أنور كامل البابا المشهور بـ أم كامل (12 أبريل1915 - 19 يناير1992)، ممثل كوردي سوري سوري من عائلة كوردية دمشقية. كان يعمل موظفًا في رئاسة الوزراء السورية، إلى جانب عمله في الإذاعة والمسرح والتلفزيون السوري. اشتهر بأدائه لدور شخصية نسائية باسم «أم كامل»[1]، وقد كانت بداية مسيرته الفنية عام 1939. عمه الخطاط الكوردي الشهير محمد حسني ،أكبر أولاده الملحن والعازف عزالدين حسني و منهم الفنانتين الكورديتين نجاة الصغيرةوسعاد حسني.[2][3]
نشأته
ولد أنور البابا في 12 نيسان/ أبريل 1915 في مدينة دمشق القديمة، في زقاق بجوار قصر العظم يقال له زقاق الحمراوي. والده كامل البابا كان يعمل خياطاً. وعمّه الخطاط العربي محمد حسني البابا والد المطربة نجاة الصغيرة والممثلة سعاد حسني.
عندما بلغ أنور البابا الرابعة أرسله والده إلى (الخجا) لتلقي علومه الأولى ثم نقله إلى الكتّاب في حي (الدقاقين) جنوب (البزوريّة) وكان مديره الشيخ بهجت منصور. كان أنور البابا ذو شخصية متميّزة وصار التلميذ الأول في الخطابة والإنشاد وقد لُقّب بالفصيح. ثم انتسب أنور البابا إلى (مدرسة الإسعاف الخيرية) وانتقل لاحقاً إلى (الكلّية العلمية الوطنية) في زقاق (بين البحرتين في البزورية)، ثم التحق (بالمدرسة الكاملية) خلف حمام نور الدين الشهيد بالبزورية، ثم انتقل منها إلى (مدرسة التطبيقات الرسمية) وحصل منها على الشهادة الابتدائية (السرتفيكا) ومنها انتقل إلى مدرسة (مكتب عنبر) تلك المدرسة التي تخرّج منه خيرة رجال سوريا.
عمل أنور البابا أثناء دراسته بائعاً متجولاً كي يساعد والده في تحمّل أعباء الأسرة كونه الولد البكر في أسرته ولكنه فشل في تعلّم مهنة الحلاقة ومهنة تلبيس المعادن. انقطع أنور البابا عن الدراسة في مكتب عنبر بعد العجز المالي لأسرته ليتفرّغ لعمله الجديد في صناعة النسيج ولم يكن الحنين إلى التمثيل ليفارقه يوماً واحداً، فكان يمارس سراً هواية التمثيل، حتى لو اضطر لأن يدفع من جيبه نفقات المسرحية كما كان يحصل مع الكثيرين من روّاد التمثيل آنذاك.
الزواج والأسرة
في أواخر الخمسينيات وفي قمّة الشهرة والمجد اقترن أنور البابا باعتدال رافع من مدينة عاليه (لبنان) وأنجب منها ابنتين: سلام ومها.
والسيدة اعتدال رافع (1937-2018) لمع اسمها في الثمانينات كصحفيّة وكاتبة ولها العديد من المجموعات القصصية الصادرة عن وزارة الثقافة في دمشق.
بداية حياته الفنيّة
ظهرت مواهب أنور البابا الفنية في (الكتّاب) وفي (سوق عكاظ)، وكان يشعر بشوق شديد للوقوف على المسرح. وقد ساعده الحظ في مكتب عنبر عندما التقى زميل عمره (الفنان أنور المرابط) الذي أشركه بالتمثيليات المدرسية التي كان مكلّفاً بإعدادها في ختام العام الدراسي.
في سنة 1937 جمعته هوايته بزملائه تيسير السعدي وعبد السلام أبو الشامات وفهد كعيكاتي وعبد الهادي الدركزللي وشرعوا بتقديم مسرحيات قصيرة في البيوت والأفراح وسهرات السّمر ونقلوا نشاطهم الفني إلى القرى والأرياف السورية لإشباع هواياتهم.
وقف الفنان أنور البابا على المسرح للمرة الأولى عندما أُعطي دوراً في (مسرحية أتاتورك) التي كتبها زميله (أنور المرابط) وشارك في التمثيل إلى جانب الأساتذة: (ممتاز الركابي، عبد اللطيف فتحي، مصطفى هلال وموفق الرملي).
وفي سنة 1938 شارك أنور البابا في (مسرحية جريمة الآباء) التي عّرضت على (مسرح سينما العباسية) القديم مع تيسير السعدي وعدنان أبو الشامات وغيرهما. وفي شهر آب/أغسطس 1938 انضم أنور البابا وزملاؤه إلى (نادي الفنون الجميلة) وهو من أعرق الأندية الفنّية في سوريا أسّسه (وصفي المالح) سنة 1930 في سوق ساروجة، واستمرّت عضويتهم فيه حتى سنة 1948 عندما أسّسوا فرقتهم الخاصة (الفرقة السورية للتمثيل والموسيقى).
وقد شارك أنور البابا في التمثيل مع فرقة أمين عطا الله كما شارك بدور صغير إلى جانب الأستاذ يوسف وهبة في (مسرحية راسبوتين).
في سنة 1938 حصل على وظيفة في رئاسة مجلس الوزراء براتب شهري قدره ٢١ ليرة سورية فقط والذي يوازي شراء أربع ليرات ذهبية آنذاك، وقد ساعده راتبه الجديد على تشكيل فرقة من الهواة سنة 1939 ضمّت نحو خمسة عشر ممثلاً والتي بدأت بمنافسة الفرق الأخرى. كانت أول المسرحيّات التي قدّمها أنور البابا مع فرقته الجديدة (مسرحية ثمن الحرية) إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية وازدياد وطأة الفرنسيين في سورية على الناس وحرياتهم الأساسية.
شاعر الأغنية والزجّال والكاتب
في سنة 1939 بدأ أنور البابا نشاطه من إذاعة دمشق الفرنسية وكان مديرها الأستاذ نشأت التغلبي وكان معه فريق يضم ثلاثة مطربين هم: رفيق شكري ونجيب السرّاج ومصطفى هلال والمطربة ماري جبران حيث كتب أنور البابا العديد من الأغاني لهؤلاء المطربين حتى أصبح شاعراً غنائياً رسمياً في الإذاعة منذ عام 1940. وقد كتب نحواً من خمسين أغنية ضاع معظمها اليوم بسبب سوء التسجيل في ذلك الوقت.
ومن الأغاني التي ألّفها أنور البابا وبقيت حتى اليوم: أغنية نور الصباح وأغنية يسعد صباحك يا بدر لنجيب السرّاج، أغنية هات المدام، وهذه دنيا القُبل، وسيري يا نوق، ومين قلك برموش العين تغرينا، ومونولوج الطلعة من ورا والنّزلة من قدّام، وعلى دلونا، وأخيراً زغرودة الوحدة التي ألّفها سنة 1958 عند قيام الجمهورية العربية المتحدة.
وقد فاز أنور البابا بالجائزة الأولى والثانية لأحسن مؤلف غنائي، مع أنه لم يكن يتقاضى أجراً عن عمله ذاك، وإنما يقوم به بدافع حبه للفنً. في سنة 1945 جمعت ندوة فنّية زجليّة أنور البابا والقصّاص الشعب (حكمت محسن) الذي كان زجالاً وجدانياً قلّ من يجاريه بزجله.
وفي سنة 1947 قدّم أنور البابا للإذاعة السورية عند افتتاحها العديد من الأزجال الغنائية.
وقد تجلّت اهتماماته الأدبية عبر مجلّة (على كيفك) الصادرة عن دار الندوة الشعبية، والتي شارك في تحريرها إلى جانب عدد من أدباء سوريا الشعبيين.
عندما تأسست الفرقة السورية 1948 كان يكتب لها المحامي عبد الهادي الدركزللي وعند توقفه عن الكتابة، بدأ أنور البابا بكتابة المونولوجات والتمثيليات للفرقة السورية سنة 1949 حتى سنة 1951 عندما انضم إليها الفنّان الشعبي حكمت محسن.
شخصيّة أم كامل
كثُر الكلام عن أصل شخصيّة أم كامل الذي اشتهر فيها أنور البابا ، لكن الخبر اليقين جاء على لسان الفنّان عبد السلام أبو الشامات الذي قال: ( حينما داهم البلاد وباء الكوليرا سنة 1947 ، نظّمت الحكومة الوطنية حملة كبيرة لتوعية الشعب ، وطلب المسؤولون من عبد الهادي الدركزللي أن يكتب للإذاعة عن هذا الموضوع، فكتب تمثيلية إذاعية بعنوان: (إصابة مشتبهة) خلاصتها أن أحد الناس ويدعى (أبو ابراهيم) وهو رجل ساذج أصيب بالكوليرا ، فلم يراجع المراكز الصحّية وآثر أن يستشير جارته الداية الشعبية التي تدعى (أم كامل)، فزوّدته بوصفه تثير الضحك لكنها تحمل الإرشادات الوقائية من ذلك المرض، فأحدثت التمثيلية إعجاباً كبيراً ، وطُلب منه الاستمرار في الكتابة).
لقد أضفى أنور البابا على شخصيّة أم كامل أبعاداً كثيرة وتقمّصها حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ منه وتشرّبها إلى درجة التوحد فيها، وجاءت خبرة القصّاص الشعبي الراحل حكمت محسن الذي تبنّى هذه الشخصية وجعلها محور أعماله، وجعل منها شيئاً ساحراً ملأ الدنيا وشغل الناس على مدى أربعين عاماً، فأصبحت أم كامل النموذج الحي للمرأة الدمشقية بما تتمتّع به من ظرف وحكمة وخبرة. ومن الجدير بالذكر أن علاقة أنور البابا بوالدته كان لها أكبر الأثر في صقل شخصية أم كامل، فبالرغم من كونها أميّة، كانت تتمتّع بشخصية متّزنة حكيمة، وحضور لافت بين أقربائها ونساء الحي اللواتي كن يجدن عندها حلولاً لمشكلاتهن.
يقول أنور البابا: (عندما كوّنا الفرقة السورية سنة 1948 وحصلت كارثة فلسطين وانتشر وباء الكوليرا أيضاً، أدخل عبد الهادي الدركزللي قضية حرب فلسطين في تمثيلياته التي كانت تذاع كل يوم ثلاثاء، فمرّة تكون أم كامل في الجبهة، وأخرى في الهلال الأحمر، وصار الناس يتداعون إلى البيوت التي توجد فيها أجهزة الراديو، وكانت قليلة، لأجل الاستماع إلى تمثيلياتنا، حتى إن السير كان يتوقف طوال فترة اذاعة التمثيليات. وعندما قدّمنا مسرحية أم كامل في الجبهة سنة 1949 شعرت أني أستطيع أن أعبّر عمّا أريده تماماً، وهو مشاركة المواطنين في ذلك الهم القومي. وقد أصدر العدو الصهيوني الحكم بالإعدام على أم كامل عبر إذاعته، وهذا يدل على دورها البارز في تلك القضية المصيرية التي وصل فيها نقدها اللاذع إلى قلب الصهاينة فأطار صوابهم. أم كامل كانت جسر التواصل بين الأجيال، وهو ما فهمه الروس عندما دعوني إلى موسكو وقلّدوني وساماً). انتشرت شخصيّة أم كامل بين 1951-1968 في الأقطار العربية المجاورة مثل لبنان والأردن ومصر، كما عُرِفت خارج الوطن العربي في روسيا وبولونيا وفرنسا والصين وغيرها. والغريب أنها عُرِفت في مصر منذ الخمسينات قبل ظهورها في السينما المصرية، وقبل ظهور التلفزيون.
أم كامل في الإذاعة والتلفزيون
كان أنور البابا من أوائل المشاركين في الإذاعة السورية منذ سنة 1947، وقد أمضى أربع سنوات من عمره حتى سنة 1951 يؤلف لنفسه حتى التقى الفنّان الكبير حكمت محسن الذي أبدع في رسم الشخصيات المناسبة لشخصية أم كامل، وبناءً على ذلك فإن الإذاعة كانت صاحبة الفضل الأكبر في شهرة أم كامل والفرقة السورية للتمثيل والموسيقى. وقد قدّم الفنان أنور البابا أعمالاً كثيرة يصعب حصرها. ومن أهم أعماله التي قدّمها للإذاعة، وكانت من تأليفه وتمثيله نذكر:
ومن أشهر أعماله الإذاعية التي كتبها القصّاص الشعبي حكمت محسن فهي: جسر البيت، حمّام الهنا، الخطّابة، السيرك العجيب، سوء تفاهم، شمّة هوا، العرضحلجي، عند الحكيم، متعب أفندي، مسرح الفكاهة، مصوّر فوتوغرافي، نوادر أهل الفن.
ومن أهم أعماله التلفزيونية:
حمام الهنا
مواقف عربية: قدّمها بشخصيّة رجل باللغة الفصحى سنة 1970
أبو جلدة (قدّمها بدور رجل)
نهاوند (بدور رجل)
لوحة شيخ الكتّاب الشهيرة وهي من تأليفه وتمثيله
الدخيل (بدور رجل)
الأيام تدور
سالم وجميلة
الأميرة الخضراء
دولاب
أم كامل في المسرح
يقول أنور البابا إن المسرح في سورية قد مرّ بثلاث مراحل هي:
مرحلة أبي خليل القباني
المرحلة التي بدأت سنة 1935 وتوّجت سنة 1948 بقيام الفرقة السورية للتمثيل والموسيقى
المرحلة التي بدأت مع قيام الوحدة سنة 1958 عندما أُحدِثَت وزارة الثقافة وتبنّت الدولة النشاط المسرحي، فأقامت مسرح الحمراء والقبّاني بدمشق، ثم ظهر المسرح القومي الذي دفع بالفن المسرحي إلى الأمام
ومن أشهر أعماله المسرحية حسب التسلسل الزمني لتاريخ العرض والتي كان يقوم فيها بدور رجل:
مسرحية أتاتورك (وهي أولى مسرحياته)
مسرحية جريمة الآباء
مسرحية راسبوتين مع الفنّان يوسف وهبه
مسرحية تاجر البندقية
مسرحية الضحيّة البريئة
مسرحية ثمن الحريّة
مسرحية أنت يلي قتلت الوحش
ومن المسرحيات التي قام بها بدور أم كامل:
مسرحية أم كامل في الجبهة
مسرحية زوجتي رقم ٢
مسرحية قسمة ونصيب
مسرحية أنا والزواج والعذاب
أم كامل في السينما
كان للسينما دور بارز في شهرة أنور البابا لأنها أوصلت اسمه وفنّه إلى بلاد بعيدة في معظم القارات، ما كان للإذاعة ولا للتلفزيون أن يصلا إليها، فقد شارك في العديد من الأفلام السينمائية السورية والمصرية، كان أوّلها:
فيلم نور وظلام سنة 1949 وهو أول فيلم روائي سوري ناطق تمّ تصويره في استوديوهات نزيه الشهبندر في باب توما إبان حرب فلسطين سنة 1948، وكانت معظم أجهزة التصوير من اختراع الشهبندر نفسه. ومن أبطال هذا الفيلم: المطرب رفيق شكري، حكمت محسن، ايفيت فغالي، عبد الهادي الدركزللي، وأنور البابا الذي ظهر بشخصية أم كامل المربيّة ذات الملاية السوداء. ومعظم هؤلاء الممثلين شاركوا بالفيلم مجاناً بدافع حب الفن. ومن المؤسف أن الفيلم اليوم في حكم المفقود تماماً.
فيلم اسماعيل ياسين للبيع سنة 1958، فيلم مصري
فيلم الأزواج والصيف سنة 1961، فيلم مصري
فيلم بنت البادية مع محمّد الكحلاوي، فيلم مصري
فيلم امرأة تسكن لوحدها مع الفنّانين دريد لحام ونهاد قلعي، فيلم سوري
فيلم دماء على الرمال
أم كامل وقيام الجمهورية العربية المتّحدة
قام أنور البابا بتأليف (زغرودة الوحدة) احتفاءً بالوحدة التي تمّت بين سورية ومصر سنة 1958 وكانت دمشق تردد مع أم كامل:
أوها وتمّت الوحدة
أوها من بعد شدّة
أوها وراح المستعمر
أوها روحة بلا ردّة
الوحدة تمّت بين مصر وسورية
وفي ذلك العهد، انطلقت أم كامل عبر وسائل الإعلام التي كانت تمتلكها الجمهورية العربية المتحدة وأهمها إذاعة (صوت العرب) التي كانت من أقوى الإذاعات العربية وأكثرها تأثيراً في الشعب العربي، وإذاعة القاهرة ودمشق و أستوديوهات القاهرة ومسارحها، فصارت شخصية أم كامل أشهر من نار على علم، وانهالت الطلبات عليها من كل مكان، ولا سيما التلفزيون اللبناني الذي كان يتمتّع بسمعة راقية وجماهيرية واسعة.
الحرب على أم كامل
إن بداية المقاطعة على شخصيّة أم كامل كانت قديمة حيث تجاهل الدكتور صباح قباني مدير عام التلفزيون بالإقليم السوري هذه الشخصيّة عندما لم يفتح لها استديوهاته ولم يوجّه لها أي دعوة للعمل. وقد ذُكر أن الدكتور القباني لم يكن مقتنعاً بفكرة هذه الشخصيّة أصلاً. ومن جهة أخرى، فقد كان منتجو المسلسلات المحليّة يستبعدون (أم كامل) بدورهم لأن بعض دول الخليج ترى في هذه الشخصيّة خروجاً عن الدين. وقد ذكر أنور البابا في ندوة بثّها التلفزيون السوري أنّه ألّف نصوصاً تدور حول شخصيّة أم كامل، فرفضها مراقبو النصوص في الإذاعة والتلفزيون، كما أن هذا الدور يشطب عادة من أي نص اذاعي أو تلفزيوني. وقد أتى رد أنور البابا على رفضه من قبل الجهات المعنية بالقول:
"أنا أومن كل الإيمان بأن أم كامل موجودة في كل بيت وستظل إن لم تكن بسلبياتها فبإيجابياتها، وإن إلغاء هذه الشخصيّة المالكة لمعطيات اجتماعية، والموجودة في جوانب شتى من المجتمع، أمّاً كانت أم جدّة فيه إجحاف كبير بحق هذه الشخصيّة. إن نظرة متفحّصة إلى أعماق البيئة الشعبية تكشف وجوداً راسخاً لنموذجها الأوّل: نرى الأم الغارقة في جهالاتها، المعارضة لسنّة تطور الحياة، ونجد الجدّة تساهم بشكل أو بآخر في عرقلة تقدّم المفاهيم، وتحاول زرع الهموم في حياة الأسرة الساعية للاقتراب من حداثة مطلوبة جداً. أمّا الوجه الإيجابي للشخصية المعنية والذي يفيد الحياة عندما تبرزه نصوص الأدب الإذاعي، فهو نموذج المرأة الشعبية الحكيمة التي صقلتها التجارب، فأصبحت على قسط واسع من المعرفة والحكمة. وأم كامل تستطيع إظهار هذا الوجه الإنساني الطافح بالمحبة، إذا تمكّن كاتب ما من فهمها ودراستها ووظّفها لخدمة المجتمع. أم كامل تُرفض نصوصها، أم كامل تُشطب حوارات خاصّة بها من النصوص، أم كامل التراث ملغاة من قائمة النماذج الواقعية، كل الوسائل تسعى لتحقيق ذلك، وعاشت الشلل والنفعيات حرة مستقلة".
محطّات متفرقة
في سنة 1961 انتقل أنور البابا بعد أن استقال من وظيفته في مجلس الوزراء إلى لبنان لتنفيذ العقود التي أبرمها مع الإذاعة والتلفزيون فيه، حيث أصبح له جمهور كبير هناك ينتظره كل مساء على شاشة التلفزيون، وبقي هناك حتى سنة 1967 ليعود ويستقر في دمشق.
في سنة 1968 توفي القصاص الشعبي حكمت محسن وحُلّت الفرقة السورية سنة 1975، فاتجه أنور البابا للعمل مع فرقة الفنّان محمود جبر المسرحية، ثمّ التحق بفرقة الإخوة قنوع حيث تُرِك له حرية رسم دوره كما يشاء، فكان يعيد كتابة الدور في كل مسرحية ليأتي منسجماً مع شخصية أم كامل التي صفق لها الجمهور في مسرح دبابيس ونجحت نجاحاً باهراً. وقد بلغ عدد المسرحيات التي شارك فيها مع الإخوة قنوع ثلاث عشرة مسرحية هي:
دبابيس
العز للرز
مجانين
أنا مو أنا
تجي نقسم القمر
صواريخ
بين حانا ومانا
أمّا ورطة
المنافيخ
هيستريا
جيل خجول جداً
ألف ضحكة وضحكة
الآخرة يا فاخرة (وهي آخر مسرحياته 1991)
في سنة 1980 عمل أنور البابا مخرجاً في إذاعة دمشق واستمر في ذلك حتى وفاته. إلى جانب ذلك كان يشارك في العديد من التمثيليات الإذاعية بدور رجل، وجمهور البرنامج الناجح (حكم العدالة) كان يعرفه جيداً من خلال دور القاضي في البرنامج المذكور. وفي سنة 1983 مثّل (بشخصية أم كامل) مع الفنّان محمود جبر في مسرحية (أنا والعذاب والزواج).
الخاتمة
في شهر تشرين الأول/ اكتوبر 1991 بدأ أنور البابا يشعر بعدم التوازن وهو يؤدي دوره في مسرحية (الآخرة يا فاخرة) على مسرح الخيّام في دمشق، ليتبيّن أنه مصاب بورم خبيث في الرأس. وفي يوم 19 كانون الثاني/ يناير سنة 1992 توفيّ أنور البابا وشيّع بموكب متواضع إلى مثواه الأخير في مقابر الباب الصغير.
المراجع الشخصية
تمّ تحرير هذه السيرة الذاتية من قبل عائلة الفنّان أنور البابا وبالاعتماد حصراً على أرشيفه الخاص وعلى كتاب الباحث أكرم حسن العلبي بعنوان "ظرفاء من دمشق" الصادر بدمشق 1996 برقم ع-483/4/ 1996 وفق تصنيف مكتبة الأسد.