غالبًا ما يشار إليه على أنه «عراب العمارة العراقية الحديثة»،[9][10][11][12][13] حيث صمم أكثر من 100 مبنى في جميع أنحاء البلاد.[14] ووصفته الباحثة الفرنسية في فن العمارة الحديثة في العراق سيسيليا بييري بأنه «كان أحد عمالقة العراق في القرن العشرين».[9] وهو عضو فخري مُنتخب في الجمعية الملكية البريطانية للمعماريين منذ 1982.[15]
النشأة ونهجه المعماري
ولد الجادرجي في بغداد عام 1926[16] لعائلة ذات نفوذ يسارية التوجه.[17] لعب والده الصحفي والسياسي والوزير كامل الجادرجي، دورًا مركزيًا في الحياة السياسية العراقية كمؤسس للحزب الوطني الديمقراطي عام 1946 ثم رئيسًا للحزب.[18] وأشقاؤه هم نصير الجادرجي وباسل ويقظان وأمينة. أمّا جده الذي يحمل الاسم نفسه (رفعت) فقد كان رئيس بلدية بغداد أواخر العهد العثماني.[19][20]
درس الجادرجي ليصبح مهندسا معماريا. في عام 1952، بعد أن أكمل تدريبه وتخرج، عاد إلى بغداد وبدأ العمل على ما أسماه «تجاربه المعمارية».[21] تعد الهندسة المعمارية لرفعة الجادرجي مستوحاة من خصائص العمارة العراقية الإقليمية، والذكاء المتأصل فيها، ولكن في الوقت نفسه أراد الجاردجي التوفيق بين التقاليد والاحتياجات الاجتماعية المعاصرة.[22] شرح الجادرجي فلسفته تلك في مقابلة:
منذ بداية عملي، اعتقدت أنه من الضروري، عاجلاً أم آجلاً، أن يخلق العراق لنفسه معمارية ذات طابع إقليمي ولكن في نفس الوقت حديثة، وهي جزء من الأسلوب الطليعي الدولي الحالي.[23]
في سياق العمارة، أطلق الجادرجي على هذا النهج لقب النهج «الإقليمي الدولي».[24] كان نهج الجادرجي متسقًا تمامًا مع أهداف مجموعة بغداد الحديثة، التي تأسست عام 1951، والتي كان أحد أعضائها الأوائل. سعت هذه المجموعة الفنية إلى الجمع بين التراث العراقي القديم والفن والعمارة الحديثة، من أجل تطوير جمالية عراقية، لم تكن فريدة من نوعها في العراق فحسب، بل أثرت أيضًا في تطوير لغة بصرية عربية.
كان رفعة أحد الشركاء في مكتب الاستشاري العراقي في بغداد. وأكمل شهادة البكالوريوس في العمارة من جامعة هامرسميث عام 1954. ومن أعمالهِ مبنى الاتحاد العام للصناعات، ومبنى نقابة العمال، ومبنى البدالة الرئيسية في السنك، ومبنى البرلمان العراقي. ولهُ أعمال فنية أخرى فهو المصمم للقاعدة التي علق عليها الفنان جواد سليمنصب الحرية في ساحة التحريرببغداد كما أنه صمم نصب الجندي المجهول الأول في عقد الستينات من القرن العشرين في ساحة الفردوس. وصمم أيضا العلم العراقي الأزرق المثير للجدل والذي لم يعتمد.
تأثرت أعمال رفعت المعمارية بحركة الحداثة في العمارة ولكنها كانت ذات طابع محلي. معظم واجهات المباني التي صممها مغلفة بالطابوق الطيني العراقي وعليها أشكال تجريدية تشبه الشناشيل وغيرها من العناصر التقليدية ولكن بتكنولوجيا بناء حديثة.
وصل رفعة الجادرجي بالعمارة التقليدية «التحدارية» كما يطلق عليها إلى المستوى الشكلي التجريدي، فأصبح ينظر إليها كمنحوتة فنية لها خصائص تقليدية مجردة حسب مفهومه، لكنه لم يتعامل مع الفراغ المعماري بتلك النظرة التحدارية أو بتلك الخلفية التقليدية، فعندما نشاهد مساقطه الأفقية نجد أنها في كثير من الأحيان تكون مساقط أفقيه مستوحات من الحداثة.[25]
مسيرته
كانت أعمال الجادرجي الأولى مرتبطة بالخطاب الذي تبناه أعضاء مجموعة بغداد للفن الحديث وممثلة له،[26] بما في ذلك النحاتان جواد سليمومحمد غني حكمت والفنان المثقف شاكر حسن آل سعيد. اعتمدت تصاميمه على تجريد مفاهيم وعناصر المباني التقليدية وإعادة بنائها بأشكال معاصرة.[27] ومع ذلك، أشار منتقدو الجادرجي إلى أنه على الرغم من تعاطف الجادرجي مع أهداف الجماعة، إلا أنه كان حداثياً في جوهره.[28]
كانت أعمال الجادرجي الأولى في المقام الأول تختص بترميم وإعادة بناء المباني القديمة. في عام 1959، كلّف ببناء نصب تذكاري عام بارز، وهو نصب الجندي المجهول بالكرخ، الذي دمرته فيما بعد حكومة صدام حسين البعثية، واستبدل بتمثال لصدام نفسه. وكان يشير نصب الجادرجي، الذي يقع في موقع مركزي في ساحة الفردوس ببغداد، إلى التقاليد العراقية، ويستلهم من النصب القوسي المماثل بالقصر الساساني، بطسيفون. وصف النصب بأنه عبر عن بنية بسيطة ورمزية وحديثة،[29] وتكشف الرسومات التخطيطية للتصميم (والموجودة في معهد الفنون الجميلة في بغداد) عن مصدر إلهام التصميم، والذي يشبه أمًا تنحني لالتقاط طفلها الشهيد.[30]
استمر الجادرجي في استخدام الزخارف العراقية القديمة في تصاميم بنائه.[31] وتستلهم أعماله، مثل مبنى حسين جميل (1953)، ومستودع التبغ (1965)، سكن رفيق (1965) وبناية البريد المركزي (1975)، من الممارسات العراقية التقليدية لضبط درجة الحرارة من خلال التهوية الطبيعية، والساحات، وعكس الضوء. كما استخدم اللغة المعمارية المتمثلة في الأقواس والأرصفة المتجانسة التي تذكر الزوار بتاريخ العمارة العراقية القديمة. على الرغم من أن تصميماته غالبًا ما تستخدم عناصر محلية، إلا أنه غالبًا ما كان يدمجها في أشكال جديدة. في بعض الأحيان، اعتمد على التصميمات الخارجية التقليدية، لكنه صمم الديكورات الداخلية بصيغة أوروبية.[32]
عمل الجادرجي في منصب رئاسة قسم المباني، في مديرية الأوقاف العامة ثم مديرا عاما في وزارة التخطيط في أواخر الخمسينيات، ورئيسا لهيئة التخطيط في وزارة الإسكان، وساعده ذلك في تطوير اهتماماته الهندسية.[9]
في عام 1978، حكم على الجادرجي بالسجن مدى الحياة بتهم لا أساس لها خلال رئاسة أحمد حسن البكر.[33] ومع ذلك، بعد أن أمضى قرابة عامين في سجن أبو غريب، أطلق سراحه عندما تولى صدام حسين السلطة. أراد صدام أن يشرف أفضل مهندس معماري في العراق على الاستعدادات لعقد مؤتمر عدم الانحياز في بغداد عام 1983 وللمساعدة في الخطط العامة لـ«منح بغداد عملية تجميل».[34][35] أصبح الجادرجي مستشار الحسين المعماري لتخطيط مدينة بغداد للفترة 1982-1983.[36] أثناء سجنه، كتب كتابًا عن العمارة، بعنوان الأخيضر والقصر البلوري، مستخدمًا عناصر هربتها زوجته إليه في سجن أبو غريب.[37] وصف الكتاب بأنه «عمل أساسي ومهم» في موضوع العمارة العراقية.[38]
في الثمانينيات، أصبح الجادرجي مستشارًا لرئيس البلدية، وهو الدور الذي جعله يشرف على جميع مشاريع إعادة الإعمار في بغداد.[39] غادر العراق عام 1983 لتولي منصب أكاديمي في جامعة هارفارد. بعد بضع سنوات، ولدى عودته إلى بغداد، أحزنه التدهور الذي أصاب المدينة. وقال حينها «لا أصدق ما الذي جرى. لقد تحول كل شيء إلى خراب تقريبا، لقد تعرض العراق لغزوات ولم يستقر منذ فترات طويلة وهذا ما ينعكس باستمرار على التفاصيل الحياتية والعمرانية». عندما عاد إلى العراق في عام 2009، خيبت البلاد آماله بشكل كبير. وتضيف شرارة: «ذهبنا لمدة 10 أيام.» زرنا أربيل وبغداد، لكن الرحلة كلها أحزنته - مجرد رؤية ما حدث للعراق، وما أصبح عليه شارع الرشيد في بغداد، كان كافياً لإعادتنا إلى لندن.[34] قرر هو وزوجته مغادرة العراق بشكل دائم واستقرا في لندن والتي أقام فيها بقية حياته،[35][40] وبها توفي.[41]
جنبا إلى جنب مع والده، قام الجادرجي بتوثيق معظم أجزاء بغداد الأبرز وكذلك العراق وسوريا بشكل عام من خلال الصور، إذ كانا يخشيان أن تضيع الهندسة المعمارية والآثار الإقليمية بسبب التنمية الجديدة المرتبطة بطفرة النفط.[39] في عام 1995 نشر كتابا يضم صور والده الثمينة.[42] أتاح له منصب والده كسياسي الوصول إلى العديد من الأشخاص والأماكن التي ربما كانت صعبة الوصول على المصورين الآخرين.
فاز كتابه المعنون «في سببية وجدلية العمارة» بجائزة الشيخ زايد للكتاب، وذكرت صفحة الجائزة أن سبب فوزه كان «لأنه يجمع بين حس الفنان وتأمَّل المفكِّر، ويقدِّم فيه منظوراً جديداً لمحددات فن العمارة بين الحاجات النفعية والرمزية والجمالية على المستويات الجماعية والفردية، ممّا يؤدي لتغليب الجانب الوظيفي تارة وتطعيم العمارة بالعناصر التراثية تارة أخرى، ليخلص إلى بلورة رؤية جدلية للمعاصرة مشبعة بالقيم الجمالية ومنخرطة في الكونية في آن واحد».[15]
أعماله
على الرغم من أن الجادرجي صمم العديد من المساكن، إلا أنه اشتهر بأعماله العامة، بما في ذلك مباني ومقرات المؤسسات والمعالم البارزة. تمت إزالة نصبه التذكاري للجندي المجهول (1959)، الذي يوصف بأنه هيكل بسيط ورمزي وحديث، من ساحة الفردوس لإفساح المجال لتمثال صدام حسين في أوائل الثمانينيات. تم إسقاط التمثال البديل بدوره في 9 أبريل 2003 على مرأى من العالم، حيث صوّرت وسائل الإعلام العالمية الدمار.[29]
في عام 2017، تم إنشاء جائزة رفعة الجادرجي لتكريم المهندسين المعماريين المحليين الذين يشاركون في إعادة بناء أجزاء مدمرة من العراق. تمنح الجائزة تحت مظلة جوائز تميز.[76][77][78]
في نفس العام، تبرع أيضًا بأرشيفه المعماري[79] وأرشيف الصور الفوتوغرافية لوالده كامل الجادرجي إلى مركز التوثيق التابع لمكتبات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.[80]
الحياة الشخصية
في عام 1954، تزوج من الناشطة الشيوعية بلقيس شرارة، وهي من مواليد مدينة النجف عام 1933، والحاصلة على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة بغداد عام 1956. ولم ينجبا أطفالًا لرفضهما فكرة إنجاب الأطفال وقال: «أنا وزوجتي قرّرنا ألا ننجب أطفالاً؛ لأن البشر يخرّبون الأرض».[81][82] وتحدث الجادرجي في حديث مع ريكاردو كرم عن إلحاده. بعد دراسة الفلسفة مع زوجته بلقيس شرارة، توصل إلى فهم أن «الأديان نشأت من السحر». قال إنه يحترم الأديان كافة مع ذلك، وطلب بعد وفاته ألا يصلى عليه، وأن يحرق جسده.[83]
^Alsammarae, R., "MEA sits down with Rifat Chadirji, the father of Iraqi architecture," Design Mena, [Middle Eastern Architectural Website], 14 November 2017, Online:نسخة محفوظة 2018-07-03 على موقع واي باك مشين.
^"The Kamil and Rifat Chadirji Photographic Archive comes to the Aga Khan Documentation Center," MIT Library,Online:نسخة محفوظة 2021-08-23 على موقع واي باك مشين.
^Pieri, C., " Modernity and its Posts in constructing an Arab capital: Baghdad’s Urban Space and Architecture, Context and Questions," Middle East Studies Association Bulletin, The Middle East Studies Association, 2009, Vol. 42, No. 1-2, pp 32-39
^Sennott, R.S. (ed), Encyclopedia of 20th-Century Architecture, Taylor & Francis, 2004, p. 435
^ مقتبس في كتاب "الحداثة ومشاركاتها في بناء عاصمة عربية: الفضاء والعمارة العمرانية لبغداد، السياق والأسئلة"، نشرة جمعية دراسات الشرق الأوسط "، The Middle East Studies Association of North, 2009, Vol. 42, No. 1–2, pp. 32–39, <halshs-00941172>
^Pieri, C., "Baghdad 1921–1958. Reflections on History as a ”strategy of vigilance”," Mona Deeb, World Congress for Middle-Eastern Studies, Jun 2005, Amman, Jordan, Al-Nashra, vol. 8, no 1-2, pp.69-93, 2006; Al-Khalil, S. and Makiya, K., The Monument: Art, Vulgarity, and Responsibility in Iraq, University of California Press, 1991, p. 80; Al-Khalil, S. and Makiya, K., The Monument: Art, Vulgarity, and Responsibility in Iraq, University of California Press, 1991, pp 80-81
^Bernhardsson, M.T., "Visions of the Past: Modernizing the Past in 1950s Baghdad," in Sandy Isenstadt and Kishwar Rizvi, Modernism and the Middle East: Architecture and Politics in the Twentieth Century," University of Washington Press, 2008, pp 91-92
^Elsheshtawy, T., Planning Middle Eastern Cities: An Urban Kaleidoscope,Routledge, 2004, p. 72
^Al-Khalil, S. and Makiya, K., The Monument: Art, Vulgarity, and Responsibility in Iraq, University of California Press, 1991, p. 95; It may be worth noting that one of the authors of this work, K. Makiya was the son of prominent Iraqi architect, Mohammed Makiya, of whom Chadirji had been highly critical.
^ ابKing, E.A. and Levin, G., Ethics and the Visual Arts, Skyhorse Publishing, 2010, p. 105
^Younis, A., "Monuments (by) Architects (for) Governments," Di'van, December 2016, pp 78-87; "Before Monument to the Unknown Soldier (1980-) there was the Unknown Soldier Monument (1961-1982)," Isqeena Magazine, 25 August 2013, Online:نسخة محفوظة 2020-04-11 على موقع واي باك مشين.
^ ابBernhardsson, M.T., "Visions of the Past: Modernizing the Past in 1950s Baghdad," in Sandy Isenstadt and Kishwar Rizvi, Modernism and the Middle East: Architecture and Politics in the Twentieth Century," University of Washington Press, 2008, p.92
^ ابAlsammarae, R., "MEA sits down with Rifat Chadirji, the father of Iraqi architecture," Design Mena, [Middle Eastern Architectural Website], 14 November 2017, Online:نسخة محفوظة 2018-07-03 على موقع واي باك مشين.
^Elsheshtawy, T., Planning Middle Eastern Cities: An Urban Kaleidoscope,Routledge, 2004, p. 72; Davis, E., Memories of State: Politics, History, and Collective Identity in Modern Iraq, p. 305
^Younis, A., "Monuments (by) Architects (for) Governments," Di'van, December 2016, p. 86
^Younis, A., "Unravelling Baghdad: آلاء يونس’ new installation Plan (fem.) for a Greater Baghdad at the Delfina Foundation," Ruya Foundation, March 2018 Online:؛ Younis, A., "Monuments (by) Architects (for) Governments," Di'van, December 2016, p. 86; "The Arab Center for Architecture (ACA): Interview with George Arbid," Middle East Digest, 29 September 2015 Online:نسخة محفوظة 2021-01-19 على موقع واي باك مشين.
^ ابAl-Khalil, S. and Makiya, K., The Monument: Art, Vulgarity, and Responsibility in Iraq, University of California Press, 1991, p. 95
^Chadirji, R., The Photographs of Kamil Chadirji: Social Life in the Middle East, 1920-1940, London, I.B. Tauris, 1995
^ ابElsheshtawy, Y. (ed.), Planning Middle Eastern Cities: An Urban Kaleidoscope, Routledge, 2004, p. 72
^Frampton, K. and Khan, H-U. (eds), World Architecture 1900-2000: The Middle East, Vol. 5, Armenian Research Center, 2000, [World Architecture Series], p. xxx
^Business Council of Iraq, "The Rifat Chadirji Prize, 2017: Rebuilding Iraq's Liberated Areas, Iraqi Business Council, 2017 Online:نسخة محفوظة 2018-06-28 على موقع واي باك مشين.
^The international who's who 1991-92, Europa Publications Limited, 1991, p. 277; The International Who's who 2000, 63rd edition, Europa Publications, 1999, p. 271