...و"الفقه الأكبر" هو تأليف الإمام أبي حنيفة، رحمه الله تعالى، وإملاؤه.
قال الهمام عبد القاهر البغدادي، المتوفى (429هـ) في كتابه "أصول الدين"، ص 308: وأول متكلميهم من الفقهاء وأرباب المذاهب أبو حنيفة والشافعي؛ فإن أبا حنيفة أَلَّف كتاباً في الرد على القدرية سماه "الفقه الأكبر".
وقال الإمام أبو المظفر الإسفراييني في "التبصير في الدين": كتاب "العالم والمتعلم" لأبي حنيفة، فيه الحجج القاهرة على أهل الإلحاد والبدعة، وكتاب "الفقه الأكبر" الذي أخبرنا به الثقة بطريق معتمد وإسناد صحيح عن نصر بن يحيى، عن أبي حنيفة. كذا في التبصير ص 113. وفيه عرض جيد لعقيدة أهل السنة يجدد الانتفاع به. طُبع أول مرة بتحقيق العلَّامة الكوثري .
وقد رأيت مخطوطة جيدة من "الفقه الأكبر" في مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت بالمدينة المنورة، على ساكنها ألف صلاة وسلام، رواية علي بن أحمد الفارسي عن نصر بن يحيى، عن أبي مقاتل، عن عصام بن يوسف، عن حماد بن أبي حنيفة. والنسخة ضمن المجموعة رقم (226)، وهذا يؤكد نسبة "الفقه الأكبر" إلى الإمام .
وقال العلَّامة محمد محمد المرتضى الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين": جاء في "مناقب الإمام الأعظم" لمحمد بن محمد الكردري ، عن خالد بن زيد العمري أنه قال: كان أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر وحماد بن أبي حنيفة قد خصموا بالكلام الناس، أي ألزموا المخالفين، وهم أئمة العلم.
وعن أبي عبد الله الصيمري: أن الإمام أبا حنيفة كان متكلم هذه الأمة في زمانه، وفقيههم في الحلال والحرام.
وقد عُلم مما تقدَّم أن هذه الكتب من تأليف الإمام نفسه. والصحيح أن هذه المسائل المذكورة في هذه الكتب من أمالي الإمام التي أملاها على أصحابه: كحماد وأبي يوسف وأبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي وأبي مقاتل حفص بن مسلم السمرقندي، فمنهم الذين قاموا بجمعها، وتلقّاها عنهم جماعة من الأئمة: كإسماعيل بن حماد - حفيد الإمام - ومحمد بن مقاتل الرازي ومحمد بن سماعة ونصير بن يحيى البلخي وشداد بن الحكم وغيرهم، إلى أن وصلت بالإسناد الصحيح إلى الإمام أبي منصور الماتريدي.
فمن عزاهن إلى الإمام صح، لكون تلك المسائل من إملائه، ومن عزاهن إلى أبي مطيع البلخي أو غيره ممن هو في طبقته، أو ممن هو بعدهم صح؛ لكونها من جمعه. ونظير ذلك المسند المنسوب للإمام الشافعي، فإنه من تخريج أبي عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر النيسابوري، أبي العباس الأصم، من أصول الشافعي.
ونحن نذكر لك مَن نقل هذه الكتب، واعتمد عليها.
فمن ذلك: فخر الإسلام البزدوي، وقد ذكر في أول أصوله جملة من "الفقه الأكبر"، وكتاب "العالم والمتعلِّم" والرسالة. وقال أخيراً - وقد ذكر جُملاً من الكتب الخمسة "الفقه الأكبر، العالم والمتعلِّم، الفقه الأوسط، الرسالة، والوصية"، منقولاً عنها في نحو ثلاثين كتاباً من كتب الأئمة، وهذا القدر كافٍ في تلقّي الأمة لها بالقبول، والله أعلم.[5]