في هذه المقالة سنتحدث عن السخرية في شعرأحمد مطر مستعينين بكتاب الأعمال الكاملة الخاص به.
في البداية سنذكر نبذة عن حياته، سنتحدث عن بدايته الجريئة التي كانت السبب في تركه موطنه وهربه إلى الكويت.
ثم عمله بجريدة القبس الكويتية ولقائه بناجي العلي الذي أصبح صديقه ورفيق دربه فيما بعد.
وبفضل جرأتهما اللاذعة التي ضاقت السلطات الكويتية بها، اضطر الرحيل إلى لندن، وهناك تم اغتيال ناجي العلي، تاركا أحمد مطر ليكمل طريقه وحيدا.
ونختتم النبذة بنصائح يقدمها للقراء والسلطات الحاكمة والشعراءالعرب وأخيرا الاعلام العربي.
بعد ذلك نذكر أهم أعماله من دواوين شعرية ومقالات.
وندخل في صلب الموضوع عندما نذكر المعنى اللغوى والاصطلاحى لمفهوم كلمة السخرية،
ونورد ذكر الأسباب التي تجعل البعض يستخدمون السخرية،
ثم نذكر أهم المميزات التي تميز شعرأحمد مطر،
وفي نهاية المقال نخص بالذكر بعض الأمثلة الموضحة للسخرية في شعره.
نبذة عن أحمد مطر
أحمد مطر هو شاعر ومناضل عراقي ولد 1950م في قرية التنومةبالبصرة في العراق، انتقلت أسرته إلي محلة الأصمعي وهي إحدي محلات البصرة، وبالأصمعى أكمل أحمد دراسته الابتدائية في مدرسة العدنانية، ثم دفعه الفقر للانتقال إلي بغداد، وبالتحديد إلي منطقة الزعفرانية ليعيش في كنف أخيه الأكبر (علي)، وهناك دخل المدرسة المتوسطة وفي هذه المرحلة بدأت تظهر علية آيات النبوغ والذكاء.[1][2]
أول قصيدة كتبها وهو في الصف الثالث من هذه المرحلة المتوسطة، أي في سن الرابعة عشر، وكانت تتألف من سبعة عشر بيتا، ولم تخرج تلك القصيدة عن نطاق الغزل والهيام بحكم مرحلته العمرية، وكان مطلع القصيدة:
مرقت كالسهم لا تلوي خطاها
ليت شعري ما الذي اليوم دهاها
وإذا نظرنا إلي القصيدة نجد سبكا أكبر من سنه، فحينما عرضت تلك القصيدة في حينها علي أحد المختصين فلم يصدق أنها لطالب ما زال في المرحلة المتوسطة، ثم أخذ أحمد مطر يكتب القصائد في ذكري المواليد مولد الرسول الكريم (صلي الله عليه وسلم) وعلي (ع)، ومما كتبه بهذا الخصوص وهو في المرحلة المتوسطة، قصيدة مطلعها:
راحت تحاورني وتسكب همسها
نغما رقيقا يستفيق علي الفم
وجاء فيها قوله:
ومشاعر تكبو تخط سماحة
فتقول رائعة فضربة لهذم
ونظرا للأحداث السياسية التي كانت تمر بها البلاد وقتها، دخل الشاعر المعترك السياسي مرغما، وفي هذا الصدد يقول الشاعر: «ألقيت بنفسي مبكرا في دائرة النار، عندما تكشفت لي خفايا الصراع بين السلطة والشعب، ولم تطاوعني نفسي علي الصمت أولا، وعلي ارتداء ثياب العرس في المأتم ثانيا، فجذبت عنان جوادي ناحية ميدان الغضب»
فذاع صيته بين الناس مما جلب له بعد ذلك الألم والسجن، وفي هذه الفترة رزيء بفقد شقيقه الأصغر (زكي) بحادث سيارة مفتعل، وسرعان ما تبعه شقيقه الآخر (خالد) الذي كان منظره وهو متدل من حبل المشنقة لا يفارق أمه الثكلي التي ابيضت عيناها من الحزن علي أولادها، ولولا مشاركة الأب الذي كان هيكلا عظميا مسجي علي فراش المرض لها وتقاسمه العذاب معها لما استطاعت احتمال فقد أولادها.كل ذلك اضطره إلي اللجوء إلي الكويت.[2][3] وأوجز الشاعر أحمد مطر أسباب رحيله عن الوطن بقوله:
أصبح أحمد مطر بعد هجرته من العراق أحد شعراء المهجر، الذين تركوا الوطن دفاعا عن الوطن، ورضوا بالغربة خارجه خشية الاغتراب داخله، مثل حياة شريكه في النضال الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري الذي عرف بمواقفه من السياسة. فصبروا وكابدوا من أجل وطنهم وشعرهم تطبيقا بمقولة الحكيم الصيني«ولدوا فتعذبوا فماتوا».[5] حيث يقول في ذلك الجواهري:
ألاَ لَا تَسْألانيِ ما دَهَانـيِ
فعن أيَّ الحوادثِ تســـألانِ
بَكَيْتُ وما على نفسي ولكـنْ
على وَطَنٍ مُضامٍ مُسْتَهـــانِ
على وَطَنٍ عَجَيْفٍ ليس يقوُى
على نُوَبٍ مُسلْسَلَةٍ سمِـــان
حياتي للعراق فدِىً ووقــفٌ
على وطني ومُصلِحهُ كياني
أمثال هؤلاء من الشعراء الأحرار هم الذين أعطوا للكلمة الشعرية معنى وكانو شوكة في ظهر الأنظمة العربية الظالمة، فقد التبست معالم الحياة مع عالمهم الشعري فرسموها للناس في أبهى صورة مع اختلاف القالب الشعري الذي وضعوا فيه تجاربهم فكل له نكهته وجماله، وتلك هي غاية الأدب في الحياة وبدونها لا لون فيه ولا طعم له ولا صوت فيه كما قال الشاعر محمود درويش وهو يوضح غاية الشعر فيقول:[6]
قصائِدُنا بلا لون ...
ولا طَعْمٍ ...
ولا صَوْتِ ...
إذا لم تَحْملِ المصباحَ من بيتٍ إلى بيتٍ.
وإنْ لَمْ يَفهَّم البُسطاء معانيها فأولى أن نُذَّريها
وبالمثل هكذا كانت رسالة الشاعر أحمد مطر الشعرية فهو إنسان حر أنف عيش الذلة والمهانة التي شرعتها سياسة الحكام في البلدان العربية من القهر وتكميم أفواه الأحرار بالقوة والترصد فأصبح لا مكان إلا للأخنع ولا حرية إلا للأجبن ولا صدق إلا للأكذب، ولا حياة إلا للأقوى فضاق الخناق على المبدعين والمتطلعين للحرية والملهمين الذين أنفوا دناءة تلك الحياة، ولعل قصيدة أحمد مطر في بساطة تعبيرها استطاعت أن تخترق نفوس عشاقه من المحبين ببراعته التي لخص بها سخطه عن تلك الرتابة المملة والمقيتة في حياة الناس وتخوفهم من نشوة المغامرة في ظل تلك الأنظمة الظالمة بقوله:[6]
وبالكويت عمل محررا ثقافيا في جريدة «القبس»، وكان آنذاك في منتصف العشرينيات من عمره، ومضى يدون قصائده التي أخذ نفسة بالشدة حتى لا تتعدى موضوعا واحدا، وان جائت القصيدة كلها في بيت واحد، وقال أحمد مطر في ذلك:
«وبالنسبة لشعر التفعيلة، فان الاختزال أمرا واردا لدى كثير من الشعراء، لكنه غالبا لا يختص بقصيدة تبدو قصيرة جدا ومتكاملة، بل مقاطع قصيدة طويلة، وهذا ما أفعله أيضا في بعض الأحيان، لكننى أترك مجالا لجعل كل مقطع قصيدة قائما بذاتتها، وبعبارة أخرى تشبه قصيدتى ذات المقاطع ديوانا صغيرا، كما أننى في جميع قصائدى أمارس الاختزال، مما يجعل هذا صفة شبه ثابتة، لا عملا يجيئ بالصدفة، فلدى قصائد كثيرة لا تستغرق الواحدة منها أكثر من تسع أو عشر كلمات.»[9]
أخذ أحمد مطر يكتنز تلك القصائد وكأنه يدون يومياته ولكنها سرعان ما أخذت طريقها إلى النشر. فكانت «القبس» هي النافذة التي أطل من خلالها الي الجمهور.
أحمد مطر وناجي العلي
وخلال عمله بالقبس التقى بناجي العلي رسام الكاريكاتيرالفلسطيني صاحب الريشة الجريئة، وتوافق الاثنان ليصبحا أصدقاء ورفيقي كفاح، فكان أحمد مطر يبدأ الجريدة بلافتاته في الصفحة الأولى وكان ناجي العلي يختتمها بلوحته الكاريكاتيرية في الصفحة الأخيرة.[10]
ولكن اللهجة الصادقة التي كان أحمد مطر يكتب بها قصائدة، والتي كان ناجي العلي يرسم بها لوحاته الكاريكاتيرية لم تنل اعجاب السلطات الكويتية خاصة والمنطقة كانت تمر بحرب طاحنة، وسرعان ما ساءت علاقة أحمد مطر مع القبس، ولاسيما بعد (أن فتحت القبس له قوس الخيبة مع قصيدة اعد عيني وقصيدة الراحلة) فصارت (الراية) القطرية متنفسه علي العالم بعد أن نحرت الرقيب علي أعتاب لافتاته كما يقول أحمد مطر إكراما للحرية، وعن هذا الموضوع كتب الشاعر لافتة بعنوان (حيثيات الاستقالة) جاء فيها:[2][3]
في النهاية اضطر أحمد مطروناجي العلي الهجرة الي مدينة الضباب لندن، واستقر أحمد مطر بها عام 1986م، وبالرغم من معاناته هناك من العنصرية والغربة والحنين الي الوطن [12] إلا أنه لم ييأس وإنما قابل ذلك بالرفض والثورة بجرأة فكان الهزء من الواقع العربي المتخلف شعاره.[13] وعن حياته في بريطانيا كتب أحمد مطر ملخصا تلك الحياة فيقول: «أنا في بريطانيا دولة مستقلة، نمشي علي قدمين، نشتاق إلي أوجاع احتلالها ونهفو إلي المعركة من جديد لست سعيدا لأني بعيد عن صدي آهات المعذبين لأني احمل آهاتهم في دمي، فالوطن الذي أخرجني منه لم يستطع أن يخرج مني ولا أحب أن أخرجه ولن أخرجه».[2][3]
وفي النهاية تم اغتيال ناجي العلي بيد القوى الغاشمة وبقي أحمد مطر وحيدا بعد وفاة رفيق دربه مناضلا بفكره وقلمه رغم المرض وجحود بني جلدته، وقال أحمد مطر في رثاءناجي العلي:
ولن نجد أبلغ مما قاله رؤوف الشحورى واصفا شخصية أحمد مطر وحياته في مجلة الوطن العربي -التي تصدر من باريس- حيث قال:
"ها شاعر لا يقف في (الطابور) لا يضيع في الزحام ولا يشبه الآخرين. لم يحمل كشة، ولم يفتح دكانا ولا سوبر ماركت، ولا يبيع بضاعة من نوع الألف صنف وصنف، ولا يغريك بتنوع البضاعة ولا بالتفنن في تغليفها بورق الهدايا وأشرطة الحرير الملونة، لا يدعوك الي قصيدة غزل في جلسة خبز وخمر وحشيش وقمر. ولا الي قصيدة مدح علي باب صاحب سلطان. ولا الي قصيدة فخر (لنجهل فوق جهل الجاهلينا). ولا الي قصيدة رثاء يلعب فيها دور النائحة لاستدرار الدموع. انه خارج الطابور. يقف وحيدا في جانب، ويقف الشعراء جميعا في جانب آخر، متفرد، متميز، استثنائي.
هذا شاعر لا يرتدي السموكن ولا يسكن القصور ولا يرتادها ولا يستلهم الوحي من تعاطي عقاقير الهلوسة أو كؤوس المنكر. لا يملك رصيدا في البنوك، لكنة من أصحاب الملايين في بورصة الكلمة، لا يملك عقارا محددا بعينه، لكنه سجل علي اسمه ملكية أراضي الأوطان العربية كلها في (السجل الشعري) لا في السجل العقاري. لا يهوى السياحة والتنقل في مقاعد الدرجة الأولي، ولا يسافر الا إذا كان مرغما علي التسفير، ولا يرحل الا إذا كان مرغما علي الرحيل، ومع ذلك فهو يرحل كل يوم الي كل الضمائر ويسافرالي كل القلوب بجواز سفر اسمه (لافتات)، أصدرته دولة اسمها الشعر، وختمته بختام اسمه الموهبة، وأرفقته بعبارة (رجاء تسهيل مهمة حامله)......
وهو شاعر يرتدي الملابس المرقطة، يسرى ليلا في مهام غامضة، يرتاد أقبية المقهورين وكهوف المظلومين، يحاورهم، يأخذ منهم صك توكيل، يستجوبهم، ويحرر معهم وباسمهم مذكرات جلب واحضار بحق المظلومين الي العدالة أمام محكمة التاريخ، فوراء كل مقهور قاهر، ووراء كل مظلوم ظالم، ووراء كل فقير ثرى سرق منه حصته في الحياة، ووراء كل (هزيمة) منتصر يتمتع بالسلطة والجاه والثروة والشهرة، ووراء كل جدار مخبز، وتحت كل حجر تقرير الي (سيدى الوالي المبجل).
وهو شاعر انتحار، ذهب الي الحرب متخليا عن الأسلحة التقليدية، لا مدفعة ثقيلة بعيدة المدى، ولا راجمات، ولا قاذفات عابرة للمحيطات، ولا صواريخ عابرة للقارات، ولا قنابل عنقودية أو جرثومية أو كيميائية أو ليزرية أو فراغية، يمتشق سلاحا فتاكا صنعه بنفسه، ويعرف سره هو وحده، ولا يحل شفرة معادلته وتركيبته غيره، يصنع كبسولات صغيرة من الشعر النووى شديد الانفجار، والقصائد المفخخة، يوزعها بعناية على أهدافه الإستراتيجية...واحدة تحت كل عمود من عواميد (الأنظمة)، وواحدة تحت كرسى (الرقيب)، وواحدة خلف مقعد (الوالي)، وواحدة يدسها سرا في جيب (المخبر) السري، وواحدة قرب جدار (السجان)، وواحدة في (جبن الإنسان)، وواحدة في حقيبة (القائد العميل)، وفي حلوق أبطال النفاق، وفي فوهة (كاتم الصوت)، وفي جعبة (الجند) الذين أطلقو سراح الجثة وصادرو الرأس فقط، وواحدة يخصصها أيضا لهدف لا يخطر علي البال.....
هذا شاعر يخوض الحرب وحيدا ضد كل قوى القهر باسم كل المقهورين دون أن يعقد حلفا مع أحد، وهي حرب لا متانهية في القدم، لا متناهية في الاستمرار، خاضها قبل أن يولد ويتابعها بعد أن يرحل، لا هدنة فيها، ولا تسوية، ولا تنازل، ولا صلح، ولا اعتراف، ولا (كامب)، وليس فيها الا غالب ومغلوب، منتصر ومهزوم."[16]
ويلخص أحمد مطر حياته من المهد الي وقوفه على مشارف اللحد في قوله: «قبل ثلاثين عاما، غادر البيت فتي طري العود، مغضوب علي صوته الذي انطلق من فوق منصة تشتت المحيطون بها بين سجنوغربةوموت، فتي كان يحلم بعراق لا يمتهن كرامته، ولا يسرق حريته، ولا يكتم صوته، ولا يقتفي ظل قصيدته، فتي حمل الوطن معه وغادر، علي أمل عودة وشيكة إلي بيت أجمل والي أم أهلكها الانتظار، والي أب بسيط صابر، والي إخوة أحرار كالميلاد، لم يدر ذلك الفتي الغض أن ظهره سيظل عاريا طيلة ثلاثين عاما، وان للطغيان عمر الغربة ونوايا الشياطين، وانه سيسرق بعد عامين شقيقه الأصغر بحادث مفتعل، وسيعلق شقيقه الآخر علي واحدة من مشانق ألعابه، ويبخل علي أمه الثكلي حتي بشكل قبر، وانه سيكسر هيكل أب ظل يتلفت علي فراش الموت بحثا عن أبنائه، لم يكن ذلك الفتي الغض يعلم أن السنين الأجمل ستمضي من دون أن يغنم الحلم، وان عين الأم ستبقي معلقة علي الباب»[2][3]
يتضح لنا من كل هذا أن أحمد مطرشاعر حقيقي في زمن امتلأ بالشعارات الجوفاء وأصحابها الدهناء، لم يكتب في الغناء أو يهتف للسلطان، بل عبّر بقلمه عن خواطر وآلالام وطنه العربي الكبير، فدخل قلوب الناس رغم الحواجز والقيود.[17] وغالبية قصائده تصور لنا كبت الحريات في الأوطان العربية، وبالذات حرية التعبير، وتتمحور حول موقف المواطن من سلطة لا تتركه ليعيش، ويتميز أسلوبه بالصراحة الشديدة والانتقاد اللاذع وكذلك السخرية.[18]
نصائح يقدمها أحمد مطر
وحينما سُئل أحمد مطر ما هي نصائحك إلى القراء، والسلطات العربية الإسلامية، والشعراء العرب، والإعلاميين في المنطقة؟
قال: "أقول للقراء لا تكونوا عبيدا وقد خلقكم الله أحرارا، وإذا لم تسهم الكلمة التي تقرؤونها في إنماء وعيكم واستثارة غضبكم لتغيير هذا الواقع السياسى الشاذ بأيديكم أو ألسنتكم -و ذلك أضعف الايمان- فلا تقرؤوا.
وأقول للشعراء العرب ما قاله الحسن بن محمد بن حبيب النيسابورى:
إن الملوك بلاء حيثما حلّوا
فلا يكن لك في أكنافهم ظل
ماذا تأمل من قوم إذا غضبوا
جاروا عليك وإن أرضيتهم ملّوا
فاستعن بالله عن أبوابهم أبدا
إن الوقوف على أبوابهم ذل
وأقول للإعلاميين احذروا أن تعبثوا بالحقائق، واحذروا بلع أطراف الحروف، فالكلمة حساسة جدا، يمكن تحويلها بلمسة بسيطة غير مسؤولة، من أداة إحياء إلى أداة قتل، إن عبثا هينا بكلمة (إعلام) يحوّلها ببساطة إلى (إعدام)، فاحذروا أن تطعموا أطفالهم من أجور كلمة تقتل ملايين الأطفال!
وأقول للسلطات العربية والإسلامية لا أدري ماذا أقول! قصائدي هي نصائح لها لو كانت تدرك النصيحة، لكنها تكافئني عليها بالنفي والمطاردة، إنها لم تسمع إلى نصيحة الله، فهل تسمع إلى نصيحتي؟!!"[19]
جاء في معجم لسان العرب في شرح مادة (سَخِرَ) التالى:
سَخِرَ منه وبه سَخْراً وسَخَراً ومَسْخَراً وسُخْراً، بالضم، وسُخْرَةً وسِخْرِيّاً وسُخْرِيّاً وسُخْرِيَّة: هزئ به؛ ويروى بيت أَعشى باهلة على وجهين: إِني أَتَتْنِي لِسانٌ، لا أُسَرُّ بها، مِنْ عَلْوَ، لا عَجَبٌ منها ولا سُخْرُ ويروى: ولا سَخَرُ، قال ذلك لما بلغه خبر مقتل أَخيه المنتشر، والتأْنيث للكلمة. قال الأَزهري: وقد يكون نعتاً كقولهم: هُم لك سُِخْرِيٌّ وسُِخْرِيَّةٌ، من ذكَّر قال سُِخْرِيّاً، ومن أَنث قال سُخْرِيَّةً. الفراء: يقال سَخِرْتُ منه، ولا يقال سَخِرْتُ به. قال الله تعالى: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ.
وسَخِرْتُ من فلان هي اللغة الفصيحةُ.
وقال تعالى: فيَسْخَرُونَ منهم سَخِرَ اللهُ منهم، وقال: إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فإِنَّا نَسْخَرُ منكم؛ وقال الراعي: تَغَيَّرَ قَوْمِي ولا أَسْخَرُ، وما حُمَّ مِنْ قَدَرٍ يُقْدَرُ قوله أَسخَرُ أَي لا أَسخَرُ منهم.
وقال بعضهم: لو سَخِرْتُ من راضع لخشيت أَن يجوز بي فعله. الجوهري: حكى أَبو زيد سَخِرْتُ به، وهو أَرْدَأُ اللغتين.
وقال الأَخفش: سَخِرْتُ منه وسَخِرْتُ به، وضَحِكْتُ منه وضحكت به، وهَزِئْتُ منه وهَزِئْتُ به؛ كلٌّ يقال، والاسم السُّخْرِيَّةُ والسُّخْرِيُّ والسَّخْرِيُّ، وقرئ بهما قوله تعالى: لِيَتَّخِذَ بعضُهم بعضاً سُخْرِيّاً.[22][23]
وجاء في معجم الصحاح في اللغة التالى:
سَخِرْت منه أَسْخَرُ سَخَراً بالتحريك، ومَسْخَراً وسُخْراً بالضم. قال أعشى باهِلَةَ:
من عَلْوَُِ لا عَجَبٌ مِنْهُ ولا سَخَرُ إنّي أَتَتْني لِسانٌ لا أُسَـرُّ بـهـا
والتأنيث للكلمة، وكان قد أتاه خبرُ مقتلِ أخيه المنتشِر.
سَخِرَ منه وـ به، كفَرِحَ، سَخْراً وسَخَراً وسُخْرَةً ومَسْخَراً وسُخْراً وسُخُراً: هَزِئَ،
كاسْتَسْخَرَ.
والاسْمُ: السُّخْرِيَةُ والسُّخْرِيُّ، ويكسرُ.
وسَخَرَهُ، كمنعه، سِخْريّاً، بالكسرِ ويضمُّ: كَلَّفَهُ ما لا يُرِيدُ، وقَهَرَهُ.
وهو سُخْرَةٌ لِي وسُخْرِيٌّ وسِخْرِيٌّ.
ورجُلٌ سُخَرَةٌ، كهُمَزَةٍ: يَسْخَرُ من الناسِ.
وكبُسْرَةٍ: من يُسْخَرُ منه، ومن يَتَسَخَّرُ كُلَّ من قَهَرَهُ.
وسَخَرَتِ السَّفِينَةُ، كمنع: طابَت لها الرِّيحُ والسَّيْرُ.
و{إن تَسْخَرُوا منَّا، فإِنَّا نَسْخَرُ منكم كما تَسْخَرونَ} أي: إن تَسْتَجْهِلونَا، فإِنَّا نَسْتَجْهِلُكُمْ، كما تَسْتَجْهِلونَنَا.
وكسُكَّرٍ: بَقْلَةٌ بِخُراسانَ.
وسَخَّرَهُ تَسْخِيراً: ذَلَّلَهُ، وكَلَّفَهُ عَمَلاً بلا أجْرَةٍ.
كتَسَخَّرَه.[23][25]
أما في معجم مقاييس اللغة فجاء:
السين* والخاء والراء أصلٌ مطّرد مستقيم يدلُّ على احتقار واستذلال. من ذلك قولنا سَخَّر الله عزَّ وجَلَّ الشيء، وذلك إذا ذَلَّلَه لأمره وإرادته. قال الله جلّ ثناؤه:
ويقال رجل سُخْرةُ: يُسَخَّر في العمل، وسُخْرةٌ أيضاً، إذا كان يُسْخَر منه. فإن كان هو يفعل ذلك قلت سُخَرَة، بفتح الخاء والراء.
ويقال سُفُنٌ سواخِرُ مَوَاخِرُ. فالسَّواخر: المُطِيعة الطيِّبة الرِّيح.
والمواخر: التي تمخَر الماءَ تشُقّه.
ومن الباب: سَخِرت منه، إذا هزئت به.
ولا يزالون يقولون: سخِرت به، وفي كتاب الله تعالى: فإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُون [هود 38].[23][26]
معنى السخرية لغويا
السخرية إحدى طرق التعبير، يستعمل فيها الشخص ألفاظاً تقلب المعنى إلي عكس ما يقصده المتكلم حقيقة كالتورية في لغة الشعر. والغرض من السخرية هو النقد أولاً ثم الإضحاك ثانياً [27]، وهو تصوير عيب الشيء بصورة مبالغ فيها مما يجعلها تثير الضحك، وكل ذلك بطريقة خاصة غير مباشرة، حيث يقوم الشخص بإسباغ المعنى الواقعي كله علي الكلمات والإيحاء عن طريق الأسلوب وإلقاء الكلام بعكس ما يقال، وتتركز علي طريقة طرح الأسئلة مع التظاهر بالجهل وقول شيء في معرض آخر.[5][28]
وعندما تستعمل السخرية بنية عدوانية جدا تسمى التهكم[27]،
وهناك من جعل السخريةوالتهكم شيئاً واحداً فقال في تحديد التهكم (هو الاستهزاء والسخرية وهو ما كان ظاهره جد وباطنه هزل، وطريقة السؤال عن شيء مع إظهار الجهل به، وان تلقي على محدثك -بعد التسليم بأقواله- أسئلة تثير الشكوك في نفسه حتى إذا انتقل من قول إلي قول أدرك ما في موقفه من التناقض واضطر إلي التسليم لجهله).[5][29]
وعلاقة السخرية بالفكاهة تتمثل في انهما يلتقيان في المادة أو الطريقة فكل ما يضحك هو هزل ولكنه ينقسم إلي قسمين أحدهما ليس له غرض أو هدف إلا الإضحاك، وهو الفكاهة، وله غرض هادف واضح وهو السخرية.[5][30]
والسخرية فن راقي يعتمد علي الرمز لتوضيح معناه ويهدف الي الانتقاد البناء. ويحتاج للذكاء والفكر واعمال العقل.[5][31]
وهي رد الإنسان على معاكسة القدر، وظلم الدهر، وقسوة الطبيعة أو عيوب المجتمع، ونقائص الناس، وهو يسخر من هذه جميعا، ولا يسبها ولا يحقد عليها بل يتأملها بهدوء ويبصر سخافتها وتناقضها وتفاهتها وصغرها، فيعلو عليها جميعا ويتحدث عنها بابتسامة هادئة جميلة مستخفة هازئة، وينبغي أن لا يكون حديثه سيئ اللفظ بذيئا، ولا يكون محتدا ثائرا وإلا كان سخرا، فالسخرية هي الهدوء التام والأدب الجم والعلو التام عن مصائب الدنيا.[5][32]
الأول: ذات روح فكهة خفيفة لا تعتمد الإيذاء ولا تصل إلي درجة الإيلام، تحمل في طياتها ما يبعث علي الابتسامة والضحكة والإعجاب بقائلها وهي أخف وطأة واقل شراً من الثانية.
الثاني: ذلك الصنف من السخرية المرة اللاذعة التي تجعلنا نضحك بمرارة ونيأس ونشعر بفداحة العيب، وهي سخرية مريرة الطعم قاسية اللذع وأثرها بالغ لاسيما حين تتصل بالأشخاص.[5][33]
ولقد ذكرت كلمة (سَخِرَ) في القرآن الكريم في أكثر من موضع مثل قوله تعالى (فا تخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون)[34] ولكن الله سبحانه وتعالى قرن السخرية بالكافرين الذين يدعون بعضهم بعضا للسخرية وكأنهم يتنافسون فيها تسابقا في الشر[5] كما في قوله تعالى (وإذا رأوا آية يستسخرون).[35]
ولقد حرم الله سبحانه وتعالى السخرية الجارحة والمتطاولة التي قد تصل الي حد التهكم والدليل على ذلك تحريم الإسلام لشعر الهجاء في فترة ما قبل الإسلام -الجاهلية- كما يتضح في قولة تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنَّ خيراً منهنَّ).[36]
ولكن الله سبحانه وتعالى أباح السخرية الهادفة الداعية إلي إصلاح المجتمع[37] حيث قال سبحانه وتعالى (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون).[38]
أسباب اللجوء للسخرية
عندما يقوم المفكر العربي بالتأمل والتفكير مطولا في الواقع الذي يعيش فيه المواطن العربي بأحداثه ووقائعه المؤسفة، فانه لا يملك إلا أن يشعر بالغصة في حلقه ناهيك عن الغضب الشديد المتولد عن عدم قدرته علي تغيير هذا الواقع، فلا يجد بدا من اللجوء الي السخرية الناقدة واللاذعة من هذا الواقع، والتي تعمل على التخفيف من حدة ألامه. ويقول جبران خليل جبران في هذا الصدد: «هذا العالم..صعب وخائن ولا يطاق.يجب أن يمتلك الإنسان سلاح السخرية وسلاح القوة لكي يستطيع أن يحاربه حتى الموت».
والسخرية لكونها فن راقى يحتاج الي الذكاء والفكر واعمال العقل كما ذكرنا آنفا، لذلك فهي سلاح خطير في يد الفلاسفةوالكتاب بوجه السياسات الظالمة المستبدة المتحكمة بمصائر الشعوب، كما انهم يستخدمونها في نقد العادات والتقاليد البالية في المجتمع وأمراضه الكثيرة من جهل وتخلف ونفاق.[5][31]
وهذا ما فعله الشاعرأحمد مطر في شعره حيث استوعب تجارب حياته المناهضة للأنظمة الدكتاتورية القائمة علي الظلم والقهر والاستبداد وقد تولى أمر مهاجمتها بخطاباته النقدية اللاذعة المملؤة سخرية وازدراء وفق آليات جعلها تخدم أغراضه وموضوعاته التي فضح بها أبعاد التفكير واستراتيجيات السياسة لدى الحكام الذين زرعوا الرعب في قلوب شعوبهم بالملاحقة والتربص والظلم والقهر والقتل وتبديل الأمن بالخوف دون وجه حق، وقد اتخذ الشاعر أسلوبا متميزا في السخرية من أولئك الساسة وزبانيتهم الذين كانوا يد البطش التي يبطشون بها.[39]
وبذلك اتخذ أحمد مطر من السخرية أداة له للنقد اللاذع والإضحاك وأحيانا النصح.
ما يميز شعر أحمد مطر
يمكن القول أن معظم شعر أحمد مطر خلا بعض القصائد ينتمي إلي الشعر السياسي. كما ينتمي أحمد مطر إلي مدرسة البساطة والسهولة أو مدرسة السهل الممتنع التي ينتمي إليها نزار قباني، لذا نجده ينتقي في قصائده الألفاظ السهلة التي لا يجتهد الإنسان البسيط في فهمها.
ونجد أن نمطه الشعري ينتمي الي شعر المواقف الواضحة، تلك المواقف التي لا يجد القاريء صعوبة في فهمها وتعرف ملامحها، وهو أمر يكاد يشترك فيه معظم الشعراء السياسيين من شعراء المقاومة الفلسطينية مثل محمود درويش.[2][3]
كما يتميز بالجد والبراعة في اختيار مواضيعه وعرضها بصورة متفردة معتمدا في ذلك علي حصيلته اللغوية.[40] ويتميز شعره بأنه ذو غرض واحد وليس متعددة الأغراض فكان يتناول موضوعا واحدا محددا في كل قصيدة من قصائده.
ولقد استخدم أحمد مطر في رصف قصائده وترتيبها علامات الترقيم المنصوص عليها وذلك لضبط النصوص ضبطا يستطيع القارئ قراءتها ويستطيع المتلقي التواصل معها وهو يستمع إلي تلك النصوص، وهذه طريقة مستحبة وينبغي مراعاتها مع النصوص الشعرية الحديثة التي قد يصعب علي المتخصص وغير المتخصص قراءتها، وفهم كنهها بأساليب الوصل والفصل. وهذه الميزة التي عالج بها الشاعر أحمد مطر قصائده تدفع المتلقي لاستنطاق تلك النصوص بالعلامات المضبوطة التي وضعها الشاعر. هذه العلامات قد يستغرب القارئ مدى كثافتها وكثرتها في الديوان، ولكن وجودها مهم جدا ويساعد على القراءة الصحيحة التي قد لا نحتاجها مع النصوص الشعرية التقليدية التي تلتزم بإيقاع واضح معروف ووزن معروف.[6]
وبالمثال يتضح الحال، فقصيدته حوار على باب المنفى تكشف لنا تلك الأهمية لهذه العلامات والوقفات حيث يقول:
ويميل أحمد مطر الي خاصية الاختزال في نظمه لقصائده وهذا ما ذكرناه سابقا، حيث تبدو قصائده قصيرة جدا ومتكاملة، فتشبه قصائده ذات المقاطع ديوانا صغيرا.[42] مثال لذلك قصيدة ملحوظة، فيقول فيها:
كما تتميز أشعار أحمد مطر بحسن الختام، والواقف علي أدبوشعرأحمد مطر يلاحظ هذه الخاصية وقد يصاب بالدهشة كثيرا عندما يقرأ عناوين القصائد فيصل لخاتمتها فيطلع علي حقائق مأساوية تتعلق بأوصاف وأفعال من يتناولهم في شعره [6] ومثال علي ذلك قصيدته وصايا البغل المستنير [44] حيث يقول:
وأكثر ما يميز شعرأحمد مطر هو السخرية الطاغية علي شعره، حيث اقترن اسمه بالسخرية [46]، ونلفت النظر الي أن سخريةأحمد مطرسخرية هادفة وليس الغرض منها الضحك والهزل، حيث أن أحمد مطرشاعرساخر من طراز خاص فهو في شعره الساخر يحمل قضية إنسانية عامة بأبعادها المختلفة السياسيةوالاجتماعيةوالاقتصادية يعاني منها الشعب بمختلف طبقاته في ظل سلطة حاكمة غاشمة جردته من مقوماته الإنسانيةوالاجتماعيةوالسياسيةوالاقتصادية وحرمته من ممارسة كل ما لديه من تقاليد وأعراف.
وهو يعرض هذه المشاكل بأسلوب ساخر يبلغ حد الحزن، عرضا يصدق عليه القول إن الساخرين هم اشد الناس حزنا، محاولا أن يسلط الضوء عليها ملتمسا الحلول لكثير من المشاكل التي يعرضها في شعره.
فلم يكن شاعرا ساخرا بقصد اللهو والعبث والإضحاك وإملاء الفراغ، بل كان جادا في شعره.
إن هذا الأسلوب يختلف عن أساليب الشعراء الساخرين الذين عرفناهم في العصور الأدبية الماضية.[47]
“يقال إن أقصر قصة كتبها إنسان هي التالية: «رجل ولد وعاش ومات». وأنا أعتقد أن سيرتي - شأن أي مواطن آخر في أوطاننا الجميلة - يمكن أن تروى على النسق نفسه، بشيء من التطويل، لتكون كالتالي: «رجل ولد ولم يعش ومع ذلك سيموت».” [79]
“الحاكم علمنا درسا .. أن الحرية لا تهدى .. بل تستجدى!” [79]
“في أي قطر عربي .. إن أعلن الذكي عن ذكائه .. فهو غبي” [79]
“الفرد في بلادنا .. مواطن أو سلطان .. ليس لدينا إنسان.” [79]
“قال الصبي للحمار .. يا غبي .. قال الحمار للصبي .. يا عربي.”[79]
“كلب والينا المعظم عضني اليوم ومات، فدعاني حارس الأمن لأعدم عندما اثبت تقرير الوفاة أن كلب السيد الوالي تسمم.”[80]
“أريد الصمت كي أحيا، ولكن الذي ألقاه ينطقني..” [17]
“وضعوني في إناء ثم قالوا لي تأقلم
و أنا لست بماءٍ
أنا من طين السماء
وإذا ضاق بي إنائي
بنموي يتحطم!” [17]
“جس الطبيب خافقي وقال لي:
هل هنا الألم؟؟
قلت له: نعم
فشق بالمشرط جيب معطفي واخرج القلم!!
هز الطبيب رأسه.. ومال وأبتسم
وقال لي: ليس سوى قلم
فقلت: لا يا سيدي
هذا يد ...وفم
ورصاصة.. ودم
وتهمة سافرة.... تمشي بلا قدم!” [17]
“أنا لن أنافق حتى ولو وضعوا بكفى المغارب والمشارق”
“يا صديقي
أنا ممنوعٌ منَ التفكيرِ حتى في التمني .
أنا لو أعصرُ ذهني
تعصرُ الدولة دُهني!!!”[81]
“عندما تذهب للنوم
تذكر أن تنام!
كل صحوٍ خارج النوم حرام!
وخذ الفرشاة والمعجون واغسل..
ما تبقى بين أسنانك من بعض الكلام!” [82]
“نعم سمعنا عطسة في غابر الأيام
أطلقها مغامر رأى النظام غافلا..
فارتكب الزكام!
لولاه ماكان لنا ..
أن نعرف الشئ الذي
يدعونه كلام!”[82]
“أجل إنني أنحني فاشهدوا ذلتي الباسلة، فلا تنحني الشمس
إلا لتبلغ قلب السماء، ولا تنحني السنبلة إذا لم تكن مثقلة.”[83]
“في لحظة الولادة نبكى..
ذلك لأننا قادمون إلى مسرح مكتظ بالحمقى”
“في الجاهلية كانت الأصنام تمر..
و ان جاع العباد، فلهم من جثة المعبود زاد..
أما الآن صارت الأصنام تعبد الله وتأكل العباد وخيرات البلاد!!!”
“إنني عندما شرعت في الكتابة، لم أضع في ذهني أية خطة لإنشاء مدرسة في الشعر.. ولا حتى «حضانة». كانت عندي صرخة أردت أن أطلقها، وكلمة حق أردت أن أغرزها في خاصرة الباطل .. وقد فعلت.
وباستطاعتي القول -مطمئناً- انه إذا عرضت قصيدتي على قارئي، فلن تحتاج إلى وضع اسمي عليها، لكي يعرف أنها قصيدتي.”[84]
“إنني لم أتجاهل وسائل الإعلام..بل تجاهلت وسائل الإعدام.
تلك التي تكتب بالممحاة، وتقدم للناس فراغاً خالياً محشواً بكمية هائلة من الخواء!.”[84]
“الواقع السياسي العربي .. ملعب أمريكي يلعب فيه اثنان وعشرون لاعباً، فريق منهم في الجهة الشرقية وفريق في الجهة الغربية. يختلفون ويتناحرون على متابعة الكرة، لكنهم جميعاً يتفقون على قاعدة لعب واحدة.والأهداف التي يسعون إلى تحقيقها، في هذا المرمى أو ذاك هي كلها في النتيجة لا تخرج عن نطاق الملعب.
أما الواقع السياسي الإسلامي فهو محكمة تضع القرآن في قفص الإتهام وتطلب منه أن يقسم على القرآن أن يقول الحق ولا شيء غير الحق!
أما الواقع السياسي العالمي فهو مسرح يعرض نصاً مؤلفته ومخرجته وممثلته .. أمريكا.
والجمهور في المواقع الثلاثة مربوط إلى الكراسي بالقوة .. ممنوع عليه التدخين أو المشاركة أو الاحتجاج.ومسموح له فقط بأن يصفق أو يطبل أو يقول «يحيا العدل»!”[84]
“ خساراتي: أرباح، أصبحت لكثرتها أغنى الأغنياء .. ففي كل صباح أستيقظ فأجدني معي، أحمد الله ثم أبدأ بتفقد كنوزي، أدق قلبي الجريح فترد كبريائي«أنا هنا»، أتفحص جيبي المثقوب، تضحك أناملي«لا تتعب نفسك .. لم أقبض صكاً من سلطان».. أتلمس روحي، تبتسم آلامها «اطمئن، لم يستطيعوا اغتصابي».. أفتح كتابي، يلهث في وجهي قائلاً «صادروني اليوم في البلد الفلاني». وطول جولتي يسليني ضميري بدندنة لا تنقطع: لم نمدح شيطاناً، لم نخن قضية الإنسان، لم ننس فلسطين، لم نذعن لأية سلطة، لم نضحك في وجه مرتزق .. وهلم فخراً.
عندئذ، أتطلع إلى المرآة مبتهجاً، وأهتف بامتنان: «ألف شكر .. لم أبعني لأحد»”[84]
“إن من الطبيعي أن تجد في البيت العربي الواحد أربعة شعوب متناحرة لمحض اختلافها بالرأي، وإذا كان لنا امتياز من غيرنا فإننا شعب فينا كل شروط الكتلة، ومع ذلك بإمكان أي مواطن فيه أن يكفر جميع إخوانه ويحجز الجنة التي عرضها السماوات والأرض له وحده، بل بلغ العجز فينا أن الواحد منا يستطيع أن يكون وحده فرقة ناجية لوحده، ثم لا يلبث نصفه الأيمن أن يعلن انشقاقه علي نصفه الأيسر”[2][3]
“إن الأرض تكرر دورانها حول الشمس كل يوم، لكنها لا تكرر نفسها حتي في لحظتين متتاليتين، والشعر العربي يكرر موضوع الحب منذ الجاهلية، والقضية برمتها هي عبارة عن رجل يعشق امرأة، وامرأة تحب رجلا، فهل تستطيع القول إن الموضوع قد اختلف عن هذا يوما ما؟ . إن هذا الموضوع لم ينته بالتكرار، لأن هناك دائما زاوية جديدة للنظر ونبرة جديدة للبوح وثوبا جديدا للمعني ... إني أتساءل: ألا يكون الحب حبا إلا إذا قام بين رجل وامرأة؟! أليس حبا حنينك إلي مسقط رأسك؟ .. أليس حبا أن تستميت لاسترداد الوطن من اللصوص؟ ...أليس حبا أن تحاول هدم السجن وبناء مدرسة؟ ... إن البكاء علي الأهل والغضب علي المقاول، هما ارفع أنواع الحب في مثل هذا الموقف”[2][3]
^السخرية في شعر البردوني، عبد الرحمن محمد محمود، رسالة ماجستير مقدمة إلى جامعة الموصل / كلية التربية عام 2002م (غير منشورة)، بأشراف أ.د. عمر محمد الطالب ص6،11