أصل الماء على الأرض، أو السبب الذي جعل كمية المياه السائلة على الأرض أكبر من الموجودة على أي من الكواكب الصخرية الأخرى في المجموعة الشمسية ليس مفهوماً بالكامل، وتوجد العديد من الفرضيات التي يختلف توافقها مع بعضها بالسلب أو الإيجاب فيما يتعلق بكيفية تراكم المياه على سطح الأرض على مدى الـ 4.5 مليار سنة الماضية من عمر الكوكب منذ نشوئه بكميات كافية لتشكيل المحيطات.
و تقوم هذه الفرضية على أن المذنباتوالأجسام ما وراء النبتونية أو النيازك الغنية بالمياه (الكواكب الأولية/الكويكبات) من خارج حزام الكويكبات التي اصطدمت بالأرض قد جلبت المياه إلى المحيطات في العالم، وتشير قياسات نسبة نظائر الهيدروجين مثل الديوتيريوموالبروتيوم إلى الكويكبات، حيث تم العثور على نسبة مماثلة في شوائب الكوندريت الغنية بالكربون في مياه المحيط، في حين أن القياس السابق من تركيزات النظائر في المذنبات والأجسام ما وراء النبتونية تتوافق بشكل طفيف فقط مع مياه على الأرض.[2]
تم تسخين كويكبات كبيرة بما فيه الكفاية بواسطة تحلل نظير الألومنيوم ، وهذا سبب ظهور الماء على السطح.[3] وتشير الدراسات التي أجريت مؤخرا أن هذا الماء يحتوي نسبة مماثلة لنسبة الديوتيريوم إلى الهيدروجين المتاحة بالفعل في ذلك الوقت من تشكيل الأرض، كما ثبت في صخور «اليوكرايت» النيزكية القديمة من الكويكب المسمى فيستا.[4]
إن نشوء مياه الأرض بشكل بحت من المذنبات هو أمر غير محتمل، لأن نتيجة قياسات نسب نظائر الديوتيريوم إلى البروتيوم (D/H ratio) في المذنبات الأربعة : هاليوهيكوتيكوهيل-بوبوتشوري، من قبل الباحثين مثل ديفيد جويت، قالت إنها تقترب من ضعف النسبة في مياه المحيط. لكن ما هو غير واضح هو ما إذا كانت هذه المذنبات تماثل تلك الموجودة في حزام كايبر أم لا، ووفقا لاليساندرو موربيديللي،[5] الجزء الأكبر من المياه اليوم يأتي من الكواكب الأولية التي تشكلت في حزام الكويكبات الخارجي التي انطلقت منه نحو الأرض، كما يدل على ذلك نسب نظائر الديوتيريوم إلى البروتيوم في الكوندريت الغني بالكربون. فالماء في الكوندريت الغني بالكربون يشير إلى نفس نسب نظائر الديوتيريوم إلى البروتيوم في مياه المحيطات (D/H ratio). ومع ذلك، فقد تم اقتراح آليات[6] شير إلى أن (D/H ratio) في المياه المحيطية قد زادت بشكل ملحوظ طوال تاريخ الأرض. مثل هذا الاقتراح يتفق مع احتمال أن كمية كبيرة من الماء على الأرض كان بالفعل موجودا أثناء التطور المبكر للكوكب.
تشير القياسات الحديثة من التركيب الكيميائي لصخور القمر أن الأرض قد ولدت مع مياه موجودة عليها بالفعل. فبتحليل عينات القمر التي حملت إلى الأرض على متن بعثات أبولو 15وأبولو 17 وجدت نسبة الديوتيريوم إلى الهيدروجين التي تقابل نسبة هذه النظائر في الكوندريت الكربونية. وهذه النسبة أيضا مشابهة لتلك الموجودة في الماء على الأرض. وتشير النتائج إلى مصدر مشترك من المياه لكل الأجرام. وهذا يدعم النظرية القائلة بأن كوكب المشتري هاجر مؤقتا إلى النظام الشمسي الداخلي، فزعزع استقرار مدارات كويكبات الكوندريت الكربونية الغنية بالمياه. ونتيجة لذلك، بعض هذه الأجسام قد انطلقت لداخل المجموعة الشمسية وأصبحت جزءا من المادة الخام التي صنعت الأرض وجيرانها.[7] كما أن اكتشاف بخار الماء يتبخر خارجاً من كويكب سيريس يوفر كذلك معلومات ذات صلة على وجود الماء المجمد في حزام الكويكبات.[8]
مصادر داخلية
و تقول الفرضية بأن التسرب التدريجي للمياه المخزنة في صخور معادن الهيدرات الأرضية قد شكلت جزءا من مياهها، كما يمكن للمياه أن تأتي من البراكين كذلك : بخار الماء في الغلاف الجوي في الأماكن التي ثارت فيها البراكين تكثف لتشكيل المطر، وببطء ملأ أحواض المحيطات.[9]
ومن شأن كمية المياه التي يمكن قياسها أن تكون ضمن المواد التي شكلت الأرض. أن جزيئات الماء قد تكون بأمكانها الفرار من جاذبية الأرض بشكل أكثر سهولة عندما كانت أقل ضخامة خلال تشكيلها. ومن المتوقع بأن الهيدروجين والهليوم تسربا من الغلاف الجوي باستمرار، ولكن غياب الغازات النبيلة الأكثر كثافة في الغلاف الجوي الحالي يشير إلى أن شيئا مأساويا وقع في الغلاف الجوي في طور تكونه المبكر.
فجزء من الكوكب الشاب حديث التكون قد تعرض لضربة كبيرة كوّنت القمر، والتي كان ينبغي أن تسبب ذوبان واحدة أو اثنتين من المناطق الواسعة. لكن التشكيل الحالي لا يتطابق مع ذوبان كامل ومن الصعب أن تذوب وتخلط الكتل الصخرية الضخمة بشكل تام.[10] ومع ذلك، ينبغي أن يتبخر جزء لا بأس به من المواد بفعل هذه الصدمة، مما يكون جواً من «بخار الصخور» حول الكوكب الشاب. تكون هذا الغلاف من بخار الصخور وتكثفه ينبغي أن يكون ضمن ألفي سنة، تاركاً وراءه مواداً متطايرة ساخنة مما أدى على الأرجح لغلاف جوي ثقيل من ثاني أكسيد الكربون مع الهيدروجين وبخار الماء. و قد وجدت محيطات المياه السائلة على الرغم من أن درجة حرارة سطح الأرض حوالي 230 درجة مئوية بسبب الضغط الجوي الذي أنشأته طبقة ثاني أكسيد الكربون الثقيلة . و مع نبريد الأرض مع الوقت و الاندساس و الذوبان في مياه المحيطات إزيل معظم ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي ولكن مستوياته تأرجحت مع ظهور دورات المياه السطحية و وشاح جديد للأرض.[11]
وقد وجدت دراسة الزركون أن الماء السائل يجب أن يكون قائما منذ فترة طويلة في 4.4 مليار عام، أي في وقت قريب جدا بعد تشكيل الأرض.[12][13][14] وهذا يتطلب وجود الغلاف الجوي. و تغطي «نظرية كول للأرض المبكرة» المدى من حوالي 4.4 مليار عام إلى 4.0 مليار عام.
في الواقع، دراسات حديثة من حجارة الزركون (في خريف عام 2008) التي وجدت في المعادن صخرة من حقبة الهاديان الأسترالية تشير إلى وجود الصفائح التكتونية في وقت مبكر قبل 4 مليارات سنة. و إذا كان هذا ينطبق، تكون التصورات السابقة عن فترة الهاديان (الدهر الجهنمي) لا تزال بعيدة عن الصحة. لأنه لولا سطح مصهور ساخن وغلاف جوي كامل من ثاني أكسيد الكربون، فإن سطح الأرض يكون شبيهاً جداً بما هو عليه اليوم، عملت الصفائح التكتونية كمصائد لكميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي قضت على الاحتباس الحراري، و أدت إلى برودة درجة حرارة السطح لأبرد من ذلك بكثير، وتم تشكيل الصخور الصلبة، وربما حتى الحياة.[15]
في وقت مبكر من ثلاثينات القرن العشرين، اكتشفت كورنيليس فان نيل أن البكتيريا ذاتية [ التغذية الكيميائية] تعتمد على الكبريتيد (بكتيريا الكبريت الأرجوانية) فهي تثبت الكربون وتخرج المياه كمنتج ثانوي عن التمثيل الضوئي باستخدام كبريتيد الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون:[17]
CO2+2H2S→CH2O+H2O+2S
قليل من الكائنات الحديثة تستخدم هذه الطريقة في عملية التمثيل الضوئي، مما يجعل مساهمة مياههم ضئيلة. ولكن على الأرض المبكرة الغنية بالهيدروجين والكبريتيد (كبريتيد الهيدروجين) و الفقيرة بالأوكسجين، قد تم تصنيع جزء صغير لكنه مهم من مياه الأرض كيميائيا من خلال هذا المسار.