جاءت المعارضة من داخل الحزب الشيوعي الروماني لأول مرة من قسطنطين بورفوليسكو، عضو الحزب المخضرم الذي اتهم في عام 1979 خلال المؤتمر الثاني عشر للحزب الشيوعي الروماني تشاوشيسكو بوضع مصلحته الشخصية فوق مصالح الحزب. تم استبعاد بورفوليسكو من الحزب، ولكن في عام 1989، بالاشتراك مع خمسة من قدامى المحاربين الآخرين وقعوا خطاب الستة، وهو خطاب مفتوح كتبه سيلفيو بروكان والذي كان بمثابة انتقاد يساري لتشاوشيسكو.[1]
جاءت نهاية عصر الاحتجاجات والتعبير الحر داخل الثقافة المضادة في ديسمبر 1968 عندما تعرضت مجموعة من مئات الطلابالمتظاهرين للضرب من قبل الشرطة واعتقال قادتهم.[2] حذر تشاوشيسكو من أية مواقف فنية وسياسية ضد النظام في عام 1969 ، بينما في عام 1970 ، حظرت رسميا الأنشطة الثقافية المضادة، وفي عام 1971، مع أطروحات يوليو، بدأت -ثورة ثقافية مصغرة- تقمع وتزيح الثقافات المضادة بشكل صارم.[6]
بعد أن شعر بالإحباط والحزن من حظر كتاباته، فقد كتب خطابا استلهمه من الميثاق التشيكوسلوفاكي 77، وكانت عبارة عن رسالة دعم إلى بافيل كوهوت. باحثا عن بعض الأصدقاء المستعدين للتوقيع عليها، ثم دعا نيكولاي تشاوتشيسكو للتوقيع عليها.[9] وفي رسالة موجهة إلى تشاوشيسكو، أخبره أنه لا يمكنه العثور على أشخاص للتوقيع على الرسالة لأنهم يخافون من الشرطة السرية وأن الرومانيين الوحيدين اللذين لا يخافان من السيكيوريتات هما هو وتشاوشيسكو.[10]
على الرغم من ممارسات الشرطة السرية القمعية، حصلت رسالة غوما على أكثر من 200 توقيع (بما في ذلك دعم الطبيب النفسي إيون فيانو والناقد الأدبي إيون نيجويتشيسكو)، ولكن تشاوشيسكو قد شجبها، وهاجم الموقعين ووصفهم بـ«خونة البلاد».[11] فكتب رسالة أقسى إلى تشاوشيسكو، فتم استبعاد غوما من اتحاد الكتاب، واعتقل وهوجم في مجموعة متنوعة من المجلات المناوئة للنظام مثل Săptămâna و Luceafărul.[12] بعد مناشدة دولية، أطلق سراحه وفي نوفمبر 1977 ذهب إلى المنفى في فرنسا.[13]
بعد النفي، استمر غوما في انتقاد نظام تشوشيسكو من باريس، وفي عام 1982، أمرت السلطات الرومانية عميل سري روماني، ماتي بافيل هايدوكو، بقتل غوما، مع منشق آخر يدعى فيرجيل توناس عن طريق حقن سم من شأنه أن يسبب سكتة قلبية. ومع ذلك، رفض هايدوكو الأمر بالاغتيال ثم انشق ولجأ إلى السلطات الفرنسية.[13]
بعد بضعة أشهر فقط من الاحداث الملاحقة لغوما، وقع أول إضراب كبير ضد شركة رومانية تابعة للدولة. كان السبب المباشر للإضراب هو تشريع يوليو 1977 الجديد الذي ألغى معاشات العجز الجسدي لعمال المناجم ورفع سن التقاعد لعمال المناجم من 50 إلى 53.[14] قام تشاوشيسكو بتشكيل لجنة لمعالجة الأوضاع برئاسة رئيس الوزراء الروماني ايلي فيرديتش للذهاب إلى لوبيني والتفاوض مع عمال المناجم، لكن قبض علي اللجنة من قبل عمال المناجم، الذين طلبوا من تشاوشيسكو بالحضور.[15]
فذهب تشاوشيسكو إلى لوبيني في نفس اليوم وأمام الحشد الغاضب، أعلن انه سيقضي ست ساعات من هذا اليوم في تفقد جميع أنحاء جيو فالي، واعلن عن بناء مصانع من شأنها توفير فرص عمل لزوجات وبنات عمال المناجم وأن العمال لن يتم معاقبتهم علي ذلك الإضراب. بعد ذلك تفرقت الحشود واستمر عمال المناجم في العمل.[16]
لم يتم الوفاء بالوعود التي قطعها تشاوشيسكو، ففي الأشهر التالية، بدأت السيكيوريتات في تحقيقاتها عن الإضراب وبدأت بشن قمعها، حيث تم إرسال 4000 من عمال المناجم إلى مناطق تعدين أخرى وسجن آخرين.[16] ولم يتم الحفاظ على التنازلات التي أعلن عنها في يوم الست ساعات، وكان الوعد الوحيد الذي تم الوفاء به هو خلق فرص عمل لعائلات عمال المناجم.[17] خلال إضرابات عمال جيو فالي، كان هناك تعتيم إعلامي كامل من الاعلام الروماني علي الحدث.[17]
دعا بيانها إلى تقنين النقابات العمالية المستقلة وحرية تكوين الجمعيات. كما تم القبض على بعض أعضائها، بما في ذلك إيونيل كانو والخبير الاقتصادي جيورجي بروشوفينو، احتجت النقابة على القمع من خلال خطاب مفتوح. وحُكم على الرئيس التالي للنقابة بالسجن 18 شهرًا بتهمة «نقل أسرار الدولة إلى منظمة العفو الدولية».[18]
في سبتمبر1983 ، أضرب عمال المناجم من سبعة مناجم في ماراموريش احتجاجًا على تخفيض الأجور، وتم قمع الإضراب من قبل الأمن.[19] بدأت سلسلة من الإضرابات أخرى في مصانع الآلات الثقيلة ومصانع التبريد في كلوج نابوكا، وكذلك في مصنع الزجاج في توردا في نوفمبر 1984 بعد تخفيض حصص الخبز التموينية وتخفيض الأجور بسبب الفشل في الوصول لتوقعات الإنتاج المطلوبة. فكما حدث في جيو فالي، وعد الحزب بتلبية مطالب العمال وبدأت السيكيوريتات في التحقيقات والقمع ونقلت بعض العمال إلى مناطق أخرى. في 16 فبراير1987،[20] احتج حوالي ألف موظف في مصنع نيكولينا للمعدات المتحركة للسكة الحديد في ياش على تخفيض الأجور. فطردت السلطات 150 من المضربين من المصنع.[20]
في 15 نوفمبر 1987، اجتمع آلاف العمال من مصنع Steagul Roșu للذهاب الي التصويت في الانتخابات المحلية. وبدلاً من ذلك، ساروا نحو وسط المدينة - حيث كان يقع مقر الحزب المحلي - ، وهم يغنون أغنية «Deșteaptă-te، române!»، أغنية ثورة 1848 ثم هتفوا «تسقط الديكتاتورية!». وانضم إليهم عمال مصنع جرارات براشوف وبعض من السكان المتعاطفين في براشوف.[21]
كان ذلك بعد خمسة أيام من تنفيذ مرسوم بشأن الحد من التدفئة في المساكن الخاصة (جزء من سياسة التقشف في الثمانينيات في رومانيا) وبعد شهر ثانٍ مع تخفيضات في الأجور بسبب الإخفاق في تحقيق توقعات الإنتاج (وهو ما لا يمكن القيام به بسبب لشح الطلبات التجارية والزبائن)، مع نقص الغذاء.[21]
فر من كان في مقر الحزب عبر المدخل الخلفي بينما مزق الحشد لافتة المقر، وحطموا النوافذ، وشقوا طريقهم إلى الداخل عن طريق كسر البوابات الخشبية وإلقاء الملصقات والملفات والمعدات في الشارع وتدميرها.[22] وقد أضرمت هذه النيران ونهب مماثل لمبنى مجلس البلدية على الجانب الآخر من الطريق.[23]
وسرعان ما حضرت عربات للشرطة والجيش تحمل جنوداً مسلحين، فحاول المتظاهرون الفرار. وتعرض بعضهم للضرب والاعتقال، فيما اعتُقل آخرون من منزلهم في منتصف الليل.[23] وفي الأيام التالية، تم سداد جميع الديون المستحقة للعمال وخزنت المحال التجارية بضائعها.[21]
التزمت وسائل الإعلام الحكومية الصمت بشأن الاحتجاجات لأسابيع ولم تعترف إلا بالاضطرابات التي حدثت في 2 ديسمبر، عندما أعلن راديو بوخارست أن ممثلي العمال قرروا إقالة الإدارة التي خفضت بشكل غير قانوني أجور العمال. كما أشارت إلى أن العمال «الذين ينخرطون في أعمال شاذة عن مجتمعنا» سيتم نقلهم أو معاقبتهم وفقًا للقانون.[24]
تم تكليف دوميترو مازيلو، وهو مسؤول روماني، من قبل لجنة الأمم المتحدة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات في عام 1985 لكتابة تقرير عن حقوق الإنسان في رومانيا. وكان من المقرر أن يقدمها في جنيف في يونيو1987 ، لكن السلطات الرومانية منعته. كان التفسير الرسمي لعدم حضوره هو أنه أصيب بنوبة قلبية، لكن مازيلو أرسل في نهاية المطاف في عام 1988 رسالة إلى رئيس اللجنة الفرعية للأمم المتحدة تحدث فيها عن الإجراءات القمعية المتخذة ضده بعد أن رفض التخلي عن العمل في هذا المشروع، بما في ذلك المراقبة والتخويف.[29]