كان الرومان على دراية بقدرة الموشور على توليد قوس قزح من الألوان.[3][4] يُعد نيوتن مؤسس التحليل الطيفي عادةً، لكنه لم يكن أول رجل علمي درس الطيف الشمسي وأبلغ عنه. سبقت أعمال أثانيسيوس كيرتشر (1646)، وجان ميريك ميرسي (1648)، وروبرت بويل (1664)، وفرانشيسكو ماريا جريمالدي (1665)، تجارب نيوتن للبصريات (1666-1672).[5] نشر نيوتن تجاربه وتفسيراته النظرية لتشتت الضوء في كتابه «البصريات». أظهرت تجاربه إمكانية تقسيم الضوء الأبيض إلى ألوان مركبة عن طريق الموشور وإمكانية إعادة تجميع هذه المكونات لتوليد الضوء الأبيض. أثبت أن الموشور لا ينقل الألوان أو ينشئها، بل يفصل الأجزاء المركبة للضوء الأبيض بدلًا من ذلك.[6] حلت النظرية الموجية تدريجيًا محل نظرية جسيمية الضوء لنيوتن. لم يتم التعرف على القياس الكمي للضوء المشتت وتوحيده حتى القرن التاسع عشر. كما هو الحال مع العديد من التجارب الطيفية اللاحقة، شملت مصادر نيوتن للضوء الأبيض اللهبوالنجوم، ومن ضمنها شمسنا.[7][8][9][10] قدمت التجارب اللاحقة مع الموشور أول مؤشرات تدل على أن الأطياف ترتبط بشكل فريد مع المكونات الكيميائية. لاحظ العلماء انبعاث أنماط مختلفة من الألوان عند إضافة الأملاح إلى لهيب الكحول.[11][12]
أوائل القرن التاسع عشر (1800-1829)
في عام 1802 ابتكر وليام هايد ولاستون مطيافًا مطورًا، بإدخال تحسينات على نموذج نيوتن، شمل «عدسة» لتركيز طيف الشمس على الشاشة.[13] أدرك ولاستون عند الاستخدام أن الألوان لم تنتشر بشكل موحد وبدلًا من ذلك، كانت هناك بقع مفقودة من الألوان ظهرت كخطوط داكنة في طيف الشمس.[14] اعتقد ولاستون في ذلك الوقت أن هذه الخطوط هي حدود طبيعية بين الألوان،[15] ولكن هذه الفرضية استُبعدت لاحقًا في عام 1815 بواسطة عمل فراونهوفر.[16]
حقق جوزيف فون فراونهوفر قفزة تجريبية كبيرة إلى الأمام من خلال الاستعاضة عن الموشور بمحزز الحيود ليكون مصدرًا لتشتت الطول الموجي. بنى فراونهوفر نظريات التداخل الضوئي التي وضعها توماس يونغ، وفرانسوا أراغو، وأوغستان-جان فرينل. أجرى فراونهوفر تجاربه الخاصة لإثبات تأثير تمرير الضوء من خلال شق مستطيل واحد، أو شقين، وهكذا دواليك، واضعًا في نهاية الأمر طريقةً لتباعد الآلاف من الشقوق لتشكيل محزز الحيود. يتحقق التداخل الناتج عن محزز الحيود بمنح كل من الاستبانة الطيفية على الموشور والسماح بقياس الأطوال الموجية التي يجب قياسها. يعبّد إنشاء فراونهوفر لمقياس طول موجي كمي الطريقَ لمطابقة الأطياف التي لوحظت في مختبرات ومصادر متعددة (النيران والشمس) مع أدوات أخرى. دوّن فاونهوفر ملاحظات منهجية للطيف الشمسي ونشرها، أما الخطوط الداكنة والأطوال الموجية التي لاحظها، فهي لا تزال تُعرف باسم خطوط فراونهوفر.[17]
في عام 1835، ذكر تشارلز ويتستون أنه يمكن تمييز المعادن المختلفة بسهولة عن طريق الخطوط المشرقة المختلفة في أطياف الانبعاث من شرارتها الكهربائية ومن ثم إدخال آلية بديلة لمطيافية الانبعاث الذري.[22][23] أثبت ليون فوكو تجريبيًا أن خطوط الامتصاصوالانبعاث التي تظهر بنفس الطول الموجي ترجعان إلى نفس المادة مع اختلاف الاثنتين بسبب درجة حرارة مصدر الضوء.[24][25] في عام 1853، قدم الفيزيائي السويدي آندرز أنغستروم ملاحظات ونظريات حول أطياف الغاز في عمله التحقيقات البصرية إلى الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم.[26] افترض أنغستروم أن الغاز المتوهج يبعث أشعة مضيئة بنفس طول الموجة مثل تلك التي يمكن امتصاصها. كان أنغستروم غير مدرك للنتائج التجريبية لِفوكالت. في نفس الوقت، كان جورج ستوكسولورد كلفن يناقشان افتراضات مماثلة.[24] قاس أنغستروم أيضًا طيف الانبعاث من الهيدروجين الذي أطلق عليه في ما بعد سلسلة بالمر.[27][28] في عامي 1854 و1855، نشر ديفيد ألتر ملاحظات حول أطياف المعادن والغازات، بما في ذلك مراقبة مستقلة لسلسلة بالمر للهيدروجين.[29][30]
بدأ الإسناد المنهجي لأطياف العناصر الكيميائية في ستينيات القرن التاسع عشر بعمل الفيزيائي الألماني غوستاف كيرشهوف والكيميائي روبرت بنزن.[31] طبق بنزن وكيرشهوف التقنيات البصرية لفراونهوفر، وموقد بنزن، وإجراءً تجريبيًا منهجيًا للغاية لفحص تفصيلي لأطياف العناصر الكيميائية. أسسا رابطة بين العناصر الكيمائية وأنماطها الطيفية الفريدة، إذ أنشأا في هذه العملية تقنية التحليل الطيفي. في عام 1860، نشرا نتائجهما على أطياف ثمانية عناصر وحددا وجود هذه العناصر في العديد من المركبات الطبيعية.[32][33] أوضحا أن التحليل الطيفي يمكن استخدامه للتحليل الكيميائي النزحي، وأن العديد من العناصر الكيميائية التي اكتشفاها لم تكن معروفة من قبل. أسس كيرشهوف وبنزن الصلة بين خطوط الامتصاص والانبعاثات بشكل نهائي، بما في ذلك إسناد خطوط امتصاص الطاقة الشمسية إلى عناصر معينة بناءً على أطيافها المقابلة.[34] واصل كيرشهوف المساهمة في إجراء البحوث الأساسية حول طبيعة الامتصاص والانبعاث الطيفيين، بما في ذلك ما يعرف باسم قانون كيرشهوف للإشعاع الحراري. تُسرد تطبيقات كيرشهوف لهذا القانون على التحليل الطيفي في ثلاثة قوانين للمطيافية:
تبعث المادة الصلبة أو السائلة أو الغازية تحت ضغط عالٍ طيفًا مستمرًا.
يبعث الغاز الساخن تحت ضغط منخفض «خطًا ساطعًا» أو طيفًا لانبعاث الغازات.
ينتج مصدر الطيف المستمر عبر غاز بارد منخفض الكثافة عن طيف خط الامتصاص.
في عام 1860، استخدم الفريق المكون من زوج وزوجته، وهما ويليامومارجريت هاغينز، التحليل الطيفي لإثبات أن النجوم كانت تتألف من نفس العناصر الموجودة على الأرض. استخدما أيضًا معادلة انزياح دوبلر (الانزياح الأحمر) غير النسبية على نجم الشَعِرى اليمانية في عام 1868 لتحديد سرعته المحورية.[35][36] كانا أول من أخذ مجموعة من سديم الكواكب عندما حُلِّل سديم عين القط (إن جي سي 6543).[37][38] تمكنا من تمييز السدم عن المجرات باستخدام التقنيات الطيفية.
لاحظ آوغست بير وجود علاقة بين امتصاص الضوء وتركيزه،[39] وابتكر مقارِنة الألوان التي حل محلها لاحقًا جهازٌ أكثر دقة يُسمى المضواء الطيفي.[40]
أواخر القرن التاسع عشر (1870-1899)
في عام 1885، اكتشف يوهان بالمر أن الخطوط الأربعة المرئية للهيدروجين كانت جزءًا من سلسلة يمكن التعبير عنها من حيث الأعداد الصحيحة.[41] تبع ذلك بعد بضع سنوات صيغة ريدبرغ التي وضعت سلسلة إضافية من الخطوط.[42]
في عام 1913، نشر نيلز بور[44] نظرية الذرات الشبيهة بالهيدروجين التي يمكنها أن تفسر الأطوال الموجية المرصودة للخطوط الطيفية بسبب انتقال الإلكترونات من حالات طاقية مختلفة.[45] في عام 1937، «ابتكر إي. لهرر أول مطياف آلي بالكامل» للمساعدة في قياس الخطوط الطيفية بصورة أدق.[46] باستخدام أدوات أكثر تطورًا مثل كاشفات الصور، تمكن العلماء بعد ذلك من إجراء قياس أدق لامتصاص المواد ذات الطول الموجي المحدد.[40]
تطوير ميكانيكا الكم
ساهمت أبحاث التحليل الطيفي بشكل كبير في تطوير ميكانيكا الكم وذلك في أوائل القرن العشرين. قدمت ميكانيكا الكم شرحًا وإطارًا نظريًا لفهم الملاحظات الطيفية.[47][48][49][50]
الأشعة تحت الحمراء ومطيافية رامان
كان على العديد من العلماء الأوائل الذين درسوا أطياف المُركبات تحت الحمراء تطوير أدواتهم الخاصة وصنعها حتى يتمكنوا من تسجيل قياساتهم، الأمر الذي جعل الحصول على قياسات دقيقة صعبًا جدًا. خلال الحرب العالمية الثانية، تعاقدت الحكومة الأمريكية مع شركات مختلفة لتطوير بلمرة البيوتاديين لتصنيع المطاط الصناعي، ولكن لا يمكن إجراء ذلك إلا من خلال تحليل إيزوميرات الكالسيوم الهيدروكربونية. بدأت هذه الشركات المتعاقدة بتطوير الأدوات البصرية وفي نهاية الأمر، أنشأت أول مطياف يعمل بالأشعة تحت الحمراء. مع تطور المطيافات التجارية، أصبحت الأشعة تحت الحمراء وسيلة أكثر شعبية لتحديد «البصمة» لأي جزيء.[40] لوحظت مطيافية رامان لأول مرة في عام 1928 من قبل السير تشاندراسيخارا رامان في المواد السائلة، وأيضًا من قبل «غريغوري لاندسبيرغ وليونيد ماندلستام في البلورات».[46] تستند مطيافية رامان إلى ملاحظة تأثير رامان الذي يُعرّف على النحو التالي: «تعتمد شدة الضوء المبعثر على مقدار التغيير المحتمل في الاستقطاب». تسجل مطيافية رامان شدة الضوء مقابل تردد الضوء (العدد الموجي)، ويُعد انزياح العدد الموجي ميزة لكل مركب على حدة.[46]
التحليل الطيفي بالليزر
التحليل الطيفي بالليزر هو تقنية طيفية تستخدم الليزر لتتمكن من تحديد الترددات المنبعثة للمادة.[51] ابتُكر الليزر لأن علماء التحليل الطيفي قد أخذوا المفهوم من سلفهِ، الميزر، وطبقوه على النطاقات المرئية وتحت الحمراء للضوء. ابتكر المايزر تشارلز تاونز وغيره من علماء التحليل الطيفي لتحفيز المادة من أجل تحديد الترددات الإشعاعية التي تنبعث منها الذرات والجزيئات. في أثناء العمل على المايزر، أدرك تاونز إمكانية وجود اكتشافات أدق مع زيادة وتيرة انبعاث الميكروويف. أسفر ذلك بعد بضع سنوات عن فكرة استخدام نطاقات الضوء المرئية، وبعدها النطاقات تحت الحمراء، للتحليل الطيفي، والتي أصبحت واقعية بمساعدة آرثر شاولو.[51] منذ ذلك الحين، واصل الليزر التقدم التجريبي للتحليل الطيفي بشكل ملحوظ. سمح الليزر بإجراء تجارب ذات دقة أعلى بكثير في دراسة القدرة على اكتشاف الأطوال الموجية للضوء وتردداته المحددة بصورة دقيقة، ما سمح باختراع أجهزة مثل الساعات الذرية الليزرية. جعل الليزر التحليلَ الطيفي الذي يستخدم أساليب الوقت أدقَّ من خلال استعمال سرعات الفوتونات أو أوقات تحللها عند أطوال موجية وترددات محددة للحفاظ على الوقت.[52] استُخدمت تقنيات التحليل الطيفي بالليزر في العديد من التطبيقات المختلفة، ومن الأمثلة على ذلك استخدام التحليل الطيفي بالليزر للكشف عن المركبات في المواد.[53]
^Wollaston، W. H. (1802). "A method of examining refractive and dispersive powers, by prismatic reflection". Philos. Trans. R. Soc. ج. 92: 365–380. DOI:10.1098/rstl.1802.0014.
Seneca، Lucius Annaeus؛ Clarke، John, tr. (1910). "Book I, § vii". Physical Science in the Time of Nero, being a translation of Quaestiones Naturales of Seneca. London, England: Macmillan and Co., Ltd. ص. 30–31.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: أسماء متعددة: قائمة المؤلفين (link)
Pliny the Elder؛ Bostock، John, tr.؛ Riley، H.T., tr. (1898). "Book 37, Ch. 52. Iris; two varieties of it". The Natural History of Pliny. London, England: George Bell and Sons. ج. vol. 6. ص. 438–439. {{استشهاد بكتاب}}: |المجلد= يحوي نصًّا زائدًا (مساعدة)صيانة الاستشهاد: أسماء متعددة: قائمة المؤلفين (link)
^Brand، John C. D. (1995). Lines of Light: The Sources of Dispersive Spectroscopy, 1800 - 1930. Gordon and Breach Publishers. ص. 57. ISBN:978-2884491624.
^Melvill، Thomas (1756). "Observations on light and colours". Essays and Observations, Physical and Literary. Read Before a Society in Edinburgh, …. ج. 2: 12–90. مؤرشف من الأصل في 2020-05-21. ; see pp. 33–36.
^Wheatstone (1836). "On the prismatic decomposition of electrical light". Report of the Fifth Meeting of the British Association for the Advancement of Science; Held at Dublin in 1835. Notices and Abstracts of Communications to the British Association for the Advancement of Science, at the Dublin Meeting, August 1835. London, England: John Murray. ص. 11–12.
Foucault, L. (1849). "Lumière électrique" [Electric light]. Société Philomatique de Paris. Extraits des Procès-Verbaux de Séances. (بالفرنسية): 16–20. Archived from the original on 2019-02-09.
Foucault, L. (7 Feb 1849). "Lumière électrique" [Electric light]. L'Institut, Journal Universel des Sciences … (بالفرنسية). 17 (788): 44–46. Archived from the original on 2020-05-21.
Ångström, A.J. (1852). "Optiska undersökningar" [Optical investigations]. Kongliga Vetenskaps-Akademiens Handlingar [Proceedings of the Royal Academy of Science] (بالسويدية). 40: 333–360. Archived from the original on 2020-05-22. Note: Although Ångström submitted his paper to the Swedish Royal Academy of Science on 16 February 1853, it was published in the volume for Academy's proceedings of 1852.
Ångström, A.J. (1855a). "Optische Untersuchungen" [Optical investigations]. Annalen der Physik und Chemie (بالألمانية). 94: 141–165. Archived from the original on 2020-05-22.
^Bunsen، R.؛ Kirchhoff، G. (1861). "Untersuchungen über das Sonnenspektrum und die Spektren der Chemischen Elemente". Abhandl. KGL. Akad. Wiss. Berlin.
^Kirchhoff، G.؛ Bunsen، R. (1901). "Chemical Analysis By Spectral Observations". في Brace، D. B. (المحرر). The Laws of Radiation and Absorption: Memoirs by Prévost, Stewart, Kirchhoff, and Kirchhoff and Bunsen. New York: American Book Company. ص. 99–125.
Rydberg, J.R. (1889). "Researches sur la constitution des spectres d'émission des éléments chimiques" [Investigations of the composition of the emission spectra of chemical elements]. Kongliga Svenska Vetenskaps-Akademiens Handlingar [Proceedings of the Royal Swedish Academy of Science]. 2nd series (بالفرنسية). 23 (11): 1–177. Archived from the original on 2020-05-22.
Zeeman, P. (1896). "Over de invloed eener magnetisatie op den aard van het door een stof uitgezonden licht" [On the influence of magnetism on the nature of the light emitted by a substance]. Verslagen van de Gewone Vergaderingen der Wis- en Natuurkundige Afdeeling (Koninklijk Akademie van Wetenschappen te Amsterdam) [Reports of the Ordinary Sessions of the Mathematical and Physical Section (Royal Academy of Sciences in Amsterdam)] (بالهولندية). 5: 181–184 and 242–248. Archived from the original on 2020-05-22.
^Pauli، W. (1925). "Über den Zusammenhang des Abschlusses der Elektronengruppen im Atom mit der Komplexstruktur der Spektren". Zeitschrift für Physik. ج. 31 ع. 1: 765–783. Bibcode:1925ZPhy...31..765P. DOI:10.1007/BF02980631.
^Heisenberg، W. (1925). "Über quantentheoretische Umdeutung kinematischer und mechanischer Beziehungen". Zeitschrift für Physik. ج. 33 ع. 1: 879–893. Bibcode:1925ZPhy...33..879H. DOI:10.1007/BF01328377.