قيس بن عاصم بن سنان المنقري التميمي صحابي جليل ومن سادات العرب وأشرافهم، وهو الذي قدم على رسول الله سنة 9 هـ في وفد بني تميم فأكرمه وقال له: «هذا سيد أهل الوبر».[8] وهو شاعرٌ فارسٌ شجاعٌ حليمٌ كثير الغارات، مظفرٌ في غزاوته، أدرك الجاهلية والإسلام فساد فيهما وأسلم وحسن إسلامه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه في حياته، وعمر بعده زماناً وروى عنه عدة أحاديث. قال ابن حجر العسقلاني في كتابه تهذيب التهذيب نزل قيس البصرةَ وبنى بها داراً وبها مات،[9] وذكره خليفة بن خياط البصريومحمد بن سعد البغدادي في مَن نزلَ البصرةَ،[10] وقال عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الفريح في بحثه المنشور سنة 1433 هـ "وكانت له دار بالبصرة لم يكن مستقرًا فيها،[6] وسكناه في منازل قومه في اليمامةوشرق الجزيرة العربية".[6][10]
نسبه
هو قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر[11] وبنو منقر بطن كبير من بني سعد أحد البطون الأربعة الكبار لبنو تميم وهم سكان حوطة سدير في نجد (الواقعة في السعودية الآن).[12]
يكنى: أبا علي، وقيل: أبو طلحة، وقيل: أبو قبيصة. والأول أشهر.
وأمه هي أم أصعر بنت خليفة بن جرول بن منقر بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر
قاد قيس بن عاصم المنقري بنو تميموالرباب في يوم الكلاب الثاني[ملاحظة 1] ضد قبائل مذحج [2] وانتهت بانتصار بنو تميم. شارك قيس في يوم جدود عندما أغار الحوفزان - الحارث بن شريك- على بنو سعد بن زيد مناة فأخذ نعمًا كثيرًا وسبى فيهن الزرقاء من بني ربيع فأتى الصريخ إلى بنو سعد، ركب قيس بن عاصم في إثر القوم حتى أدركهم بالأشيمين وتقابل مع الحارث فقال قيس له: يا أبا حمار، أنا خير لك من الفلاة والعطش، قال له الحارث: ما شاءت الزبد. فلما رأى قيس أن فرسه لا تلحقه نادى الزرقاء من بني ربيع بن الحارث، فقال: ميلي به يا جعار، فلما سمعه الحارث دفعها بمرفقه وجز قرونها بسيفه، فلما ألقاها عن عجز فرسه وخاف قيس ألا يلحقه فعاجله بالرمح في وركه واستطاع استعادة الزرقاء إلى قومها.[2] وقد حدث يوم جدود -الحوفزان - في موضع كثير الماء يدعى القاعة من ديار بني سعد بن زيد مناة بن تميم وقد حدده المؤرخ حمد الجاسر جنوبي السفانية بالقرب من النعيريةبالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.[3]
كرمه:
تزوج قيس ابن عاصم المنقري منفوسة بنت زيد الفوارس الضبي، وأتته في الليلة الثانية من بنائه بها بطعام، فقال: فأين أكيلي؟ ! فلم تعلم ما يريد، فأنشأ يقول:[13]
أيا ابنة عبد الله وابنة مالك
ويا ابنة ذي البردين والفرس الورد
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له
أكيلاً فإني لست آكله وحدي
أخًا طارقًا أو جار بيت فإنني
أخاف مذ مات الأحاديث من بعدي
وكيف يسيغ المرء زادًا وجاره
خفيف المعا بادي الخصاصة والجهد
وللموت خير من زيارة باخلٍ
يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
وإني لعبد الضيف ما دام ثاوبًا
وما في إلاَّ تلك من شيم العبد
فقالت تجيبه:
أبى المرء قيس أن يذوق طعامه
بغير أكيل إنَّ ذا لكريم
فبوركت حيًا يا أخا الجود والندى
وبوركت ميتًا قد حوتك رجوم
كما افتخر قيس بنفسه وسداد عقله ورجاحه رأيه وشرف قومه وجمال صفاتهم وكرم ضيافتهم وحسن جوارهم قائلًا:
إني امرؤ لا يعتري خلقي
دَنَس يغيره ولا أفنُ
من منقرٍ من بيت مكرمة
والفرع ينبت فوقه الغصن
خطباء حين يقول قائلهم
بيض الوجوه مصاقع لُسنُ
لا يفطنون لعيب جارهم
وهم لحفظ جوارهم فُطنُ
تركه للخمر
وكان قيس بن عاصم قد حرم على نفسه الخمر في الجاهلية، وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة ابنته وهو سكران، وسب أبويها، ورأى القمر فتكلم بشيء، وأعطى الخمار كثيراً من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك، فحرمها على نفسه، وقال في ذلك:
رأيت الخمر صالحة وفيها
خصال تفسد الرجل الحليما
فلا والله أشربها صحيحاً
ولا أشفي بها أبداً سقيما
ولا أعطي بها ثمناً حياتي
ولا أدعو لها أبداً نديماً
فإن الخمر تفضح شاربيهـا
وتجنيهم بها الأمر العظيما
وأد البنات
يرى كثيرون أن أول من وأد البنات من العرب هو قيس بن عاصم المنقري التميمي، لأنه خشي أن يخلف على بناته من هو غير كف لهن. وكان قد وأد ثماني بنات.[6]
قال القلقشندي: «إن العرب كانت تئد البنات خشية العار وممن فعل ذلك قيس بن عاصم المنقري وكان من وجوه قومه، ومن ذوي المال. وسبب قتله لبناته أن النعمان بن المنذر غزا بني تميم بجيش فقام الجيش فسبوا ذراريهم. فأنابه القوم وسألوه أن يحرر أسراهم فخيَّرَ النعمان النساء الأسيرات فمنهن من اختارت أبوها فردَّها لأبيها ومن اختارت زوجها ردَّها لزوجها فاخترن آباءهن وأزواجهن. إلا امرأة قيس بن عاصم فاختارت الذي أسرها فأقسم قيس بن عاصم أنه لا يولد له ابنة إلا قتلها فكان يقتلهن».[7]
وجاء قيس بن عاصم إلى النبي محمد فقال: «يا رسول الله إني قد وأدت بنات لي في الجاهلية» فقال له: «أعتق عن كل واحدة منهن رقبة»، فقال: «يا رسول الله إني صاحب إبل» قال: «فانحر عن كل واحدة منهن بدنة».[8][9]
وفيها نزلت آية في القرآن هي: { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}.[ملاحظة 2]
حلمه
قيل للأحنف: ممَّن تعلمتَ الحِلم؟ قال: مِن قيس بن عاصم المنقري، رأيتُه قاعدًا بفناء داره، محتبيًا بحمائل سيفِه، يُحدِّث قومه، حتى أُتي برجل مكتوف، ورجل مقتول، فقيل له: هذا ابنُ أخيك قَتَل ابنَك، فوالله ما حلَّ حُبوتَه، ولا قطع كلامه، ثم التفتَ إلى ابن أخيه، وقال: يا ابنَ أخي، أسأتَ إلى رَحِمك، ورميتَ نفسك بسهمك، وقتلت ابن عمِّك، ثم قال لابنٍ له آخر: قُمْ يا بني، فحلَّ كتاف ابن عمِّك، ووارِ أخاك، وسُقْ إلى أمِّه مائةَ ناقة دية ابنها، فإنها غريبة، ثم أنشأ يقول:
إِنِّي امْرُؤٌ لاَ يَطَّبَى حَسَبِي
دَنَسٌ يُهَجِّنُهُ وَلاَ أَفْنُ
مِنْ مِنْقَرٍ فِي بَيْتِ مَكْرُمَةٍ
وَالْغُصْنُ يَنْبُتُ حَوْلَهُ الْغُصْنُ
خُطَبَاءُ حِينَ يَقُولُ قَائِلُهُمْ
بِيضُ الْوُجُوهِ مَصَاقِعٌ لُسْنُ
لاَ يَفْطِنُونُ لِعَيْبِ جَارِهُمُ
وَهُمُ لِحِفْظِ جِوَارِهِ فُطْنُ
إسلامه
أنبأنا إبراهيم بن محمد وغير واحد بإسنادهم عن محمد بن عيسى قال: حدثنا بندار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن قيس بن عاصم: أنه أسلم، فأمره النبي أن يغتسل بماء وسدر.
وفاته
قال ابن جحر العسقلاني في كتابه تهذيب التهذيب عن قيس بن عاصم التميمي "نزل قيس البصرة وبنى بها داراً وبها مات عن اثنين وثلاثين ذكراً من أولاده.[1]
قال الحسن البصري: لما حضرت قيس بن عاصم الوفاة، دعا بنيه فقال: يا بني، احفظوا عني، فلا أحد أنصح لكم مني، إذا أنا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم، فتسفه الناس كباركم، وتهونوا عليهم. وعليكم بإصلاح المال، فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم ومسألة الناس، فإنها آخر كسب المرء، ولا تقيموا علي نائحة، فإني سمعت رسول الله نهى عن النائحة.
روى عنه الحسن، والأحنف، وخليفة بن حصين. وابنه حكيم بن قيس.
أنبأنا يحيى بن محمود إذناً بإسناده غلا ابن أبي عاصم: حدثنا هدية بن عبد الوهّاب أبو صالح المروزي، عن النضر بن شميل، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن مطرف بن الشجر، عن حكيم بن قيس بن عاصم، عن أبيه: أنه أوصى عند موته فقال: إذا مت فلا تنوحوا عليّ، فإن رسول الله لم ينح عليه. خلف من الولد اثنين وثلاثين ذكراً.
وروى الأشهب عن الحسن، عن قيس بن عاصم المنقري: أنه قدم على النبي فقال: «هذا سيد أهل الوبر»، فسلمت عليه وقلت: يا رسول الله، المال الذي لا تبعة علي فيه? قال: «نعم، المال الأربعون، وإن كثر فستون، ويل لأصحاب المئين إلا من أدى حق الله في رسلها ونجدتها، وأطرق فحلها، وأفقر ظهرها، ومنح غزيرتها، ونحر سمينتها، وأطعم القانع والمعتر» فقلت: يا رسول الله، ما أكرم هذه الأخلاق وأحسنها? قال: «يا قيس، أمالك أحب إليك أم مال مواليك»? قال قلت: بل مالي! قال: «فإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو أعطيت فأمضيت، وما بقي فلورثتك». قال قلت: يا رسول الله، لئن بقيت لأدعن عددها قليلاً- قال الحسن: ففعل. أخرجه الثلاثة.
و قد قال فيه عبدة بن الطبيب قصيدة في رثاءه منها هذا البيت :
وما كان قيسٌ هلكهُ هلكُ واحدٍ * ولكنهُ بنيانُ قومٍ تهدما [22]
^ ابجأحمد بن محمد بن إبراهيم اليحيى. شعر بني سعد بن زيد مناة بن تميم من العصر الجاهلي حتى منتصف القرن الثاني. المملكة العربية السعودية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية اللغة العربية - قسم الأدب - بحث دكتوراة. ص. 11.
^ ابالمعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، المنطقة الشرقية. ج. 4. ص. 1390.
^ ابعبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الفريح (1433 هـ). "قيس بن عاصم المنقري وحديثه". السعودية: مجلة الدارة السنة الثامنة والثلاثون: 64. مؤرشف من الأصل في 2023-09-02. {{استشهاد بدورية محكمة}}: الاستشهاد بدورية محكمة يطلب |دورية محكمة= (مساعدة) وتحقق من التاريخ في: |تاريخ= (مساعدة)
^أبو نعيم الأصبهاني (1998). معرفة الصحابة (ط. الأولى). دار الوطن. ج. الرابع. ص. 2302.
^عبدالله بن عبدالرحمن بن صالح آل بسام (1419 هـ). علماء نجد خلال ثمانية قرون(PDF) (ط. الثانية -). دار العاصمة - المملكة العربية السعودية. ج. الأول. ص. 517. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
^أسلم قيس بن عاصم في السنة 9 هـ عندما كان النبي محمد في المدينة النبوية، بينما نزلت سورة التكوير في مكة - التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور، ج: 30: ص: 139