الإسلام الحركي

الإسلام الحركي هو الحركة بالإسلام من أجل الوصول إلى تأسيس الدولة وفق النموذج المعرفي للمسلمين السُنة للدولة المسلمة التاريخية على عهد الخلافة الراشدة، وتعريف المسلم الحركي أو المسلم الإسلامي هو المسلم العامل عملا منظمًا لإقامة مشروع الدولة الإسلامية. يُعد سقوط السلطان العثماني أو الخلافة العثمانية هو المنطلق الأهم لنشأة الإسلام الحركي أو الحركة الاسلامية فهي قد نشأت كرد فعل أولي لسقوط الخلافة تحت مبرر تنحية الإسلام عن منصة الحُكم والتوجيه السياسي، إعمالا لمقولة الخليفة الثالث ذو النورين: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. فكان الهدف الرئيسي للحركة هدف سياسي.[1]

إن الفكر الإسلامي الحركي ليس فكرا موحدا تحكمه الرؤى والتصورات والمفاهيم نفسها، بل هو فكر يمزج بين النظري والعملي طور نفسه إلى عدة مسارات فكرية وتوجهات سياسية وحتى إلى مدارس إيديولوجية وسياسية فهناك الفكر الحركي للإخوان المسلمين من خلال أطروحة حسن البنا، وهناك الفكر الحركي الثوري لسيد قطب وأبي الأعلى المودودي وهناك الفكر الحركي الإصلاحي بمختلف توجهاته.[2]

النشأة

لقد شكلَ انهيار الخلافة الإسلامية العثمانية صدمة هزت الوعي والوجدان الإسلامي، وكان لهذا الانهيار العامل الأساسي لولادة تيارات إسلامية جديدة، وتحديدا بعد قيام الدولة الحديثة (الدولة الوطنية) محل دولة الخلافة العثمانية (دولة الأمة). على الرغم من أن أصحاب الخط الإسلامي الإحيائي من أمثال جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي عملوا على بث الروح بنظام الخلافة وتجديده ليواكب تطورات الحداثة والنهضة الأوروبية. ويعتبر الإمام محمد عبده من الذين كانوا ضد تصفية الدولة العثمانية حيث أعلن وبشكل صريح أنه يجب المحافظة على الدولة العثمانية التي تمثل ثالثة العقائد بعد الله ورسوله وبحسب رأيه. كان سقوط الخلافة العثمانية وإقامة كيانات وطنية على انقاض نظام الولايات العثماني، السبب في ظهور تيار إسلامي احيائي غايته الأسمى إقامة الدولة الإسلامية. لكن بعد نشوء الدولة الوطنية في العديد من البلدان العربية على أنقاض نظام الولايات العثماني، وبدعم مباشر من السلطتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا، ظهرت بعض الجماعات التي اتخذت من الدين الإسلامي كأيديولوجية لتغير المجتمع. وكان أول هذه الجماعات حركة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 وانتشرت فروعها في العديد من البلدان. وقد ظهرت مقابل حركة الإخوان المسلمين في فترة لاحقة في نهاية خمسينيات القرن الماضي بعض الجماعات في الوسط الشيعي التي تحاكي حركة الإخوان في أهدافها السياسية لتغير المجتمعات ذات الكثافة السكانية الشيعية وكان من أبرزها حزب الدعوة الإسلامية في العراق.[3]

نشأ الإسلام الحركي في ظل احتلال أجنبي لكثير من بلاد العالم الإسلامي وحملات تغريبية ومحاولة ثُلة من المثقفين المسلمين الدعاية لنظريات تغريب الحياة، وكذلك ضعف وجمود المؤسسات الدينية عن مواكبة الأحداث، مما جعل المجتمعات المسلمة تتفشى فيها ظواهر مخالفة لقيم الإسلام. فبعثت الحركة الاسلامية في قطاع عريض من الشباب روح الحماسة للإسلام ومظاهره، فحدث تطور على مستوى الظواهر الاجتماعية. وشاركت الحركة الإسلامية حركات التحرر الوطني العمل على إخراج المحتل. ووضِعت قضايا الإسلام والقيم والأخلاق الإسلامية داخل دائرة الضوء وبؤرة الأحداث. كما ساهمت في جوانب تربوية وإصلاحية ومشاريع خيرية ونفعية للمجتمع.[1]

الإسلام الحركي الذي نشأ لأول مرة في التاريخ فكرة ودعوة وتنظيمات مجنَّدة على الأرض في الربع الأول من القرن العشرين الميلادي أي النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وأسباب عدم وجود نسخ أو تجارب سابقة من الإسلام الحركي واضحة، اقتصر كل الحراك في المجتمعات المسلمة عبر التاريخ على نوعين من الحركات، حركة إصلاحية عملت دائمًا على تصحيح مسار الأمة وتجديد ما ضعف في نفوس الناس من أمور الدين وإحياء العلم الشرعي والسنن والأخلاق الإسلامية. وحراك سياسي للمنافسة على سلطة الحكم. نشأ الإسلام الحركي كتجربة جديدة ليس لها سابقة في تاريخ المسلمين السُنَّة. لكن الإسلام الحركي تأثر بدعوات المصلحين الذين سبقوا نشأته مباشرة أو سبقوه بدعواتهم الإصلاحية ثم عاصروا نشأته مثل جمال الدين الافغاني والإمام محمد عبده ورشيد رضا ومحب الدين الخطيب وغيرهم.[1]

الإسلام الحركي والدولة القُطرية

ثمة إشكالية نشأت مع شكل الدولة القُطرية الحديثة ونظامها السياسي المستمد من قواعد سياسية عالمية، لم يشارك علماء الشرع الاسلامي في صياغتها، مع انتشار ثنائية التعليم، وانقسامها إلى تعليم شرعي تخصصي مثل التعليم الأزهري في مصر، والتعليم العام الذي تنزوي فيه المناهج الشرعية كما وكيفا، مع عدم تأثيرها في مجموع درجات الطالب، وغيابها تماما عن التعليم الجامعي. ناهيك عن المد الثقافي الغربي والشرقي. مما أنتج نخبا ثقافية مسلمة العقيدة، لكنها ضعيفة في الثقافة الشرعية. وعادة ما تفرز هذه النخب أنظمة الحكم في الدول المسلمة المعاصرة. مما يبرر مطالبة الحركة الإسلامية بممارسة السياسة التنافسية على السلطة، لسد فراغ الثقافة الشرعية لدى غالبية السياسيين المسلمين.[1]

الإسلام الحركي الشيعي

لعبت عوامل سوسيو-ثقافية في نجاح الإسلام الحركي الذي ظهر مطلع النصف الثاني من القرن العشرين في النجف لغرض تحكيم الإسلام في الاجتماع البشري، في صياغة منهج معرفي لتلك الطقوس عبر تفعيله للمفردات النهضوية والثورية والاستشهادية في خطاب مفاهيم عاشوراء كأداة مناهضة للأيديولوجيات غير الإسلامية وأنظمة الحكم الاستبدادية، وقوة رئيسية في تعزيز ثقافة الاستشهاد مثل مواجهة المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان للعدوان الإسرائيلي.[4]

انتقادات

إن الذين يعزون كبوة المسلمين إلى الإعلان الرسمي لسقوط الخلافة فقط، إنما يتجاهلون قرونًا طويلة من الاستبداد السياسي، وتعطيل فريضة الشورى، ونحو ستمائة عام من حكم العسكر المماليك في مصر والشام تحت زعم خليفة عباسي لم يعدُ يملك السلطة، يقيمه العسكر إن أرادوا ويخلعوه إن شاءوا بل يتجاهلون الخصومة القديمة شبه المستديمة بين سلطة الخلافة والعلماء وقادة الإصلاح في الأُمة على مدى التاريخ. هذه المغالطة التاريخية أدّت إلى خطأ في تحديد الهدف إذ جعلت الهدف الكبير هو وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة، بدلا من أن يكون الهدف الأسمى هو تمكين الأمة في مقابل السلطة وخطيئة في التأسيس إذ أسست تبعًا لهذا الهدف تنظيمات شمولية كمحاكاة للدول القائمة، كأنها حكومات ظل يؤول إليها الأمر في حال الوصول للسلطة. مما يعني تحوّل التنظيمات إلى دول داخل الدول، أو كيانات موازية للدول، الأمر الذي يتنافى مع قواعد علم السياسة والاجتماع ثم فشل في التطبيق، وكارثية في النتائج في كل المحطات التي لامست فيها الحركة الإسلامية السُنية السلطة أو اقتربت منها أو شاركت فيها على اختلاف مسميات تنظيماتها، كما في أفغانستان والسودان والجزائر - قبيل العشرية السوداء - واليمن ومصر، وما زالت تجربة تونس رغم تطورها لم تحقق نجاحًا بارزًا بعد.[1]

عاب هذه الجهود والنتائج المبشرة، الجنوح الدائم المغروس في أصل الفكرة إلى الوصول للسلطة، مما أدخل الحركة الإسلامية في صراعات شبه مستدامة مع حكومات وأنظمة كل دول المنطقة تقريبًا، كما أنتج هذا الصراع السياسي والقمع الحكومي نوعًا من رد الفعل العكسي لدى بعض تنظيمات الحركة فجنحوا إلى العنف. مما أنتج لاحقًا قسمين كبيرين للحركة الإسلامية أو الإسلام الحركي، قسم عام يمارس العمل السياسي وينافس على السلطة دون اللجوء إلى العنف، وقسم عام حركي عنيف يرى في العنف وسيلة للخلاص ويعتبره جهادًا مشروعًا في سبيل الله. ومن الإنصاف أيضًا القول بأن النجاح النسبي لتجربة اللإسلام الحركي في الجانب الاجتماعي توقف إلى حد بعيد عند الجانب التعبدي وقضايا الهدي الظاهر، لكنه لم يتحول إلى ممارسة سلوكية حياتية في قلب المجتمع. انتشر الحجاب ثم تقلَّص إلى غطاء رأس ساد الأغلبية الغالبة من نساء المجتمعات العربية والمسلمة، ففي الزمن الذي انتشرت فيه مظاهر الصحوة الإسلامية استشرى كذلك الفساد بكل أنواعه في كل أركان الدول والمجتمعات، حيث أثرت الحركة في الشكل لكنها لم تحقق نجاحًا يًذكر على مستوى المضمون.[1]

فعلى التوازي من انتشار مظاهر الإسلام الحركي انتشرت ظواهر عديدة موغلة في السلبية والانحطاط مثل الإدمان والتحرش والتنمر وثقافة المهرجانات! لم يكن الإسلام الحركي بالقطع مسؤولا عن ظهورها، لكنه لم ينجح في المقابل في احتواء تفشيها. إن توقف انتشار مظاهر الإسلام الحركي عند حدود الشعائر والهدي الظاهر دون البعد الحضاري للاسلام، يؤشر إلى مؤشرين: الأول سطحية خطاب الإسلام الحركي ذاته والاكتفاء بداوائر العقيدة والعبادات والهدي الظاهر دون المساس بدائرة الأخلاق والسلوك والإنتاج الحضاري التراكمي، والثاني الاكتفاء بالعمل في المجالات التي تدفعه السلطات الحاكمة للعمل فيها دفعًا، ولو عن طريق الإيحاء بالممانعة، مما يجعل التيار الحركي يخرج منتشيًا بالانتصار الوهمي في قضية شكلية – مهمة ربما لكنها لا تمس عصب بناء مجتمع قوي وفاعل بمؤسسات أهلية صامدة وقادرة على إدارة الأزمات الحياتية -[1]

انظر أيضًا

المصادر

وصلات خارجية