العلامة الشيخ محمد أمين سويد، العارف بالله، الفقيه، الأصولي، اللغوي، الرحالة، من كبار علماء دمشق (1855 - 1936).[1][2][3]
نسبه وأسرته
هو محمد أمين بن محمد بن علي سويد. وأسرة سويد هي أسرة دمشقية يرجع أصلها إلى العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كان يقول تلميذُ الشيخِ العلامةُ المفتي أبو اليسر عابدين : «الشيخ محمد أمين سويد من ذرية سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه.»
سيرته
مولده ونشأته
ولد الشيخ محمد أمين بدمشق سنة 1273هجري/1855ميلادي. توفي أبوه محمد عام 1870 وكان في تجارة له إلى الحجاز ودُفِن في جدة بمنطقة يقال لها بندر جدة. فكفله عمه عبد القادر مع إخوته وكان عمره آنذاك خمس عشر سنة. لم يرغب الشاب محمد أمين أن يسلك سبيل والده في التجارة فأذن له عمه بالتفرغ لطلب العلم، فأخذ العلم من علماء الشام، ثم ارتحل إلى الأزهر وأقام هناك خمسة أعوام، ثم عاد إلى دمشق.
ارتحل بعد ذلك إلى بغداد وأخذ العلم عن علماء بغداد، ثم عاد إلى دمشق.
وصفت مصادر الترجمة الشيخ محمد أمين بالأوصاف الآتية: الإمام، المُعَمَّر، العارف، الصوفي، التقي، الأستاذ، العالم، العلامة الكبير، النحرير، الجهبذ، النفاعة، الأصولي الكبير، المتضلع، المتفنن، المشارك، المحقق، الفقيه، شيخ الشيوخ، الرحالة الشهير.
وقال محمد جميل الشطي في مقالته بجريدة (ألف باء): عُنِيَ من العلوم بأصول الفقه، والتصوف، والبلاغة، واشتهر بها، وأقرأ الطلبة في فنون شتى، وانتفعوا به طبقة بعد أخرى، وكان أكثر دروسه خاصة.
وقال الحصني في (منتخبات التواريخ): تفرد في علم البحث والمناظرة والأصول في هذا العصر، فاق على أقرانه بكثير من العلوم والفنون، وله باع طويل في علم التصوف والفرائض والتوحيد.
وقال الحِبشي في (الدليل المشير): ولشيخنا المترجَم قدخٌ راسخ في العلوم الشرعية والعقلية فقها وأصولا وتفسيرا وعربية ومنطقا وغير ذلك.. يستصحب في نزهاته بعض الكتب لئلا يمضي عليه وقت إلا وهو في تعليم أو مطالعة أو عبادة.. وكان جلدا على التعليم، قويا في المناظرة والجدل.
وقال العلامة السيد محمد مكي الكتّاني : دخل الشيخ أمين إلى الدنيا وخرج منها وضحك من أهلها، لم يتركهم أن يعرفوا قدره.
ومن الكتب التي درّسها الشيخُ : جمع الجوامع، حاشية العطار على المحلي، متن البيضاوي (لب الأصول)، الفتوحات المكية لابن عربي، حكم ابن عطاء الله السكندري، إحياء علوم الدين للغزالي، الكشّاف للزمخشري، حقائق التنزيل للبيضاوي، وغيرها.
أعماله ووظائفُه
درّس مختلف العلوم الشرعية في جامع الدرويشية وجامع السنانية. وحاز لذلك الوسام العثماني المجيدي ورتبة (إزميربايه). كما درّس في دار الحديث الأشرفية، وأدار المدرسة التجارية بدمشق مدة من الزمن.
وفي 1919 أصدر حاكم سورية العسكري (علي رضا الركابي) قرارًا بتسمية ديوان المعارف بالمجمع العلمي العربي وعهد برئاسته إلى الأستاذ محمد كرد علي وكان من أول من سُمِّيَ من أعضائه الشيخ محمد أمين سويد. وكان هذا المجمع نواةَ مجمع اللغة العربية والذي ما يزال قائما.
ونظرًا للاضطرابات التي كانت تمر بها دمشق انتقل الشيخ إلى لبنان فالأردن وأخيرا إلى القدس في فلسطين حيث مكث هناك ثلاثة أعوام مدرّسًا في الكلية العربية المعروفة بدار المعلمين.
في عام 1928، دعا الشيخُ محمد علي رضا زينل الشيخَ محمد أمين للتدريس في مدارس الفلاح بمكة المكرمة، فمكث بمكة سنة كاملة ثم عاد إلى دمشق عام 1929. ولم يستفد منه أهل دمشق في هذه الفترة مما دفع الشيخ محمد أمين لتلبية طلب محمد علي رضا زينل في عام 1930 للسفر إلى بومباي في الهند والإشراف على افتتاح فرع مدارس الفلاح هناك.
خصاله
وهب اللهُ سبحانه وتعالى الشيخ محمد أمين ذكاءً حادًّا، كما وهب أئمة التصوف من قبله كأبي حامد الغزالي والفخر الرازي. فأول ما أداه إليه ذكاؤه أنه حُبِّبَ إليه الخلوة والتفكير، وكان يتحنّث كثيرا في مقام الأربعين بجبل قاسيون.
وكان قليل الكلام، إذا تكلم تكلم عن علم، وإذا حدّث خرجت من فيه الحكمةُ سائغةً، وكان يستميلُ بتواضعِه قلوبَ سامعيه.
قال عنه الشطي: «على حاله من الصمت والسكون، ملازما خويصة نفسه، لا يدخل فيما لا يعنيه، حسن السيرة، لم يعرف له زلة، كاملٌ في ذاته وصفاته، بارك الله فيه.»
وكان قوي الحجة، حاضر البرهان، مُفحِما لخصومه، كثير المعاينة للأدلة المنطقية، وقد بُلِي بعدة من المناظرات، خرج من جميعها فائزًا.
رحلته
قال عنه قرينهُ العلاّمة محمد بن جعفر الكتاني إنه (ابن بطوطة زمانه). فقد رحل إلى مصر والعراق والحجاز والسواحل المشهورة، وإلى الهند. كان دافعُه لذلك التعلم والتعليم، والاطلاع، والتنزه، والاجتماع بالرجال.
وأُثِر عنه التمثل بهذه الأبيات:
نقّل ركابك في الفلا
ودع الغواني والقصور
لولا التنقل ما ارتقى
دُرُّ البحورِ إلى النحور
ما الماكثون بأرضهم
إلا كسُكّان القبور
وفاته
ضعف بصرُ الشيخ في آخر حياته، واستمر بالتدريس إلى قبل وفاته بثلاثة أيام.
وافته المنية في يوم الأربعاء في 20 شعبان سنة 1355هجري، الموافق ل 4 نوفمبر سنة 1936 ميلادية.
شُيّعت جنازته في موكب حافل جدا، وصُلّي عليه في الجامع الأموي بدمشق، ودفن في مقبرة باب الصغير بدمشق.
كُتب على شاهدة قبره - بناءً على وصيته - ما يلي:
هو الحي الباقي. اللهم إذا جمعت الأولين والآخرين في صعيد، فاغفر لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، خصوصا أخطأهم وأذنبهم عبيدك هذا أمين ابن زينب بنت السيد أحمد العش، فافعل به ما أنت له أهل، ولا تفعل به ما هو له أهل، إنك غفور حليم جواد كريم رؤوف رحيم.
وكُتِبَ على الجانب الآخر:
أُذُنَ حَيّ تسمعي
اسمعي ثم عي وعي
أنا رهين بمضجعي
فاحذري مثل مصرعي
عشت ثمانين حجة
في ديار التزعزع
ليس زادٌ سوى التقى
فخذي منه أو دعي
ودُفن في القبر نفسه بعد ذلك ولدا الشيخ: محمد رشدي (1895-1969) وهو أبو الشيخ الدكتور المُقْرِئ أيمن سويد، ومحمد ياسين (1911-1995).
تسهيل الحصول على قواعد الأصول. وهو كتاب في أصول الفقه والتوحيد والتصوف. انتهى من تأليفه سنة 1322 هجرية، وعمره آنذاك خمسون سنة. وصفه تلميذه الحبشي بالقول: «.. تأليف حافل.. لخصه من كتب الأصول للشافعية والحنفية، ومزج بينهما في عبارات سهلة وأمثلة كثيرة، ويقول: إنه قد صرف عمره في هذا التأليف». طُبع الكتاب سنة 1994 بتحقيق الدكتور مصطفى الخنّ.