يبدأ تاريخ إسطنبول الفعلي، وفقًا للعديد من المؤرخين، حوالي عام 660 ق.م، عندما قام المستوطنون الميغاريون، تحت قيادة ملكهم «بيزاس» بتأسيس مدينة بيزنطة على الجانب الأوروبي من مضيق البوسفور. وبحلول نهاية القرن، كان السكان قد أسسوا مدينة عليا حصينة في منطقة «موقع القصر»، في نفس المنطقة التي بُنيت فيها مستعمرتيّ «لايگوس» و«سيمسترا»، أي حيث يقع قصر الباب العاليوآيا صوفيا حاليًا.[2][3]
حوصرت المدينة من قبل الإمبراطور الروماني «سبتيموس سيفيروس» عام 196، بعد أن تحالفت مع حاكم سوريا «غايوس بسيسنيوس نيجير» الذي كان قد ثار على الإمبراطورية وهُزم فيما بعد، وتكبدت أضرارًا فادحة جرّاء ذلك. أعاد البطريرك «ساويرس الأنطاكي» بناء بيزنطة بعد الدمار الذي حل بها نتيجة الحصار الروماني، وسرعان ما استعادت المدينة مجدها وازدهارها السابق، بعد أن أطلق عليها الإمبراطور لفترة وجيزة اسم «أغسطا أنطونينا» تيمنًا بابنه.[4]
كان الموقع الجغرافي لبيزنطة قد لفت نظر قسطنطين الأول عام 324، وذلك بعد أن زعم بأنه شاهد حلمًا نبويًا ظهر فيه موقع المدينة؛ ويقول المؤرخون أن السبب الحقيقي وراء ادعاء قسطنطين بهذه النبؤة، هو انتصاره الحاسم على الإمبراطور «ڤاليريوس ليسينيوس» في معركة أسكودار على مضيق البوسفور بتاريخ 18 سبتمبر سنة 324، وهي المعركة التي أنهت الحرب الأهلية بين الأباطرة المشتركين بالحكم، وقضت نهائيًا على بقايا «نظام حكم الشعوب الأربع»، في الفترة التي كانت فيها مدينة «نيقوميديا» (باليونانية: Νικομήδεια)، المعروفة باسم «أزميت» حاليًا، أقدم المدن الرومانية وأعلاها شأنًا.[5] وبعد المعركة بست سنوات، أي في عام 330، أصبحت بيزنطة رسميًا العاصمة الجديدة للإمبراطورية الرومانية، وتغيّر اسمها إلى «القسطنطينية» أي «مدينة قسطنطين». وبعد وفاة الإمبراطور «ثيودوسيوس الأول» سنة 395، انقسمت الإمبراطورية بشكل دائم بين ولديه، فأصبحت القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الشرقية أو البيزنطية. كان موقع القسطنطينية بين قارتيّ أوروباوآسيا، إضافةً إلى كونها مقرًا لإحدى أهم السلالات الملكية آنذاك، قد جعل منها مركز استقطاب للتجارة الدولية، ومركزًا ثقافيًاوحضاريًا كبيرًا في المنطقة. كانت الإمبراطورية البيزنطية يونانية الثقافة بشكل واضح لا ريب فيه، وأصبحت فيما بعد تُشكل عصب الأمة المسيحية الرومية الأرثوذكسية[؟]، فكان طبيعيًا بالتالي أن تُزيّن عاصمتها بالعديد من الكنائس الكبيرة ذات الأهمية العالمية، مثل آيا صوفيا، التي كانت أكبر كاتدرائية في العالم إلى حين الفتح الإسلامي للمدينة.[6] وما زال مقر بطريرك القسطنطينية، الزعيم الروحي للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية المسكونية، يقع في مقاطعة «الفنار» من إسطنبول.[7]
وكان العثمانيون قد أخذوا بتطبيق إستراتيجية طويلة الأمد لاحتلال المدينة، فسيطروا على جميع القرى والمدن الصغيرة المحيطة بالقسطنطينية شيئاً فشيئًا، بدأً ببورصة عام 1326، ازميت عام 1337، غاليبولي عام 1354، وأدرنة عام 1362. وبهذا كان العثمانيون قد ضيقوا الخناق على المدينة ومنعوا وصول المدد إليها من الدول المجاورة.[12]
دخول إسطنبول تحت حكم العثمانيين
في 29 مايو سنة 1453 قام العثمانيون بقيادة السلطان الشاب «محمد الثاني»، الذي عُرف لاحقًا باسم «محمد الفاتح»، بفتح المدينة بعد حصار دام 53 يومًا، وقد قُتل خلال الهجوم أخر أباطرة الروم «قسطنطين الحادي عشر» بالقرب من البوابة الذهبية.[13]
وبعد تمام النصر نقل السلطان محمد الفاتح عاصمة الدولة العثمانية من أدرنة إلى القسطنطينية، التي غيّر اسمها إلى «إسلامبول».[13]
يُعتبر حدث سقوط القسطنطينية حدثًا ذا أهمية كبرى في التاريخ العالمي، إذ يعده الكثير من المؤرخين أو معظمهم حتى، خاتمة العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة.[14][15]
افتتح السلطان محمد الثاني باكورة أعماله في عاصمة بلاده الجديدة بأن أخذ يعمل على إعادة إحيائها من الناحية الاقتصادية وانتشالها من الوضع المزري التي كانت عليه، فأمر بإنشاء «السوق الكبير المغطى» (بالتركية: Kapalıçarşı)، ودعا السكان الهاربين، من أرثوذكس[؟]وكاثوليك، إلى العودة إلى بيوتهم بالمدينة وأمنّهم على حياتهم، كذلك أطلق سراح السجناء من جنودوسياسيين الذين قُبض عليهم بعد الدخول إلى القسطنطينية، ليسكنوا المدينة ويرفعوا من عدد سكانها، وأرسل إلى حكّام المقاطعات في الرومليوالأناضول يطلب منهم أن يرسلوا أربعة آلاف أسرة لتستقر في العاصمة، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود، وذلك حتى يجعل من مجتمعها مجتمعًا متعدد الثقافات.[16]
قام السلطان أيضًا بتشييد الكثير من المعالم المعمارية في المدينة رغبةً منه بجعلها «أجمل عواصم العالم» و«حاضرة العلوم والفنون»، فأمر ببناء المعاهدوالقصوروالمستشفيات والخانات والحماماتوالأسواق الكبيرة والحدائق العامة،[17] وبتصليح الأسوار المهدمة والمباني القديمة،[18] وأدخل المياه إلى المدينة بواسطة قناطر خاصة. وشجع الوزراء وكبار رجال الدولة والأغنياء والأعيان على تشييد المباني وإنشاء الدكاكين والحمامات وغيرها من المباني التي تعطي العاصمة بهاءً ورونقًا. ومن أبرز المعالم التي تركها السلطان محمد الفاتح: قصر الباب العالي الذي أمر بالبدء ببنائه قرابة عقد الستينات من القرن الخامس عشر، ومسجد أيوب سلطان. كذلك أُنشئت مؤسسات دينية لتموّل عمليات بناء المساجد الكبرى، مثل مسجد الفاتح الذي بُني في ذات الموقع حيث كانت كنيسة الرسل المقدسة موجودة سابقًا.
بعد 50 سنة من فتح القسطنطينية، أصبحت المدينة إحدى أكبر المدن وأكثرها ازدهارًا في العالم، لكن هذا لم يدم طويلاً، إذ ضربها زلزال شديد في 14 سبتمبر من عام 1509 أسفر عنه عدد من الهزات الارتدادية وتدمير 45 مبنى والكثير من القتلى والجرحى.[19] وقد عُرفت هذه الكارثة باسم «يوم القيامة الصغير» (بالتركية: Küçük Kıyamet). ولم تزل آثار هذا اليوم إلّا في عام 1510، عندما أحضر السلطان «بايزيد الثاني» 80,000 عامل وبنّاء ليقوموا بإعادة بناء ما تهدم من المنازل والمعالم.
يُعتبر عصر خليفة سليم الأول، السلطان «سليمان القانوني»، العصر الذهبي للدولة العثمانية، إذ تم في ذلك العهد إنشاء الكثير من المعالم الهندسية والفنية في المدينة وفي مختلف أنحاء الدولة، ويرجع الفضل في تزيين المدينة وإظهارها بأبهى الحلل إلى المهندس الشهير «سنان آغا»، الذي صمم الكثير من المساجد والمباني التاريخية في المدينة.
كانت إسطنبول في عهده أضخم مدينة في أوربا وكانت أكثر مدينة مزدهرة ووصل عدد سكانها إلى أربعمئة ألف نسمة في النصف الأول من القرن السادس عشر.[22]
الاقتصاد
في إسطنبول عام 1564 كان عدد الورشات التي تصنع البروكار 318 ورشة
[23]
الأوقاف في إسطنبول
في عام 1546 كان في إسطنبول 2517 وقفا يعود إلى أشخاص من خارج العائلة الحاكمة.[24]
عمارة إسطنبول في عهده
أمر السلطان «سليمان القانوني» كبير المعماريين والمهندسين، «سنان آغا»، أن يقوم بتحسين منشآت البنية التحتية الخاصة بالمياه بحيث يُمكن تأمين متطلبات السكان المتزايدة، فقام الأخير بإنشاء «شبكة مياه الأربعين نافورة» في سنة 1555، التي ساعدت على حل المشكلة.[25]
في عهد القانوني عاش معمار سنان وبنى الكثير من الأبنية المعمارية بأمر من سليمان القانوني
ومن الأبنية التي شيدت في عهده
قال عنه معمار سنان إنه واحد من أبرز معالمه المعارية التي يتباهى بها.[33]
تبلغ مساحته الإجمالية 70 دونما.
ويحوي عدة مدارس وكتبة ومسجد.[34]
في عام 1557 م تم إنشاء كلية السليمانية بإشراف المعمار سنان، وحسب ما روى المؤرخ (باجوي) عمل في بناء الكلية 3523 عامل[؟] وتم صرف مبالغ كبيرة عليها وتم نقل مختلف أنواع الأحجار والأعمدة إليها من جزيرة بوزجه وازميت وغزةولبنان وغيرها من المدن، وقُسّمت الكلية إلى 15 قسم من بين أقسامها الجامع[؟] ومدرسة الطب ومشفى الأمراض العقلية ومدرسة الحديث والمطبعة ودار الضيافة وضريح المعمار سنان.[35][36]
بُنيَ جامع مهرماه سلطان ومعه «كلية» (بالتركية: külliye) أي مجموعة منشآت أخرى شملت إلى جانب المدرسة:حمام عام مزدوج، تربة (مدفن) (بالتركية: türbe) وصف من المحلات التجارية أسفل الشرفة التي تم بناء المسجد عليها، حيث كان القصد منها الإنفاق على المسجد «كلية» بواسطة الإيجارات، إذ أن كل المنشآت كان تعمل بالمجان.
هو مسجدعثماني يقع في منطقة بشيكطاش، بناه المهندس المعماري العثماني الشهير سنان أغا المعروف بمعمار سنان بأمر من أمير البحر العثماني القبطان باشا«سنان باشا» قائد البحرية العثمانية الذي توفي 21 ديسمبر 1553م. يقع المسجد مقابل جسر بشيكطاش، وتم الانتهاء من بناءه في عام 1555م.
استخدمته زوجة السلطان سليمان مرتين فقط.[42]
ثم أصبح حماما للسلاطين يستحمون فيه.[43]
وهو أكبر وأقدم حمام في إسطنبول.[44]
انتفاضة الحرفيين
في عام 1561 لجأت الحكومة ام الحرفيين على شراء كميات كبيرة من السلع المصادرة بأسعار عالية وإلى اعتماد سعر للذهب لا يمثل سوى ثلث السعر السائد، مما دفع بحشود الحرفيين إلى التوجه إلى الديوان السلطاني لمطالبة الصدر الأعظم بالعدالة، ولكن بعد أن ردوا على أعقابهم امتنعوا عن فتح دكاكينهم في اليوم التالي وتجمهروا تحت راياتهم وكان عددهم مئة وخمسون ألف[؟]اً وكان غالبيتهم يحمل السلاح وانتهى الأمر بعزل الصدر الأعظم.[45]
أهم رجال إسطنبول في تلك الفترة
بما أن إسطنبول كانت عاصمة الدولة العثمانية في عهد سليمان القانوني فهي بلا شك تضم أبرز رجال الدولة في تلك الفترة
ومنهم:
في عام 1718، أي خلال ما عُرف باسم «دور ثورة الخزامى»، أنشأ الصدر الأعظم «إبراهيم باشا» أول محطة إطفاء بالمدينة، كذلك افتتحت فيها أول مطبعة. وفي 3 نوفمبر من سنة 1839، أطلق السلطان «عبد المجيد الأول» حملة الإصلاحات أو «التنظيمات» في مختلف أنحاء الدولة، في محاولة منه للنهوض بالدولة العثمانية التي كانت تمر بمرحلة من الفوضى والتخلف، ولمواكبة التطور الحاصل في أوروبا، فكان أن انعكس ذلك على العديد من أنحاء المدينة من حيث التنظيم المدني وزيادة عدد المستشفيات وشق الطرق ومد السكك الحديدية وغير ذلك.
ضرب المدينة زلزال شديد مرة أخرى في عام 1894 ونجم عنه الكثير من الأضرار. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى قامت قوات الحلفاء باحتلال المدينة، ولم تخرج منها إلا بعد بضعة سنين بعد إبرام معاهدة مع «مصطفى كمال أتاتورك» احتفظ بموجبها الأتراك بوطنهم الأم الذي سكنته قبائل الترك منذ القدم بما فيه مدينة إسطنبول.[57]
الجمهورية التركية
بعد قيام الجمهورية التركية في عام 1923 نقل الرئيس «مصطفى كمال أتاتورك» مركز العاصمة إلى أنقرة، الأمر الذي أدى إلى ضعف الاهتمام بإسطنبول. إلا أن هذا الأمر عاد ليتغير في بداية عقد الأربعيناتوالخمسينات من القرن العشرين، حيث تغيرت بنية المدينة بشكل جذري، إذ تم شق وإنشاء العديد من الميادين والجادات والسبل، مثل «ميدان تقسيم»، في مختلف أنحاء المدينة؛ على حساب بعض المباني التاريخية في بعض الأحيان.
^يوجد وصف للمدينة في هذه الفترة في Notitia urbis Constantinopolitanae (text). نسخة محفوظة 04 مايو 2015 على موقع واي باك مشين.
^Vailhé، S. (1908). "Constantinople". Catholic Encyclopedia. New York: Robert Appleton Company. ج. 4. مؤرشف من الأصل في 2019-01-21. اطلع عليه بتاريخ 2007-09-12.
^ ابتاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي، دار النفائس، الطبعة العاشرة: 1427 هـ - 2006 م، صفحة: 164 ISBN 9953-18-084-9
^المصوّر في التاريخ، الجزء السادس، تأليف: شفيق جحا، منير البعلبكي، بهيج عثمان، دار العلم للملايين - بيروت، الطبعة التاسعة، تشرين الثاني/نوفمبر 1992؛ النتائج التي ترتبت على سقوط القسطنطينية، صفحة 124
^Oxford Dictionary of Turkce 2e, Oxford University Press, 2003, "Middle Ages" article
^Thompson, J., A History of Egypt, AUC Press 2008, p. 194; Vatikiotis, P.J., The History of Modern Egypt, The Johns Hopkins University Press, 1992, p.20
^A Military History of Modern Egypt: From the Ottoman Conquest to the Ramadan War
By Andrew James McGregor p.30
^ ابMurvar، Vatro (1989). Nation and Religion in Central Europe and the Western Balkans: The Muslims in Bosna, Hercegovina, and Sandžak : a Sociological Analysis. FSSSN Colloquia and Symposia, University of Wisconsin. ص. 34.
^Mehmet Süreyya (1996) [1890], Nuri Akbayar; Seyit A. Kahraman (eds.), Sicill-i Osmanî (بالتركية), Beşiktaş, Istanbul: Türkiye Kültür Bakanlığı and Türkiye Ekonomik ve Toplumsal Tarih Vakfı, Archived from the original on 2019-06-09