محمّد عطا الأيوبي (1874-1950)، زعيم وطني سوري وأحد وجهاء مدينة دمشق، تولى رئاسة الحكومة السورية مرتين، الأولى عام 1936 والثانية عام 1943، كما نُصِّب رئيساً للدولة بالوكالة بموجب أحكام الدستور، بعد وفاة رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني. وقد كانت كلا حكومتيه حكومات مؤقتة شكلها من حياديين واجبها الأساسي الإشراف على الانتخابات النيابية، وأفضت في كلا المرتين إلى فوز الكتلة الوطنية بأغلبية مقاعد البرلمان، وأوصلت هاشم الأتاسي في المرة الأولى وشكري القوتلي في المرة الثانية إلى رئاسة الجمهورية. نشط الأيوبي أيضًا في مناصب وزارية عديدة خلال أواخر الدولة العثمانية ثم الانتداب الفرنسي على سورية، وعرفت عنه الوسطية والحياد، بحيث كان له علاقات جيدة مع الوطنيين والمعتدلين والفرنسيين في وقت واحد.
ولكن هذه الحكومة المؤقتة سقطت سريعاً بعد دخول قوات الحلفاء إلى مدينة دمشق في 3 تشرين الأول 1918 وتم استبدالها بحكومة وطنية ترأسها الفريق رضا باشا الركابي، الذي قام بتعين عطالأيوبي فيها وزيراً للعدل. حافظ الأيوبي على منصبه طوال فترة الحكم الهاشمية في سورية، وقد بايع الأمير فيصل بن الحسين ملكاً وعربياً على البلاد وكان شاهداً على حفل تتويجه في مبنى البلدية بدمشق يوم 8 أذار 1920. وفي ذلك الصيف، حدثت مواجهة عسكرية بين الجيش السوريوفرنسا في معركة ميسلون، أدت إلى سقوط سورية تحت الإحتلال الفرنسي، تنفيذاً لإتفاقية سايكس بيكو الموقعة بين فرنساوبريطانيا سنة 1916. خلع الملك فيصل الأول عن عرش سورية ولكنه وقبل مغادرته دمشق، كلّف علاء الدين الدروبي بتشكيل حكومة جديدة، الذي قام بدوره بتعين عطا الأيوبي وزيراً للداخلية، خلفاً للوزير رضا الصلح (والد رئيس وزراء لبنانرياض الصلح).
عاد الأيوبي إلى دمشق وكُلّف مجدداً بحقيبة العدلية في حكومة الرئيس جميل الأُلشي التي شُكلت يوم 6 أيلول 1920. وكان من ضمن مهامه ملاحقة الجناة في خربة غزالة وسيقهم إلى حبل المشنقة. ولكن حكومة الأُلشي قدمت استقالتها احتجاجاً على تقسيم سورية إلى دويلات واعطاء أربعة أقضية إستراتيجية إلى دولة لبنان الكبير، هم حاضبيا وراشياوسهل البقاعوبعلبك. شُكلت بعدها حكومة مصغرة لدولة دمشق، برئاسة حاكم الدولة حقي العظم، الذي حافظ على عطا الأيوبي في حقيبة العدلية، حتى أن قدم الأخير استقالته احتجاجاً على سياسات فرنسا يوم 10 كانون الثاني 1921.
وعند دمج دولتي دمشقوحلب مع دولة جبل العلويين، فيما عُرف بالإتحاد السوري الفيدرالي، سُمّي عطا الأيوبي وزيراً للعدل مجدداً من قبل رئيس الدولة صبحي بركات، إضافة لتعينه عضواً في البرلمان الإتحادي المركزي، ممثلاً عن دمشق مع كلّ من فارس الخوريومحمّد علي العابد. استطاع الأيوبي من سن عدد من القوانين الهامة، بما فيها تعوبض غلاء المعيشة ودفع رواتب شهرية للسجناء المتعلمين في حال قيامتهم بتعليم سجين أمي.[3] حافظ الأيوبي على منصبه في دولة الاتحاد من 28 حزيران 1922 وحتى 31 آب 1925، عندما سقط حكومة الرئيس بركات بعد أسابيع قليلة من إندلاع الثورة السورية الكبرى في جبل الدروز، بقيادة سلطان باشا الأطرش. وقد عاد إلى الحكم وزيراً للعدلية مرة أخيرة في أذار عام 1934، في حكومة الرئيس تاج الدين الحسني التي شُكلت بعد إنتهاء الثورة ووصول محمّد على العابد إلى سدة رئاسة الجمهورية في سورية، وبقي وزيراً حتى 24 شباط 1936.
رئيساً للحكومة عام 1936
رفض عطا الأيوبي الإنتساب إلى أي حزب سياسي طوال حياته ولكنه كان مقرباً من الكتلة الوطنية التي ولدت عام 1927 ومن رئيسها هاشم الأتاسي، وهو صديق قديم للأيوبي منذ أيام الدراسة في اسطنبول.[4] وقاد ساهم الأيوبي مع زعماء الكتلة الوطنية بتأسيس معمل الأسمنت في منطقة دمر، الذي خصص جزء من عائداته لتمويل الحركة الوطنية، وإنتخب عضواً في مجلس إدارته.[5] وفي عام 1936، حصل صدام بين زعماء الكتلة الوطنية والحكومة الفرنسية، على أثر اعتقال سلطة الإنتداب لنائب دمشق وزعيمها فخري البارودي. أطلقت الكتلة ما عرف يومها بالإضراب الستيني، والذي أدى إلى سقوط حكومة الشيخ تاج الدين الحسني المحسوبة على فرنسا. وافقت حكومة الإنتداب على وقف الإعتقالات وفتح أبواب السجون مع إفساح المجال للتفاوض، عارضة على قادة الكتلة الوطنية تسمية شخصية سياسية مستقلة لرئاسة الحكومة، يرضى عنها الشارع السوري، فوقع الخيار على عطا الأيوبي.
شُكلت حكومة عطا الأيوبي الأولى في 24 شباط 1936، وتسلّم فيها الرئيس مهام وزارة الداخلية. وقد أوكل إلى المحامي الشهير والوسطي سعيد الغزي بحقيبة العدلية، وجاء بالمصرفي الكبير أدمون حمصي من حلب وزيراً للمالية. أما حقيبة المعارف فقد ذهبت للأمير مصطفى الشهابي، أحد أدباء مجمع اللغة العربية، وعيّن أحد وجهاء مدينة أنطاكيا السورية مصطفى القصيري وزيراً للإقتصاد. توجه الرئيس عطا الأيوبي إلى بيروت لمفاوضة المندوب السامي الفرنسي هنري دي مارتل، وتمكّن من الوصول إلى تسوية سياسية، تؤدي إلى إنهاء الإضراب مقابل دعوة وفد رفيع من الكتلة الوطنية إلى فرنسا للتفاوض على مستقبل البلاد. نَزل عطا الأيوبي إلى سوق الحميدية برفقة هاشم الأتاسي وقاما بقطع الشريط الأحمر الذي وضع على مدخله، معلنين عودة الحياة الإقتصادية إلى مدينة دمشق وإنهاء الإضراب الستيني.[6] وقد قلّد المفوض السامي عطا الأيوبي وسام الشرف الفرنسي، اعترافاً بدوره في نزع فتيل الأزمة مع سورية التي أضرت كثيراً بسمعة فرنسا في المحافل الدولية.[7] وعند توجه وفد الكتلة الوطنية إلى باريس، برئاسة هاشم الأتاسي، أُرفق وزيران من حكومة الأيوبي إليه، هما ادمون حمصي والأمير مصطفى الشهابي. عادوا إلى سورية في أيلول 1936 ومعهم اتفاقية موقعة مع حكومة الرئيس ليون بلوم، تَعد السوريين بمنحكم الاستقلال التام والتدريجي خلال مدة خمسة وعشرون سنة. على الفور استقال رئيس الجمهورية محمد على العابد من منصبه، فاتحاً المجال أمام إجراء إنتخابات برلمانية ورئاسية مُبكرة، وتبعه في ذلك الرئيس عطا الأيوبي يوم 21 كانون الأول 1936.
وفي عام 1941 كُلّف الشيخ تاج الدين الحسني المحسوب على الفرنسيين برئاسة الجمهورية السورية، ولكنه توفي وهو في سدة الحكم وتسلّم رئاسة الدولة بالوكالة رئيس الحكومة جميل الأُلشي. واجه الأُلشي احتجاجات شعبية عارمة قادتها الكتلة الوطنية ضد ارتفاع سعر الخبز لتمويل المجهود الحربي الفرنسي في الحرب العالمية الثانية. كانت مدينة دمشق تستهلك 117 طن من الطحين شهرياً وعجز الأُلشي في تأمين حاجة الناس فتم الإستغناء عنه وتكليف عطا الأيوبي بتشكيل حكومة إنتقالية يوم 25 أذار 1943، هدفها إنهاء أزمة الخبز والتحضير لإنتخابات برلمانية ورئاسية في صيف العام 1943. تولى الرئيس الأيوبي حقائب الداخلية والدفاع، إضافة لرئاسة الحكومة، وعيّن المحامي نعيم أنطاكي من زعماء الكتلة الوطنية في حلب وزيراً للخارجية. وجاء بأحد زعماء الكتلة في حمص فيضي الأتاسي وزيراً للعدل والمعارف، وبصديقه القديم الأمير مصطفى الشهابي وزيراً للمالية والإعاشة. قام الأيوبي بمعالجة أزمة الخبز بالتعاون مع سلطان باشا الأطرش، الذي أرسل محصول جبل الدروز إلى دمشق بسعر منخفض وبالتقصيت المريح، تلبية لطلب رئيس الحكومة.[8]
وفي اجتماعة مع رجال الصحافة، خطب الرئيس الأيوبي معرفاً عن عهده بالقول: «إني أحب النزاهة وأتمنى أن أكون نزيهاً، ولكنني شديد التعصب لحيادي ولا أستند إلى حزب معين بل إلى جميع الأحزاب، وأتمنى أن تكون جميع الأحزاب متفقة على خدمة المصلحة العامة، فالأشخاص زائلون والحكومة ثابتة، وعلينا أن تعمل لنكوّن للحكومة قوتها.» [9]
رفضه الرئاسة مرة ثانية عام 1943
وخلال التحضير للانتخابات الرئاسية عام 1943، حاول خالد الأيوبي نجل عطا الأيوبي جمع أصوات عدد من النواب لترشيح والده للرئاسة الأولى، بدلاً من مرشح الكتلة الوطنيةشكري القوتلي. نجح خالد الأيوبي بجمع 72 توقيع لصالح والده فوصل الأمر لمسامع شكري القوتلي الذي اتصل بعطا الأيوبي معاتباً، عارضاً سحب ترشيحه في حال كان الأيوبي راغباً بالرئاسة الأولى. اعتذر الأيوبي عن تصرف ابنه، الذي لم يكن له أي علم به، وعاتبه بالقول: «إن مصلحة الوطن تقضي بأن يكون شكري القوتلي رئيساً للجمهورية وحده ودون غيره، وأنا لا يمكن أن أتقدم عليه.»[10]
الوفاة
توفي عطا الأيوبيبدمشق عن عمر ناهز 76 عاماً سنة 1950 وقد سُمّي شارع كبير على اسمه في وسط العاصمة السورية، حيث مكان قصره القديم والفاخر في منطقة الجسرالأبيض.
في وصف عطا الأيوبي
قال الصحفي السوري عبد الغني العطري، صاحب مجلة الدنيا عن عطا الأيوبي أنه: «جمّ الأدب، رفيع التهذيب، رقيق الحاشية، لا يثور ولا يغضب ولا يحقد على أحد، كثير الحياء والخجل، شديد الوفاء للصديق.»[11]
المراجع
^عبد الغني العطري (2000). حديث العبقريات، ص 86. دمشق: دار البشائر.
^يوسف الحكيم (1983). سورية والإنتداب الفرنسي، ص 35. بيروت: دار النهار.
^يوسف الحكيم (1983). سورية والإنتداب الفرنسي، ص 56. بيروت: دار النهار.
^بيتر شامبروك (1998). الإمبريالية الفرنسية في سورية، ص 196-197 (بالإنكليزية). لندن: دار اثاكا.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link)
^فيليب خوري (1987). سورية والإنتداب الفرنسي، ص 461 (بالإنكليزية). الولايات المتحدة: جامعة برينستون.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link)
^ ابسامي مروان مبيّض (1998). سياسة دمشق والإنتداب الفرنسي، ص 114 (بالإنكليزية). دمشق: دار طلاس.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link)
^بيتر شامبروك (1998). الإمبريالية الفرنسية في سورية، ص 228 (بالإنكليزية). لندن: دار اثاكا.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link)
^سامي مروان مبيّض (1998). سياسة دمشق والإنتداب الفرنسي، ص 171 (بالانكليزية). دمشق: دار طلاس.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link)