يرى علماء الاقتصاد أن سبب نمو اقتصادات النمور الآسيوية الأربعة (المعجزة الآسيوية) حتى الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 هو سياساتها الموجهة نحو التصدير وسياسات التنمية القوية. ساهمت تلك السياسات في تحقيق نمو مستدام سريع وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. في حين يرجع البنك الدولي تلك المعجزة إلى سياستين إنمائيتين رئيسيتين هما تراكم العوامل وأسلوب إدارة الاقتصاد الكلي.[8]
هونغ كونغ
شهد اقتصاد هونغ كونغ طفره في التصنيع مع تطور صناعة النسيج في خمسينيات القرن الماضي. مع حلول الستينات، توسعت عملية التصنيع في المستعمرة البريطانية لتشمل تصنيع الملابس، والإلكترونيات، والبلاستيك وبدء حركة التصدير خارج البلاد.[9]
سنغافورة
بعد استقلال سنغافورة، أعلن مجلس التنمية الاقتصادية البدء في صياغة وتنفيذ استراتيجيات اقتصادية وطنية لتعزيز قطاع التصنيع في البلاد من أبرزها تشييد المدن الصناعية وجذب الاستثمار الأجنبي بضرائب منخفضة.[10]
تايوان وكوريا الجنوبية
في منتصف ستينيات القرن الماضي، بدأت تايوان وكوريا الجنوبية بالاتجاه للتصنيع بمشاركة حكومية مكثفة. سعت الحكومتان إلى التصنيع الموجه للتصدير كما هو الحال في هونغ كونغ وسنغافورة.[11]
استلهمت الدول الأربعة من نجاح اليابان مثالا احتذوا به، وسعوا لتحقيق نفس الهدف من خلال الاستثمار في نفس الفئات وهم البنية التحتية والتعليم. غير دعم الدول الرأسمالية لهم وأبرزهم الولايات المتحدة الأمريكية التي تجلى جزء من دعمها الاقتصادي لهم في منازل النمور الأربعة. بحلول نهاية الستينيات، تجاوزت مستويات رأس المال المادي والبشري في الاقتصادات الأربعة كثير من البلدان الأخرى ذات مستويات مماثلة من التنمية. أدى ذلك لاحقا إلى نمو سريع في مستويات دخل الفرد.
لعب رأس المال البشري دورا مهما في النمو الاقتصادي للبلاد، كما يستشهد بدور التعليم على وجه الخصوص في المعجزة الاقتصادية الآسيوية حيث ارتفعت مستويات الالتحاق بالتعليم في البلاد بسرعة كبيرة متجاوزة بذلك أعلى التوقعات. بحلول عام 1965، نجحت الدول الأربعة في توفير التعليم الابتدائي للجميع مجانا.[8]
بحلول عام 1987، نجحت كوريا الجنوبية على وجه خاص بالوصول إلى معدل التحاق بالتعليم الثانوي وصل إلى 88% مع انخفاض ملحوظ في الفجوة بين نسبة الذكور والإناث.[8]
يرجع علماء الاقتصاد أساس المعجزة الآسيوية إلى إنشاء بيئات اقتصادية كلية مستقرة. تمكنت كل دولة من دول النمور الأربعة من النجاح بدرجات متفاوتة في أهم ثلاث متغيرات وهم عجز الميزانيةوالديون الخارجيةوأسعار الصرف. بشكل عام، ساهمت البيئة الاقتصادية في خفض العجز في الميزانية إلى حده الأدنى كما هو الحال في كوريا الجنوبية التي وصل العجز في الميزانية إلى أقل متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في الثمانينيات. بالمثل في الدين الخارجي، الذي ساوي الصفر تقريبا في ذلك الوقت لكل من هونغ كونغ وسنغافورة وتايوان لعدم اقتراضهم من الخارج،[8] على عكس كوريا الجنوبية التي كانت استثناءا، وارتفعت نسبة ديونها مقارنة بالناتج القومي الإجمالي في الفترة ما بين عام 1980 وعام 1985.[8]
ساهم قرار تغيير أسعار الصرف من نظام سعر ثابت طويل الأجل إلى سعر ثابت يقبل التعديل دول النمور الأربعة في تجنب ارتفاع سعر الصرف والحفاظ على سعر صرف حقيقي مستقر.
لم تشكل سياسات التصدير المختلفة اختلافا يذكر في نهضة اقتصادات النمور الآسيوية الأربعة، فمع اختلاف النهج المتبعة أصبحت جميعها السبب الفعلي لصعودهم. قدمت هونغ كونغ وسنغافورة أنظمة تجارية ذات طبيعة نيوليبرالية وشجعت التجارة الحرة، بينما تبنت كوريا الجنوبية وتايوان أنظمة مختلطة استوعبت بها صناعات التصدير الخاصة بهما.[12]
في هونغ كونغ وسنغافورة، وبسبب الأسواق المحلية الصغيرة ارتبطت الأسعار المحلية بالأسعار الدولية. أما كوريا الجنوبية وتايوان فقدموا حوافز تصدير لقطاع السلع التجارية.
ساعدت كل السياسات السابقة الدول الأربعة على تحقيق متوسط نمو بلغ 7.5% كل عام لمدة ثلاث عقود محققين بذلك مكانة عاليه مع الدول المتقدمة.[4]
يرى داني رودريك، الاقتصادي في كلية جون كينيدي للإدارة الحكومية بجامعة هارفارد، بأنه من المستحيل فهم معجزة النمو في شرق آسيا دون تقدير الدور المهم الذي لعبته السياسة الحكومية في تحفيز الاستثمار الخاص.[4][13]
الأزمة الأسيوية عام 1997
تعرضت اقتصادات دول النمور الآسيوية لانتكاسه كبيرة خلال الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997. فعلى سبيل المثال، تعرضت هونغ كونغ لهجمات مضاربة ضد سوق الأوراق المالية مما استلزم تدخلات غير مسبوقة لسلطة النقد وحكومة هونغ كونغ لمحاولة إعادة الكفة لصالحها مرة أخرى. في حين كانت كوريا الجنوبية هي الأشد تضررا، حيث تضخمت ديونها الخارجية بصورة كبيرة ما نتج عنه انخفاض قيمة عملتها ما بين 35 و 50%.[14]
بحلول بداية عام 1997، بلغت قيمة خسائر سوق الأسهم في هونغ كونغ وسنغافورة وكوريا الجنوبية ما يقرب من 60% من قيمة عملتها أمام الدولار. ساعدت البيئة الاقتصادية الجيدة للنمور الأربعة على تعافيهم سريعا من أثار الأزمة، باستثناء كوريا الجنوبية، أسرع من البلدان الأخرى.[14]
الأزمة المالية عام 2008
تسببت الأزمة المالية العالمية لعامي 2007 و 2008 في تضرر اقتصادات أغلب دول العالم بما فيهم دول النمور الآسيوية الأربعة خصوصا بعد توقف عمليات التصدير الموجهة للمجتمع الأمريكي.[12] بحلول الربع الرابع من عام 2008، بلغ متوسط خسائر الناتج المحلي الإجمالي للدول الأربع ما يقرب من 15% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.[12] كما انخفضت الصادرات بمعدل سنوي 50%.[12]
أثرت الأزمة المالية العالمية أيضا على الطلب المحلي وبالتالي على الاقتصاد الداخلي، فعلى سبيل المثال، انخفضت مبيعات التجزئة في هونغ كونغ بنسبة 3% وفي سنغافورة بنسبة 6% وفي تايوان بنسبة 11%.[12]
مع تعافي العالم من الأزمة المالية، انتعشت اقتصادات النمور الآسيوية الأربعة مرة أخرى. يرجع الفضل إلى إجراءات الحكومة بشكل أساسي، حيث أعلنت حكومات البلاد عن إجراءات تحفيز مالي تتجاوز حد 4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009.[12]
نشر عالم الاقتصاد المالي ميتي فريدون من جامعة جرينوتش، قسم إدارة الأعمال وزملاؤه الدوليون بحث في مجلة أبليد أكومنيس ليتر عن العلاقة السببية بين التنمية المالية والنمو الاقتصادي في تايلاندوإندونيسياوماليزياوالفلبينوالصينوالهندوسنغافورة في الفترة ما بين عام 1979 وعام 2009 بتطبيق اختبارات يوهانسن للتكامل المشترك ونماذج تصحيح خطأ المتجهات.
تشير النتائج إلى أنه في حالة إندونيسياوسنغافورةوالفلبينوالصينوالهند تؤدي التنمية المالية إلى النمو الاقتصادي، بينما في حالة تايلاند توجد علاقة سببية ثنائية الاتجاه بين هذه المتغيرات، أما في حالة ماليزيا، لا يبدو أن التنمية المالية تسبب النمو الاقتصادي.[15]
الناتج المحلي الإجمالي
في عام 2018، شكل الاقتصاد المشترك للنمور الآسيوية الأربعة ما يعادل 3.46% من الاقتصاد العالمي بناتج محلي إجمالي تجاوز 2,932 ملياردولار أمريكي. فبلغ الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 في هونغ كونغ 363.03 ملياردولار أمريكي ما يعادل 0.428% من الاقتصاد العالمي، وفي سنغافورة 361.1 ملياردولار أمريكي ما يعادل 0.426% من الاقتصاد العالمي، وفي كوريا الجنوبية 1,619.42 ملياردولار أمريكي ما يعادل 1.911% من الاقتصاد العالمي، وفي تايوان 589.39 ملياردولار أمريكي ما يعادل 0.696% من الاقتصاد العالمي.
في وقت ما في منتصف عقد 2010، تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للنمور الآسيوية الأربعة مجتمعين الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة والبالغ آنذاك 3.34% من الاقتصاد العالمي.
التعليم والتكنولوجيا
ركزت هذه البلدان الأربعة على الاستثمار بكثافة في بنيتها التحتية وتطوير التعليم العام والمهني لإفادة بلادها سواء عن طريق العمالة الماهرة أو الوظائف الأعلى مستوى مثل المهندسينوالأطباء. نجحت تلك السياسة وساعدت على نقل البلاد من الدول النامية إلى الدول المتقدمة ذات الدخل المرتفع.
على سبيل المثال، أصبحت البلدان الأربعة من أهم المراكز التعليمية العالمية حيث سجل طلاب المدارس الثانوية في سنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ نتائج جيدة في اختبارات الرياضيات والعلوم مثل اختبار البرنامج الدولي لتقييم الطلبة وحصل الطلاب السنغافوريون والتايوانيون على العديد من الميداليات في الأولمبياد الدولي.
استخدم علماء الاجتماع المعتقدات الكونفوشيوسية في شرح معجزة النمور الآسيوية الأربعة، يشبه هذا الاستنتاج نظرية أخلاق العمل البروتستانتية في الغرب التي روج لها عالم الاجتماعالألمانيماكس فيبر في كتابه الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، مؤكدين أن ثقافة الكونفوشيوسية كانت متوافقة مع التصنيع لأنها تقدر الاستقرار والعمل الجاد والانضباط والولاء والاحترام تجاه شخصيات السلطة.[18] يروا أيضا تأثر العديد من الشركات والمؤسسات بها وعلى رأسهم رئيس الوزراء السنغافوري، لي كوان يو، الذي نادى بإرثاء القيم الآسيوية بما فيها المعتقدات الكونفوشيوسية بديلا للثقافة الغربية.[19]
في حين انتقد الكثير هذه النظرية مستشهدين بالحالة الاقتصادية في البر الرئيسي للصين والتي تعتبر مهد الكونفوشيوسية خلال نفس الإطار الزمني لنهضة النمور الأربعة.[18] ذكر علماء الاجتماع أيضا حركة الرابع من مايو عام 1919، والتي ألقي اللوم فيها على المعتقدات الكونفوشيوسية وذكرها كأهم أسباب عدم قدرة الصين على التنافس مع القوى الغربية. يعتبر الخبير الاقتصادي جوزيف ستيجليتز من أبرز رافضي تلك النظرية وسخر منها في عام 1996 قائلا:
«منذ زمن ليس ببعيد، تم الاستشهاد بالتراث الكونفوشيوسي وتركيزه على القيم التقليدية، كتفسير لعدم نمو هذه البلدان».[20]
^
Leea، Jinyong؛ LaPlacab, Peter؛ Rassekh, Farhad (2 سبتمبر 2008). "Korean economic growth and marketing practice progress: A role model for economic growth of developing countries". Industrial Marketing Management. ج. 37 ع. 7: 753–757. DOI:10.1016/j.indmarman.2008.09.002.
^
Derek Gregory؛ Ron Johnston؛ Geraldine Pratt؛ Michael J. Watts؛ Sarah Whatmore، المحررون (2009). "Asian Miracle/tigers". The Dictionary of Human Geography (ط. 5th). Malden, MA: Blackwell. ص. 38. ISBN:978-1-4051-3287-9. مؤرشف من الأصل في 2020-08-02.
^Some Lessons from the East Asian Miracleنسخة محفوظة 29 September 2018 على موقع واي باك مشين., a 27-page paper published by the World Bank, Joseph E. Stiglitz, Aug. 1996. In addition to the Four Asian Tigers, Stiglitz also lists the economies of Japan, Indonesia, Malaysia, and Thailand as part of the East Asian Miracle.
^"HKMA joins SEACEN" (Press release). Hong Kong Government. Hong Kong Monetary Authority. 31 أكتوبر 2014. مؤرشف من الأصل في 2016-02-17. اطلع عليه بتاريخ 2017-08-16.