تعديل - تعديل مصدري - تعديل ويكي بيانات
الانتقال الديمقراطي الإسباني (بالإسبانية: Transición Española) هو المرحلة التاريخية التي انتقلت خلالها إسبانيا من نظام فرانسيسكو فرانكو الديكتاتوري إلى دولة ديمقراطية مسيرة بدستور ضامن لدولة القانون. اختلف المؤرخون حول الامتداد الزمني للانتقال الديمقراطي الإسباني، فبينما يحده بعضهم بين تاريخي تنصيب خوان كارلوس الأول كملك لإسبانيا (في 22 نونبر 1975) ودخول دستور 1978 حيز التنفيذ (29 دجنبر 1978)، يحصره آخرون بين 20 نوفمبر 1975، تاريخ وفاة الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو، و28 أكتوبر 1982، تاريخ نهاية فترة حكومة حزب اتحاد الوسط الديمقراطي. وهناك أيضا من يؤرخ لنهاية الانتقال الديمقراطي الإسباني بين 1985 و1986، حيث انضمت إسبانيا للسوق الأوروبية المشتركة (سلف الاتحاد الأوروبي) وصادق الشعب الإسباني على استفتاء عضوية الناتو. تمتد تصنيفات بداية المرحلة أيضا إلى 20 دجنبر 1973، تاريخ اغتيال لويس كاريرو بلانكو، بل وحتى إلى سنة 1966، سنة اعتماد القانون الأساسي الإسباني والذي اعتبر آنذاك انفتاحا ديمقراطيا محتشما لنظام فرانكو. وتبقى أكثر تصنيفات المرحلة امتدادا في الزمن هي تلك التي تعتبر بداية حكومة الحزب الشعبي في 1996 نهاية للانتقال الديمقراطي الإسباني.
التصنيف الأكثر إجماعًا بين المؤرخين هو ذلك الممتد بين وفاة الفريق فرانكو في 20 نوفمبر 1975 وفوز حزب العمال الاشتراكي الإسباني في الانتخابات التشريعية لعام 1982. وفي ما يلي أهم الأحداث المفصلية التي ميزت الانتقال الديمقراطي الإسباني:
ساهمت مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية في تكون وعي سياسي بضرورة دمقرطة نظام الحكم بإسبانيا، وتسريع مرحلة الانتقال الديمقراطي.
خلق نجاح الانتقال الديمقراطي البرتغالي، في 1974، وانهيار ديكتاتورية الإسطادو نوفو (Estado Novo) العسكرية ارتباكا في الأوساط المساندة لنظام فرانكو. فبسبب الشبه الكبير بين النظامين وتقاسم المجتمعين الإسباني والبرتغالي لمجموعة من السمات الاجتماعية والسياسية والتاريخية، تولد لدى الحراكين الديمقراطيين في البلدين وعي بوحدة المصير سهل امتداد المد الثوري البرتغالي إلى الجار الإيبيري وإن كان بصيغة أكثر سلمية من الانتقال البرتغالي.[13] وفيما يلي عوامل التحول المشتركة بين البلدين:
ورث خوان كارلوس الأول نفوذا وسلطة واسعين على أساس القانون الأساسي لانتقال الحكم (لسنة 1947) بعد تعيينه خلفا من طرف فرانكو سنة 1969. وبمجرد توليه الحكم انخرط في مسلسل الدمقرطة مساندا من المنتظم الدولي ومن الطيف السياسي الإصلاحي والطبقة الاقتصادية وحتى من أوساط واسعة من الإدارة الفرانكوية. لعب دورا حاسما في دفع الإدارة والقضاء والجيش في تبني قيم التغيير وجعل الملكية نقطة مرجعية يسرت انتقالا دون فراغات على مستوى القيادة أو على المستوى القانوني. كان على الملك المبتدئ آنذاك قيادة هذا المسلسل تحت مجموعة من الإكراهات:
عرفت إسبانيا منذ خمسينات القرن العشرين تحولات في بنيتها الاقتصادية والاجتماعية نتيجة تصنيعها المتزايد وظهور طبقة حضرية نشيطة بطبقة متوسطة وازنة. فرغم مصادرة نظام فرانكو لأغلب الحقوق المدنية والسياسية إلا أن أشكال التأطير المدني والسياسي تكاثفت في إسبانيا منذ الستينات عبر النقابات والاتحادات الطلابية والأحزاب السياسية وجمعيات السكان وجمعيات ربات المنازل. ولقد اضطرت الاحتجاجات العمالية النظام لإعلان حالة الطوارئ ثلاث مرات خلال سنتي 1969 و1970 وإلى حظر الجمعيات السياسية سنة 1964. وفيما يلي أهم محطات وعناصر الحراك المجتمعي الذي سبق ورافق الانتقال الديمقراطي
تميز الحراك الثقافي آنذاك أيضا بازدهار للمسرح الجامعي وأندية شعبية للسينما والموسيقى الملتزمة (جوان مانويل صيراط كمثال)، وساعدت هذه الأشكال الإبداعية على خلق فضاءات للحوار والتثقيف السياسيين وسط شرائح اجتماعية واسعة.[23]
ساهمت مجموعة من العوامل في دفع الطبقة السياسية إلى بناء توافقات عريضة سرعت وتيرة مسار الانتقال:
تميزت الأحزاب السياسية الإسبانية الفاعلة آنذاك (و خصوصا الحزب الشيوعي (PCE) والحزب الاشتراكي العمالي(PSOE)) بتغليب الأهداف النهائية على المبادئ الإيديولوجية الذاتية.[28] ومن أهم دعاة هذه الفلسفة السياسية أدولفو سواريث وفيليبي كونثاليث وسانتياغو كاريو ومانويل فراغا. اعتمدت المعارضة الديمقراطية آنذاك على آلية التكتل، فكان المجلس الديمقراطي (Junta democratica) أول ائتلاف بمبادرة من الشيوعيين (PCE) سنة 1974، وفي 1976 نشأت الأرضية الديمقراطية (Plataforma democratica) بمبادرة الاشتراكيين (PSOE). اندمجت الهيأتان في إطار موحد عرف باسم التنسيقية الديمقراطية (Platajunta)[29] وهكذا تشكلت قوة ضغط قوية ضمت مكونات كانت إلى الأمس القريب متنافرة إيديولوجيا (كاليساريين والكارليين والليبراليين)، وجعلت طيف المعارضة يتبنى برنامجا واضحا يطالب بالحريات العامة وإجراء انتخابات وتشريع الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية.[30]
ساهمت أحداث وسياقات أخرى في رسم معالم الانتقال الديمقراطي من بينها:
رسخ دستور 1978 مبدأ استقلال القضاء وأنشأ المحكمة الدستورية العليا المخولة الوحيدة لتقرير نفاذ القوانين ولفض النزاعات بين الحكومة المركزية والحكومات الجهوية.[35] تضم هذه المحكمة 12 عضوا يعينهم الملك بناء على المحاصصة التالية:[36]
أربع جهات داخل الدولة مخولة للتوجه نحو المحكمة الدستورية هي رئيس الحكومة أو ديوان المظالم (Defensor del pueblo) أو مجموعة برلمانية من 50 نائبا على الأقل (من مجلس النواب أو مجلس الشيوخ) أو الأجهزة التنفيذية للمقاطعات الذاتية الحكم.
أهم مضامين الإصلاح الدستوري ل 1978:[37]
انطلقت عملية تحول الجيش الإسباني في 1982، واستمرت لثماني سنوات، هادفة إلى إنهاء الاستقلالية السياسية والهيكلية والاقتصادية والتشغيلية التي كانت تتمتع بها القوات المسلحة، كما هدفت أيضا إلى تغيير نظرة المواطنين حيال جيشهم الوطني. ومن أهم العوامل المساعدة للتحول:
تزامنت مرحلة الانتقال الديمقراطي الإسباني مع ظرفية اقتصادية صعبة. فتراكمات أزمة النفط العالمية لسنة 1973 كانت جاثمة على الاقتصاد الإسباني إبان فترة التحول،[39] ناهيك عن حالة النكوص وعدم وضوح الرؤية التي خلقتها مرحلة الانتقال لدى الفاعلين الاقتصاديين. وهكذا ولجت إسبانيا سنة 1977 بمعطيات رقمية اقتصادية مقلقة، حيث كانت نسبة نمو ناتجها الداخلي الخام بطيئة ب 1,5% فقط، والبطالة تتجاوز 000 800 عاطل ونسبة التضخم تناهز 20%. في هذه الظرفية تم توقيع مواثيق المونكلوا (Pactos de la Moncloa) سنة 1977، وهي خارطة طريق مشتركة لتثبيت المسار السياسي للانتقال الديمقراطي وللإقلاع الاقتصادي. وقعت المواثيق من طرف الحكومة والنقابات والأحزاب السياسية وجمعيات أرباب المقاولات. من أهم التوصيات الاقتصادية التي تم الاتفاق بشأنها:[40]
ظل مفعول هذه التدابير محدودا وكانت نتائجها أقل من الأهداف المرسومة، إلا أن أهميتها كانت في الدفع إلى توحيد وتضامن جميع الفاعلين أمام الأزمة الاقتصادية. في 1982 ومع تولي حكومة الاشتراكيين الحكم، استمرت إسبانيا في تعميق الإصلاحات الهيكلية تحت إكراه ضبط التضخم والتقليص من نسبة البطالة. وكان هدف الانضمام للاتحاد الأوروبي حافزا لتطبيق مبادئ الشفافية في عمل الأسواق وتحريرها ومأسستها، مع خفض سياسة الدعم. ومن أهم التدابير التي اتخذت خلال تلك المرحلة
في 1985 أكملت إسبانيا متطلبات الانضمام للسوق الأوروبية المشتركة، وفي نهاية ولاية الاشتراكيين في 1996 كانت نسبة التضخم 3,6% وعجز الميزان التجاري 4,4% ونسبة الدين العام 69%. تبقى أهم سمة اقتصادية لمرحلة الانتقال الديمقراطي هي التأسيس لاقتصاد ليبرالي حديث، ذي مسؤولية اجتماعية، متسم بالشفافية، ولحكامة اقتصادية تشاركية بين جميع الفاعلين.[41]
بفضل الاندثار التدريجي لكل معيقات الإبداع الثقافي، عرفت إسبانيا ازدهارا ثقافيا كبيرا خلال ثمانينات القرن العشرين عرفت باسم «الحركية» أو لاموفيدا (La movida). شكلت هذه الحركية طفرة في المشهد الثقافي وفي العادات الاجتماعية خصوصا في أوساط الشباب. انطلقت الظاهرة في مدريد كشكل من أشكال الثقافة المضادة (contracultura) عبر أجناس إبداعية حداثية كالبانك (Punk) والموجة الجديدة (New wave) والروك البديل قبل أن تمتد إلى جميع مجالات الاشتغال الثقافي كالموسيقى والسينما والتصميم والقصص المصورة والأدب. لاقت الظاهرة آنذاك دعما كبيرا من طرف عمدة مدريد إنريكي تييرنو، وانتشرت إلى باقي المدن الإسبانية كبرشلونة وبلباو وبيغو. من أهم رموز لاموفيدا المخرج السينمائي بيدرو ألمودوبار والصالونات الإبداعية (Tertulia de Creadores) التي كان ينظمها الأديب جريجوريو موراليس.[42]
كانت الممارسة الصحفية خلال السنوات الأخيرة لنظام فرانكو مؤطرة بقانون إعلام (صدر في 1966) موغل في الرقابة المسبقة، حيث كان يقضي بإطلاع مصالح وزارة الإعلام على نسخ الجرائد عشر ساعات قبل نشرها. بمجرد انطلاق مسلسل الانتقال تم توقيف تنفيذ هذا القانون. انطلاقا من 1975 تطورت الحريات الإعلامية بالموازاة مع الاندثار التدريجي للرقابة الذاتية.
و لقد نص الدستور الإسباني لسنة 1978 على الحق الدستوري في الاتصال وحق الوصول إلى المعلومة، وتولد وعي بضرورة عدم عرقلة حرية الإعلام، بأي تشريعات خاصة، لأهميته في بناء الدولة الديمقراطية. وهو ما عبر عنه آنذاك فرانسيسكو أوردونييث، الذي تقلد منصب وزير الخارجية في حكومة الاشتراكيين، لاحقا، بمقولة:[43][44]
{{استشهاد ويب}}
|archive-date=
|archive-url=
Lokasi Pengunjung: 3.149.247.26