بدأت السيطرة العثمانية على البحر الأحمر، وفي الوقت نفسه عام 1517م؛ عندما ضم سليم الأول للإمبراطورية العثمانية بعد معركة الريدانية، وبعدما انضمت المناطق المأهولة من شبه الجزيرة العربية (الحجازوتهامة) إلى العثمانيين، قدم بيري ريسخريطته الشهيرة للعالم للسلطان سليم بعد بضعة أسابيع فقط من وصوله إلى مصر؛ يوجد الجزء الذي يغطي المحيط الأطلسيوالأمريكتين حالياً في متحف توب قابي،[1] أما الجزء الذي يغطي المحيط الهندي فهو مفقود، ويُحتمل أن سليمًا قد أخذها ليستخدمها في التخطيط لحملات عسكرية مستقبلية في هذ المنطقة. بعد الهيمنة العثمانية في البحر الأحمر بدأت مرحلة الصراع العثماني البرتغالي، فدخل سليم في مفاوضات مع السلطان المظفر الثاني سلطان غوجارات (سلطنة في شمال غرب الهند) حول احتمالية ضربة مشتركة ضد البرتغاليين في غوا،[2] إلا أن سليمًا تُوفي عام 1520م.
في عام 1525م تم تعيين القرصان السابق سلمان ريس أدميرالًا لأحد الأساطيل العثمانية الصغيرة في عهد سليمان القانوني في البحر الأحمر، والتي كانت مكلفة بالدفاع عن المدن الساحلية العثمانية ضد الهجمات البرتغالية،[3] وفي 1534م ضم سليمان معظم العراق، وبحلول عام 1538م كان العثمانيون قد وصلوا إلى البصرة، مما يعني الخليج العربي، ولم تزل الدولة العثمانية تواجه سيطرة البرتغاليين على السواحل؛ فمعظم المدن الساحلية في شبه الجزيرة العربية كانت إما موانئ، وإما أقاليم برتغالية. أيضًا كان الصراع العثماني البرتغالي ذا بعد اقتصادي؛ ففي القرن 15 الميلادي كانت أهم طرق التجارة من الشرق الأقصى إلى أوروبا، وهو ما يُعرَف بطريق التوابل، تمر خلال البحر الأحمر ومصر، لكن بعد الالتفاف حول أفريقيا تناقصت إيرادات التجارة.[4] ولأن الدولة العثمانية كانت قوة بحرية رئيسية في البحرالمتوسط لم يكن من الممكن نقل الأسطول على البحر الأحمر، (كان ذلك قبل حفر قناة السويس)، لذا تم بناء أسطول جديد في السويس باسم «الأسطول الهندي»،[5] ومع ذلك فالسبب الظاهر من الحملات في المحيط الهندي كانت دعوة من الهند.
حملة سليمان باشا الخادم 1538
ناشد بهادر شاه ابن مظفر الثاني حاكم كجرات، الذي تفاوض مع السلطان سليم من قبل القسطنطينية، من أجل العمل المشترك ضد البحرية البرتغالية، فاستغل سليمان الأول هذه الفرصة للتحقق من الهيمنة البرتغالية على المحيط الهندي، وعين سليمان باشا الخادم كأدميرال لأسطول المحيط الهندي، وتألفت قوة ذلك الأسطول من حوالي 90 قادسًا،[6] وفي عام 1538م أبحر إلى الهند عبر البحر الأحمر وبحر العرب، إلا أنه علم أن بهادر شاه قد قتل خلال اشتباكات مع القوات البحرية البرتغالية، وأن خليفته قد تحالف مع البرتغال، فقرر العودة بعد فشل الحصار على ديو، وفي طريق عودته إلى السويس غزا معظم اليمن، بما في ذلك عدن، وبعد تلك الحملة، تمت ترقية سليمان باشا لمنصب الصدر الأعظم.
حملة بيري ريس 1548-1552
بعد الحملة الأولى استولت البحرية البرتغالية على عدن، وضربت حصارًا على مدينة جدة (المملكة العربية السعودية)، وحاولت أن تخترق البحر الأحمر، فقامت الدولة العثمانية بالإعداد لحملة ثانية، وكان الهدف من الحملة الثانية استعادة السلطة العثمانية في البحر الأحمر واليمن، وكان الأدميرال المعين على رأس هذه الحملة بيري ريس قد استعاد عدن في 1549م، وبالتالي تم تأمين البحر الأحمر.
وبعد ثلاث سنوات أبحر من السويس مرة أخرى مع 30 سفينة لانتزاع جزيرة هرمز، مفتاح الخليج العربي من البرتغال؛ فسيطر بيري ريس على مسقط في طريقه، وبالتالي تم توسيع السلطة العثمانية بقدر حتى عمان، وحاصر هرمز، لكنه لم يوفق؛ فاستولى على المدينة، ولكن بقيت القلعة على حالها. وبعد الاستيلاء على شبه جزيرة قطروالبحرين، وتلقي تقارير تفيد اقتراب الأسطول البرتغالي، قرر بيري ريس سحب الأسطول إلى البصرة، وعاد إلى السويس مع قاربين كانا من ممتلكاته الشخصية،[7] فحكم السلطان على بيري ريس بالموت جرَّاء ذلك، وأُعدم بالفعل في 1553م.[8]
حملة مراد ريس الكبير 1553
كان الغرض من هذه الحملة إعادة الأسطول إلى السويس، وكان الأدميرال مراد ريس الأكبرالسنجق (الحاكم) السابق للقطيف على رأس هذه الحملة، وبينما كان يحاول الإبحار في الخليج العربي واجه أسطولًا برتغاليًّا كبيرًا، بقيادة دوم ديوغو دي نورونها، في المواجهة البحرية المفتوحة الأكبر بين البلدين، وقد نجح مراد في إغراق بارجة نورونها الرئيسية بمدفعيته، بيد أن التغيير المفاجئ في الرياح أجبره على العودة إلى البصرة.[9]
حملة سيدي علي ريس 1553
تم تعيين الأدميرال سيدي علي ريس بعد فشل الحملة الثالثة عام 1553م، ولكن كان ما وجده في البصرة مجموعة من القوارب المهملة، ومع ذلك، وبعد بعض الصيانة قرر الإبحار بها، ومر عبر مضيق هرمز، وبدأ بالإبحار على طول الشواطئ العمانية؛ حيث اشتبك مع الأسطول البرتغالي مرتين، ولم يكن محظوظا للغاية؛ إذ واجه عاصفة كبيرة سُميت من قبل السكان المحليين بـ الإعصار الفيل (طوفان الفيل)، وبعد العاصفة تبقى له 6 سفن جنحت إلى الهند التي كانت الهدف الأصلي لكل تلك الحملات طوال 15 عامًا، ولم يعدْ ما تبقى من هذا الأسطول صالحًا مما أدى إلى عودته برًّا مع خمسين رجلًا، ثم وصل سيدي علي ريس إلى الديوان الملكي للإمبراطور المغوليهمايون في دلهي؛ حيث التقى الإمبراطور المغولي تانستقبلي جلال الدين أكبر، الذي كان يبلغ من العمر آنذاك اثني عشر عامًا.
كان الطريق من الهند إلى تركيا في غاية الخطورة بسبب الحرب بين الدولة العثمانية والفرس، فعاد سيدي علي ريس، بعد توقيع معاهدة أماسيا بين البلدين في عام 1555م، وألف كتابًا سمَّاه (مرآة الممالك)، وكان عن هذه المغامرة، وقدمه للسلطان سليمان عام 1557م.[10] يعتبر هذا الكتاب الآن واحدًا من أقدم كتب الرحلات في الأدب العثماني، كما ألف كتاب «المحيط في علم الأفلاك والأبحر»، والذي اشتهر باسم «محيط»، واعتمد فيه اعتمادًا وثيقًا على علم الملاحة العربي، وأهمها مؤلفات ابن ماجد وتلميذه سليمان المهري، التي قال عنها في كتابه: «إذ الملاحة بدون هذه الكتب جدٌّ متعذرةٌ».
فيما بعد
كانت الحملات البحرية على المحيط الهندي بالكاد ناجحة؛ فالأهداف الرئيسية من التحقق من الهيمنة البرتغالية في المحيط الهندي، ومساعدة الحاكم الهندي المسلم لم تتحقق، وعلى الرغم مما سُمي: «مزايا ساحقة للبرتغال» كانت الدولة العثمانية أكثر ثراءً وسكانا من البرتغال، وأكثر قربا من السكان؛ فقد كانت معتنقة نفس دين معظم سكان المناطق الساحلية في حوض المحيط الهندي، وكانت قواعدها البحرية أقرب إلى مسرح العمليات.
من ناحية أخرى تم ضم اليمن فضلًا عن الضفة الغربية من البحر الأحمر، المقابلة للشريط الساحلي الضيق من السودانوإريتريا من قبل أوزدمير باشا نائب سليمان باشا الخادم، وتم إنشاء ثلاث مقاطعات في شرق أفريقيا: مصوعوالحبشةوسواكن، وأصبحت الموانئ في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية أيضًا مؤمَّنة.[11]