بتاريخ 7 جوان 1830 م سقطت العاصمة الجزائرية في يدي الجيش الفرنسي وبدأت مرحلة جديدة من تاريخ الجزائر الحديث هي فترة الاستعمار الفرنسي، إن سقوط الحكم العثماني أدى إلى فراغ سياسي ظهرت على إثره زعامات سياسية وعسكرية في أرياف منطقة متيجة أخذت على عاتقها مهمة التصدي للاحتلال الفرنسي، إنها أول مقاومة شعبية مسلحة للجزائريين ضد الوجود الفرنسي والتي ستتعمم في كل أرجاء الوطن وتستمر حتى مطلع القرن 20 م.[1]
سقوط الحكم العثماني وما أحدثه من فراغ سياسي كان لا بد من ملئه بالدولة الوطنية.
سياسة الاحتلال وأهدافه المتمثلة في الاستحواذ على الأرض واستعباد الإنسان ونهب الخيرات.
فظاعة وشراسة الجيش الفرنسي وجرائمه البشعة في حق الشعب الجزائري.
وقبل أن نتطرق إلى مراحل مقاومة منطقة متيجة وأهم أحداثها سنوضح بشكل مختصر أهم خصائصها التي شكلت في نفس الوقت عوامل قوتها وضعفها ثم فشلها في توقيف توسع الاحتلال الفرنسي في الداخل.
المقاومة الشعبية: والمقصود أنها مقاومة أبناء الشعب بعد سقوط المقاومة الرسمية للدولة.
قادها زعماء الطرق الصوفية والزوايا وشيوخ القبائل من أمثال «حسين بن محمد بن زعموم» قائد «قبيلة فليسة أومليل» و«مسعود بن عبد الواد» الذي كان «قائد قبيلة السبت» و«العربي بن موسى» قائد «بني خليل» و«محمد المخفي» قائد «الخشنة» والشيخ «محي الدين بن صغير بن مبارك» من علماء الصوفية في القليعة والحاج علي ولد سي سعدي من شيوخ الصوفية في الجزائر العاصمة وغيرهم.
لم يكن لها تنظيم سياسي وعسكري واضح وبتالي افتقدت إلى إستراتجية متكاملة لمواجهة تمدد الجيش الفرنسي بل اكتفت برد الفعل في أغلب الأحيان.
كان منطلقها ديني جهادي لأن الشعور الديني هو الرابط الأساسي بين الجزائريين في تلك المرحلة أما الشعور القومي والوطني بالمعنى السياسي فلم يتبلور إلا في الربع الأول من القرن 20م.
لم يكن قادتها على وفاق دائم بل في أغلب الأحيان كانت بينهم خلافات وصراعات بسبب اختلاف انتماءاتهم القبلية والطرق الصوفية التي ينتمون إليها.
مراحل المقاومة المسلحة
بعد هذه النظرة المختصرة لأسباب المقاومة الشعبية المسلحة في منطقة متيجة وأهم خصائصها سنتطرق لأهم أحداثها ومراحلها التي ميزت بين مرحلتين هما:
بدأت هذه الفترة بسقوط الجزائر العاصمة مباشرة حيث ادعى المارشال دي بورمن أن بعض البدو استولوا على مواشي بعثها باي التيطري لتموين الجيش الفرنسي ليقوم بحملة على مدينة البليدة بتاريخ 23 جويلية1830م، تقدم حوالي 1.000 من المشاة و300 من الفرسان مدعمين بالمدفعية، فنظم سكان البليدة كمينا للجيش الفرنسي حيث تظاهروا بالاستسلام وسمحوا للفرنسيين بالدخول دون مقاومة، وفي صباح يوم 24 جويلية1830م استغلوا تراخي الجيش الفرنسي ليشنوا هجوما من سفوح جبال شريعة ومن السهول المجاورة، وعلى حسب المصادر الفرنسية فإن الجنود الفرنسيين لم يتمكنوا من الخروج من أبواب باب الجزائر إلا منبطحين بعد أن خسروا 80 جنديا وترتب عن هذه المعركة نتائج مهمة تمثلت في:
كانت خطة المقاومة الشعبية تقتضي إحكام حصار على الجيش الفرنسي في الجزائر العاصمة ومنعه من الخروج وقطع كل طرق الإمداد البرية عليه وقد تم تنفيذها بإحكام حتى أصبح وضع الفرنسيين صعب فبمجرد خروج فرنسي من أسوار العاصمة يقتل وقد حاول «العقيد فريشفيل» (بالفرنسية: Frécheville) الخروج فقُتل في الحراش.
رفض سكان البليدة السماح بدخول الجيش الفرنسي واندلعت على إثر ذلك معركة شرسة سقط فيها مئات الشهداء وقام الجيش الفرنسي بإحراق البساتين المحيطة بالمدينة واضطر السكان إلى الفرار نحو الجبال.
وأول عمل قام به الجنرال بيار بيرتيزين هو توجيه حملة عسكرية على البليدة لكنه فشل في تحقيق هدفه ورجع خائبا وخضع للأمر الواقع فعين الشيخ «محي الدين بن مبارك» أغا للعرب حتى يكون وسيطا بينه وبين سكان منطقة متيجة.
وبمجرد وصوله للجزائر استأنف مشاريع الزحف نحو الداخل واستغل حادثة مقتل مبعوثي «فرحات بن سعيد» في مضارب «قبيلة العوفية» ليرتكب مجزرة في حق هذه القبيلة التي هاجمها الجيش الفرنسي ليلا في أفريل من عام 1832م وأبادها عن بكرة أبيها، ولم يكتف بذلك بل قام باختطاف «العربي بن موسى» قائد «وطن بني خليل» و«مسعود بن عبد الواد» قائد «السبت» وقتلهم فيما بعد وفرض ضرائب باهظة عل سكان مدينة الجزائر والمناطق المجاورة.
فحاول الفرنسيون استمالت قائد «قبيلة حجوط» القوية المدعو «شاوش قويدر بن رابح»، وأرسلوا حملة جديدة لمواجهة محمد بن زعموم الذي انتصر عليهم بتاريخ 2 أكتوبر1832م.
هكذا أسدل الستار على مرحلة هامة من تاريخنا الوطني الجزائري أعطى فيها سكان متيجة صورة ناصعة وعظيمة للكفاح والتضحية وبذل الغالي والنفيس من أجل الكرامة والحرية والوطن.