي، خاصة بأوروبا في العصور الوسطى. صُدر فيما بعد إلى جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الإسلامي. وبقي معنا حتى يومنا هذا. لكن بالعودة إلى العصور الوسطى، خارج أوروبا، لم يكن هناك شيء يشبه ذلك في أي مكان.»[146]
تجد مجمل المعرفة حول هذه الاختلافات في توبي هوف.[151]
انظر إلى مراجعة صعود الكليات. مؤسسات التعلم في الإسلام والغرب بقلم جورج مقدسي لنورمان دانيال.Daniel 1984، صفحة 587
Métalsi، Mohamed (2003). Fès: La ville essentielle. باريس: ACR Édition Internationale. ISBN:978-2867701528.
Touri، Abdelaziz؛ Benaboud، Mhammad؛ Boujibar El-Khatib، Naïma؛ Lakhdar، Kamal؛ Mezzine، Mohamed (2010). Le Maroc andalou : à la découverte d'un art de vivre (ط. 2). Ministère des Affaires Culturelles du Royaume du Maroc & Museum With No Frontiers. ISBN:978-3902782311.
Gaudio، Attilio (1982). Fès: Joyau de la civilisation islamique. باريس: Les Presse de l'UNESCO: Nouvelles Éditions Latines. ISBN:2723301591.
The Report: Morocco 2009 (بالإنجليزية). Oxford Business Group. 2009. p. 252. ... ومع ذلك، تبقى فاس عاصمة المغرب الثقافية والفنية والروحية. أفضل حِفظًا... وقد بدأت المدرسة في جامعة القروين منذ عام 859، مما يجعلها أقدم جامعة في العالم مازالت تعمل باستمرار.
Radtke، Bernd R. (2012). "Aḥmad b. Idrīs". Encyclopaedia of Islam, THREE. مؤرشف من الأصل في 2020-08-24. اطلع عليه بتاريخ 2020-08-24.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link)
Bhattacharyya، Shilpa؛ Guha، Debjani (2016). "Scholastic Excellence of Nalanda and Nalanda Contemporary (415 A.D. – 1200 A.D.) Al-Qarawiyyin: A Comparative Evaluation". INSIGHT Journal of Applied Research in Education. 21 (1): 343–351.
Mezzine، Mohamed (2019). "Qarawiyyin Mosque". Discover Islamic Art - Museum With No Frontiers. مؤرشف من الأصل في 2020-04-21. اطلع عليه بتاريخ 2020-05-22.
لوطورنو، روجيه (1992). فاس قبل الحماية الجزء الأول (ط. الأولى). بيروت - لبنان: دار الغَرّبٰ الإسلامي. ص. 11 - 424. مؤرشف من الأصل في 2020-08-12. اطلع عليه بتاريخ 2020-06-22.
الحسيني، محمد زين العابدين (2017). جامعة القرويين تمنح أول إجازة في الطب (ط. 1). الدار البيضاء: الدار العالمية للكتاب للطباعة والنشر والتوزيع.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link)
استيتو، عماد (ديسمبر 2019). "الوزاني:القرويين معهد ديني وليست جامعة". مجلة زمان (المغرب كما كان زمان) (ورقية). الدار البيضاء. ع. 74. ص. 23. {{استشهاد بمجلة}}: الوسيط |تاريخ الوصول بحاجة لـ |مسار= (مساعدة) والوسيط غير المعروف |قتباس= تم تجاهله (مساعدة)صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link)
"خزانة القرويين: فاس". الوزارة الثقافية والشباب والرياظة قطاع الثقافة. 2011. مؤرشف من الأصل في 2020-07-01. اطلع عليه بتاريخ 2020-06-29.
المنيعي، حسن (2011). "أوضاع المسرح المغربي". minculture. وزارة الثقافة والشباب والرياضة قطاع الثقافة. مؤرشف من الأصل في 2020-06-18. اطلع عليه بتاريخ 2020-06-18.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link)
"فاطمة القباج". ديوان العرب. 4 يونيو 2011. مؤرشف من الأصل في 2020-06-10. اطلع عليه بتاريخ 2020-08-18.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link)
"علال الفاسي". الجزيرة نت. الجزيرة نت. 21 نوفمبر 2014. مؤرشف من الأصل في 2020-01-21. اطلع عليه بتاريخ 2020-06-17.
"عبد الكريم الخطابي". الجزيرة نت. 21 ديسمبر 2014. مؤرشف من الأصل في 2020-06-16. اطلع عليه بتاريخ 2020-06-17.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link)
"المدرسة القرآنية". جامعة القرويين. 18 كانون2/يناير 2016. مؤرشف من الأصل في 10 ديسمبر 2019. اطلع عليه بتاريخ 2020-06-17. {{استشهاد ويب}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ= (مساعدة)صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link)
"نبذة عن الكلية". كلية أصول الدين بتطوان. مؤرشف من الأصل في 2019-11-19. اطلع عليه بتاريخ 2020-06-02.
أيت أومغار، سمير (15 أبريل 2020). "حفل سلطان الطلبة _زمان". زمان. زمان. مؤرشف من الأصل في 2017-07-07. اطلع عليه بتاريخ 2020-06-18.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: التاريخ والسنة (link)