المرجعية الدينية هي مفهوم شيعي معناه رجوع المسلمين الشيعة إلى من بلغ رتبة الاجتهادوالأعلمية (على خلاف في اشتراط الأخيرة) في استنباط الأحكام الشرعية، ومن أصبح مؤهلاً لمنصب الإفتاء وأصدر آرائه في الأحكام الفقهية في كتاب يسمّى الرسالة العملية يعبّر عنه بـ (الـمَرْجِع الدِّينِيِّ) أو (آية الله العظمى) في المصطلح الشيعي، يرجع الشيعة إلى المراجع أو مراجع التقليد لمعرفة الأحكام الفقهية، وقد يمتد نفوذ المراجع إلى التدخل في مسائل سياسية واجتماعية كما وقع ذلك مراراً في تاريخ المرجعية الشيعية. والمرجع هو طالب علوم دينية درس في الحوزات العلمية (النجف وقم غالباً) وقضى سنيناً في الدراسات العليا حتى حاز على رتبة الاجتهاد وأصبح مؤهلاً للإفتاء. استدل على مشروعية المرجعية بالدليل العقلي القاضي بأن يرجع الجاهل في الأمور التي لا يعلمها إلى المتخصص العالم بها، وبما روته الكتب الحديثية الشيعية عن الإمام المهدي آخر أئمة الشيعة من قوله: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله.» [1]
نبذة تاريخية
لقد كان الشيعة في القرون الإسلامية الأولى يرجعون إلى أئمة أهل البيت يستفتونهم في مسائل الحلال والحرام. وقد استمر هذا الحال إلى زمان الإمام الثاني عشرالمهدي الذي يعتقد الشيعة بأنه قد غاب غيبيتين؛ الأولى كانت الغيبة الصغرى وكان له سفراء يشكّلون حلقة التواصل بين المهدي وبين شيعته في مختلف الأقطار، فكانوا يحملون إليه رسائل شيعته ومحبيه وأسئلتهم، ثم يأتون إليهم بالجواب، ومن مهامهم أيضاً أنهم كانوا يستلمون الحقوق الشرعية - الأخماس - ويحملونها إلى المهدي أو يتصرفون بها حسب ما تقتضيه المصلحة. وقد استمر عصر الغيبة الصغرى من سنة 260 هـ حتى سنة 329 هـ. والسفراء الأربعة هم على التوالي: عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري.[2]
بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري؛ انتهى عصر الغيبة الصغرى فبدأ عصر الغيبة الكبرى حيث بدأ الشيعة يرجعون في أحكام الدين والفتاوى الشرعية إلى علماء الدين الذين تصدّوا للمرجعية واستمر عصر الغيبة الكبرى إلى زماننا الحالي.[2]
واجب المكلف
حين يصل الشيعي إلى سن التكليف يتوجب عليه أن يعمل بالأحكام الشرعية ويتوصل للحكم الشرعي بإحدى ثلاث طرق:
الاجتهاد: هي رتبة علمية يصل إليها المتخصص بالعلوم الدينية الحوزوية تؤهله لتحديد الأحكام الشرعية وبيانها استناداً إلى الأدلة المستخرجة من القرآن والأحاديث.[3]
التقليد: أن يقلد أحد المجتهدين ويعمل بفتاواه وما توصل إليه اجتهاداته، وعوام الشيعة هم من المقلدين للمجتهدين، هذا والتقليد يكون في الحكم الشرعي الفقهي فقط، أما أصول الدين والعقائد فلا يُقلد فيها ويجب على المكلف أن يبحث فيها عن الدليل والبرهان باتفاق جميع المراجع.[4]
الاحتياط: الاحتياط يعني اقتضاء أن ينحو المكلّف طريق الحيطة في جميع أعماله وذلك بأن يأخذ بما يكون موافقاً للرأي الفقهي لجميع مراجع التقليد، وهذا يعني أن لا يترك واجباً أو يفعل محرماً على رأي أي واحد المراجع. فيكون بهذا قد عمل بشرائط الاحتياط ويكون على يقين من براءة ذمته فيما يتعلق بتكليفه الواقعي.
شرائط المرجعية
من أهم الآثار التي وردت في المرجعية والتقليد هو ما يُروى عن المهدي قوله: أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم. وكذلك ما رُوي عن الحسن بن علي العسكري قوله: أما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم. فإن من ركب من القبايح والفواحش مراكب فسقة العامة فلا تقبلوا منا عنه شيئاً ولا كرامة. وكثيراً ما يُستدل بالحديث الأخير على الشرائط التي ينبغي لها التوافر في المرجع، كما أن في الحديث دلالة على أن الشرائط التي ينبغي توافرها في المرجع لا تنطبق إلا على بعض فقهاء الشيعة وفيه نهي من العسكري عن الرجوع في التقليد إلى من لا تنطبق عليهم الشرائط. فيُستخرج من هذين الحديثين وغيرهما الشروط التي يجب توافرها في المرجع المجتهد -على الاختلاف في تحديد هذه الشروط بين فقهاء الشيعة-:
البلوغ.
العقل.
الإيمان، والمقصود أن يكون شيعياً إثني عشرياً.[4][5]
الذكورة.
الاجتهاد.
العدالة.
طهارة المولد.
الحياة - وفي هذا الشرط اختلاف بين مراجع الشيعة، ويأتي تفصيله فيما بعد.
الأعلمية. أي أن يكون أعلم من بقية المراجع، ويأتي تفصيل ذلك فيما بعد.
تقليد الميت وتقليد الحي
من أهم المسائل الخلافية بين مراجع الشيعة وفقهائهم هي مسألة تقليد الميت، حيث يمكن تقسيم الآراء في هذه المسألة إلى ثلاثة آراء:
جواز تقليد الميت مطلقاً
أجاز بعض مراجع الشيعة القدماء الرجوع في التقليد إلى الميت ابتداءً، غير أن هذا الرأي لا يعتدّ به عند المراجع الحاليين، وتتميز المدرسة الأخبارية بأن معظم المراجع المنتسبين إليها يجيزون تقليد الميت ابتداءً، والمدرسة الأخبارية حالياً ليس لها أي مرجع حي فكل العوام المنتسبين إليها يرجعون في التقليد إلى مراجع متوفين كيوسف البحرانيوالحر العامليوحسين العصفور وغيرهم، ولم تتفرد المدرسة الأخبارية في قولها بجواز تقليد الميت، فهناك عدد قليل من الأصوليين شذّوا عن العموم وذهبوا إلى القول بجواز تقليد الميت.ولكن هناك مراجع من الشيعة الاصولية يجوزون ذلك مثل السيد كمال الحيدري و الشيخ محمد إبراهيم الجناتي.
حرمة تقليد الميت مطلقاً
بعض مراجع الشيعة المعاصرين يذهبون إلى وجوب تقليد الحي وحرمة تقليد الميت مطلقاً، وممن ذهب إلى هذا الرأي من المراجع المعاصرين الصادق الروحاني،[6]والبشير النجفي حيث ردّ في كتابه وقفة مع مقلدي الموتى على أستاذه الخوئيومحسن الحكيم طارحاً أدلته حول ذلك.[7]
جواز تقليد الميت استدامةً
تقليد الميت استدامةً أو البقاء على تقليد الميت هو أحد الآراء في هذه المسألة، ومعظم مراجع الشيعة الحاليين على هذا الرأي بحيث أن المُكلّف لو قلّد مرجعاً في حال حياته فإنه من الممكن أن يبقى على تقليده بعد وفاة هذا المرجع، بل إنّ بعضهم يوجب تقليد الميت (استدامةً) إذا ابتدأ المُكلّف بتقليده في حال حياته وإحرازه شرط الأعلمية فيه. وقد أفتى بجواز تقليد الميت استدامةً محمد الصدر،[8]وصادق الشيرازي،[9]وشمس الدين الواعظي.[10]
التبعيض
التبعيض هو العمل بفتاوى أكثر من مرجع، ولا يعني ذلك أن يأخذ المكلف ما يعجبه من مرجع وما يعجبه من مرجع آخر، وإنما المكلف يرجع إلى مرجع واحد فقط ولكن مرجعه قد يتوقف عن الفتوى في مسألة معينة أو يفتي بالاحتياط الوجوبي فعلى المكلف في هذه المسألة أن يعمل بالاحتياط أو يقلد مرجعاً آخر.
الشهادات والأعلمية
يشترط الأكثرية من فقهاء الشيعة في التقليد أن يقلّد المكلف المرجع الأعلم الذي فيه صفة الأعلمية، ويختلف تعريف الأعلم من شخص لآخر؛ إلّا أنهم إجمالاً يوافقون ما ذكره محمد كاظم الطباطبائي اليزدي في كتابه العروة الوثقى وهو قوله: ”المراد من الأعلم من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة، وأكثر إطلاعا لنظائرها والأخبا، وأجود فهما للأخبار، والحاصل أن يكون أجود استنباطاً“.[11] ويستندون في ذلك على روايات عديدة، ومنها: ”عن عمر بن حنظلة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما - إلى أن قال - فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلف فيهما حكماً، وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر“.[12]
ولاية الفقيه تُعرّف بأنها ولاية وحاكمية الفقيه الجامع للشرائط في عصر غيبة الإمام حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام في قيادة الأمة وإقامة الحكم. وتنقسم ولاية الفقيه إلى قسمين: