الأراضي العُشبيّة أو أرض المراعي[1] هي موائل طبيعية مُنبسطة تُهيمن عليها الأعشاب (النجيليات) وأنواعٌ أُخرى من العُطريّات (النباتات اللامتخشبة)، وبعض أنواع السعادىوالأسليات. توجد الأراضي العُشبِيّة في جميع القارّات عَدا القارَة القُطبيّة الجَنوبيّة. تُهيمنُ أنواعًا من العُشب الباقي المُعَمّر على الأراضي العُشبيِّة المُعتدلة، كتلك الموجودة في شمال غرب أوروبا، وفي السهول الكبرىوكاليفورنيا في أمريكا الشمالية، أما في المناطق الأكثرَ دِفئًا فتُهَيمنُ عليها أنواعًا مَوسِميّة تتأثّر بتغيّر الطقس.[2]
يُمكِن العُثور على الأراضي العُشبِيّة في جميع المناطق البيئية على سطح الأرض، وهناك خمسة تصنيفات للبيئة الأرضيّة، عبارة عن فُرُوع من هذه الأراضي، المجموعة في نظامٍ بيئيّ يُعرف باسم النظام البيئي السهليّ، الذي يُشكِلُ أحد الممالك البيئية على الأرض.
النبات
يَترَاوح طول النَباتات النَامية في الأراضي العُشبِيّة من تِلك القَصيرَة جدًا، كما في الأراضي ذات الطبيعَة الصَخرِيَة الطَبشورِيّة، حيثُ يَقِلّ طول النَبَاتات النَامية فيها عن 30 سنتيمترًا (12 إنش)، إلى تِلك الطويلة كما في حالة المُروج الأمريكية الشَماليّة وسُهُول أمريكا الجنوبيةوسڤناءأفريقيا.
يُمكِن العُثور على بَعض أنواع النباتات المُتخشبة، أو الشُجيراتوالأشجار، في بَعض الأراضي العُشبيّة، فَتُشَكّل بهذًا موائلاً طبيعيَةً أُخرى، من شاكلة السڤناء والأراضي العُشبيّة ذات الجُنيبات والأراضي العُشبِيّة شبه الحرجيّة، وأَبرَز مِثال على ذلك السڤناء الأفريقية والدهيسة الأيبيرية. يُعرَفُ هذا النوع منَ الأراضي العُشبيّة أحيَانًا باسم المَراعي الحُرجيّة أو الأحراج.[3]
تنمو الأعشاب، بِصِفتها نبَاتاتٍ مُزهرَة، في المَناطق والمُناخات التي تَتَراوح نِسبَة الأمطار فيها بين 500 و900 ميليمتر (بين 20 و35 إنش).[2] تُشكّل جُذور الأعشاب المُعمرة النابتة في الأراضي العُشبِيّة حصائر مُعَقَدَة تُمسك التُربة وتُثبتها.
تطوّر ونُشوء الأراضي العُشبيّة
أدّى بُروز السلاسل الجَبَليّة في غربيّ الولايات المُتحدة خِلالَ العَصرين الثلثي الأوسط أو الميوسيني، والحديث القريب أو الپليوسيني، مُنذ ما يَقرب من 25 سنة، أدّى إلى ظهور مُناخ قَاريّ مُلائم لتطوّر الأعشاب، وغير مُناسبٍ بالمرّة لاستمرار الغابات، وبناءً على هذا أخَذت الغابات تتضائل وتنحسر، وتُفسِح المَجال أمام انتشار الأعشاب، التي استَمرّت توسّع نِطاقها شيئًا فشيئًا. بعد انتهاء العصور الجليديةللعصر الحديث الأقرب أو الپلستوسيني، وَسّعت الأعشاب نِطاقها أكثر فأكثر، وخاصةً في المناطق الأكثر حرًا وجَفافًا، وأخذت أراضيها تُصبح منظرًا طبيعيًا مألوفًا في جَميع أنحاء العالم.[3]
المُناخ
تَنتشرُ الأراضي العُشبيّة عادةً في المناطق التي يَتَراوح مُعدّل أمطارِها بين 250 و900 مليمتر (بين 9.8 و35 إنشًا) في السنة، مُقارنةً مع الصَحاري التي تتلقى أقل من 250 مليمتر (9.8 إنشات) سنويًا، والغابات المَطيرة الاستوائية التي تتلقى أكثرَ من 2,000 مليمتر (79 إنشًا) في السنة.[3] تتواجد الأراضي العُشبيّة المُلائمة للاستيطان البَشري في المناطق ذات النصيب الأكبر من نسبة المُتساقطات، أي تِلك التي يَصلُ مُعدّل الأمطار فيها إلى 200 سنتيمتر (79 إنشًا) في السنة. يُمكن للأراضي العُشبيّة أن تنتشرَ في المناطق ذات الأمطار الغزيرة بِحال كانت هناك عوامل أُخرى تُعيق نُموّ الغابات، كالتربة المُتَعَرجة ذات الأملاح المُعيقة نموّ أغلب أنواع النبات. تتراوح درجات الحرارة اليوميّة في الأراضي العُشبيّة بين −20 و30 °مئوية،[4] وتتميز الأراضي العُشبيّة المُعتدلة بصيفٍ دافئ وشتاءٍ باردٍ مُمطر تتساقط خلاله بعض الثلوج أحيانًا.
التنوع الأحيائي والانحفاظ
تُهيمنُ التجمّعات النَباتيّة اللامُتفرقة على الأراضي العُشبيّة، المَعرُوفة بهذه الحالة باسم «الأراضي غير المُستصلحة»، وتُشكّل الموئل الطبيعي أو «شبه الطبيعي» الأكثر شيوعًا في البَطحاء. تُعتبر مُعظم الأراضي العُشبيّة في المُناخات المُعتدلة موائلاً «شبه طبيعية»، فعلى الرُغم من أنَ نباتاتها تنمو بشكلٍ طبيعي، فإن صيانتها والحِفاظ عليها رهنٌ بالنشاطات البَشريّة، إذ أنَّ أغلبها يُشَكّل مراعٍ للماشية أو أراضٍ زراعية صغيرة، وبتعبيرٍ آخر، تبقى هذه الأراضي أراضٍ عُشبيّة، لكنها لا تُعدّ موائلاً طبيعية تامّة بِسبب نشاط الإنسان فيها، ولو كان محدودًا. تأوي هَذه الأراضي أنواعًا عِدّة من النباتات، من شاكلة الأعشابوالسعادىوالأسلياتوالعطريّات، وبَعضُ من هذه الأراضي - المُتقلّصة - يأوي أنواعًا نادرة من الأزهار والوُرود، ومِثال ذلك بَعض المروج المُنخفضة في المملكة المتحدة. تستوطن الأراضي العُشبيّة «العذراء» طائفةٌ واسعة من اللافقاريات؛ كذلك هناك عدّة أنواع من الطيور التي تُصنّف على أنها «اختصاصيّة» في هذا النوع من البيئات الطبيعية، ومنها الشقنب والحُبارى الكبيرة. أما الأراضي العُشبيّة المُستصلحة للزراعة، والتي تُهيمنُ على أراضي الدول الزراعية وبالأخص الكُبرى منها، فَفَقيرةٌ بالنباتات البريّة بسبب إزالة أغلَبها من قِبل المُزارعين كي لا تُنافس المَحاصيل على الغذاء، ولافساح المجال أمام مزيدٍ من المزروعات، وفي هذه الأراضي تنمو بضعة أنواعٍ بريّة مُتفرقة مثل الزوان المُعمّروالنفل الأبيض. تُعدّ الأراضي العُشبيّة غير المُستصلحة في كثيرٍ من الدول موائلاً طبيعيةً مُهددة بالاندثار، وهدفًا مُغريًا لِجمعيّات الحفاظ على الحياة البريّة التي تُحاول تشجيع الحكومات أو مُلاّك هذه الأراضي على صيانتها والحِفاظ عليها.
التأثير البشريّ والأهميّة الاقتصادية
الأراضي العُشبيّة ضَروريّةٌ لتَربيَة المَاشية في الدول المُنتجَة للُحوموالألبَانوالأجبَان، فالأبقارُوالأغناموالمِعزى تُنتِجُ حليبًا ولحمًا أفضل وأعلى جودَة عِندما تتغذّى على العُشب البَرّي النَضر. تستمرُ نباتات الأراضي العُشبيّة مُهَيمنة في بَعض المَناطق دون الأخرى بِسبب رعي المَاشية المُستَمر في تِلكَ المَواقع، وأيضًا بسبب التَحطيب، والحَرائق الطَبيعيَّة أو المُفتَعَلة، الأمر الذي يُسهم في تَراجع نِسبة الأشجار والشُجيرات النَامية، والقَضاء عليها في مَهدِها وهي ما زالت شتلاتٍ صغيرة. يُمكن العُثور على بَعض أعظم وأكبر الأراضي العُشبيّة في العالم في السڤناء الأفريقية، وهذِه يُحافظ على شكلها وصٍفتها كأراضٍ عُشبيّة بفضل رعيّ العواشب البريّة الكُبرى المتنوعّة وماشية الرُعاة الرُحّل، لأرضها على الدوام.
يُمكن للأراضي العُشبيّة أن تَنشأ وتتكوّن بشكلٍ طبيعيّ، أو بِفعل النَشاط البشريّ، ويُطلقُ على هذه التي تكوّنت بِفعل النَشاط الأخير «مراعٍ بشريّة» أو «أراضٍ عُشبيّة بشريّة». كانت القبائل البشريّة البدائيّة، وما زال بعضُها القليل حاليًا، يُضرِم النار عمدًا بينَ الفينَة والأخرى في الأراضي العُشبيّة ليُحافظَ عليها كما هي ويُعيق نموّ الغابات، ويُوسّع مداها، وليَمنع امتداد نِطاق الأشجّار غير مُتحمّلة الحرائق، التي من شأنها أن تُهدد سلامَة الإنسان. يُعتَقدُ أنَّ مُروجالإقليم الأوسط الشمالي الشرقي من الولايات المتحدة امتدَت شرقًا ناحيةَ ولايات إلينويوإندياناوأوهايو بِفعل هَكذا مُمارساتٍ بشريّة اتّبعها الأمريكيّون الأصليّون قديمًا. نَشأت مُعظم الأراضي العُشبيّة في شمال غرب أوروبا بعد نهاية العصر الحجري الحديث، عندما أخذ البشر يُزيلونَ الغابات لإنشاء مراعٍ مؤاتية لتربية المواشي.
أنواع الأراضي العُشبيّة (البيئات)
الإستوائيّة وشبه الاستوائيّة
تُصَنّفُ هذه الأراضي العُشبيَّة مع السڤناءات وأراضي الأشجار القمئية الاستوائيّة وشبه الاستوائيّة، ضمن البئية السهليّة الاستوائيّة وشبه الاستوائيّة. مِن أبرز الأمثلة على هذا النَوع من الأراضي العُشبيّة سهول «اليانوس» (بالإسبانية: Los Llanos) في أمريكا الجنوبية.
الأراضي العُشبيّة الفَيضيّة هي تلك البَطحاء التي تفيض موسميًا أو طيلَة أيّام السنة، مثل أراضي الأڤرگلايدز في فلوريدا، والپانتنال في البرازيل وبوليڤياوالپاراغواي، وأراضي إبرا في الأرجنتين. تُصنّف هذه الأراضي مع السڤناءات الفيضيَّة ضمن بيئة السهول الفَيضيَّة، ويُمكن العُثور عليها غالبًا في المَناطق الاستوائيّة وشبه الاستوائيّة. كذلك هُناك نوعٌ من الأراضي الفَيضيّة يُعرف باسم المُروج المائيّة، وهي تلك المُروج التي يُغرِقها البشر بالماء لفتراتٍ وجيزة من العام.
الجَبليّة
تَقعُ هذه الأراضي العُشبيّة في مناطقَ مُرتَفِعة، وعلى سلاسل جَبليّة شاهقةٍ حول العالم، ومن أمثلتها الپارامو في جبال الأنديز. تُصنّف هذه الأراضي في بيئة السهول الجبَليّة، ويُمكنها أن تُشكّل تندرة في بعض الأحيان.
التندَريّة
هذا النوعُ من الأراضي العُشبيّة شبيهٌ بوضعه الأراضي الجبَليّة، فتنمو فيها أنواعٌ من الإعشاب القُطبيّة، غير أنَّ رُطوبة التُربة العاليَة تجعلُ منَ العسير نموِّها بأعداد كبيرَة، وبالتالي فإنَّ الأراضي العُشبيَّة التندريّة المُعاصرة لا تُهيمن عليها الأعشاب كما باقي أنواع الأراضي العُشبيَّة، غيرَ أنَّ هذا لم يَكن الحال دومًا، فخِلال العصور الجليديّة الپلستوسينية، سادَ نوعٌ من الأراضي العُشبيَّة على النصف الشمالي من الكُرة الأرضيَّة عُرَف باسم السهوب التندريّة، أو سهوب التندرة. تُشكّلُ هذه الأراضي جزءًا من البيئة السهليّة التندريّة.
الصحراويّة والجافَّة
تُدعى أيضًا الأراضي العُشبيَّة الصحراويَّة، أو سهول الصحارى، وهي تتكوّن من بيئاتٍ سهليّةٍ مُبعثرة تُصنّف مع البيئة السهليّة الصحراويَّة.
الثروة الحيوانية
تؤمِّنُ الأراضي العُشبيَّة مسكنًا للعديد من أشكَال الحياة، فالسوسويرقات الحشراتوالديدان الاسطوانيةوديدان الأرض تَقطُن عُمقَ تُربَتها، التي تَمتَد حتى 6 أمتار (20 قدمًا) نزولاً عن السطح في البطحَاء العذراء، وتُشكّلُ إحدى أكثرٍ تُربات العالم خصبًا. تقوم هذه اللافقاريّات بالإضافة للفطريّات التكافليّة بتمديد جذور النبَاتات، وتفكيك التُربة القاسية، وتخصيبها بالبولة وغيرٍها من المُسمِّدات الطبيعيّة، كما تحجزُ المياه والأملاح المعدنيَّة داخلها، وتَحثُ على الإنبات.[5] تُساعد بعض أنواع الفِطر على جعل النباتات أكثر مُقاومةً لهجوم الحشراتوالمكروبات.
تستوطنُ الأراضي العُشبيَّة بكافَة أنواعها طائفةٌ واسعةٌ من الثديياتوالزواحفوالطيور والحشرات. ومن الثدييات الضخمة النَمَطيَّة التي تُربَط غالبًا بالأراضي العُشبيَّة: النو الأزرق، والبيسون الأمريكي، والنامل العملاق، والحصان البرّي المغولي المعروف أيضًا باسم حصان شيڤالسكي. يُلاحظ أنه على الرُغم من كون الأراضي العُشبيَّة مُستوطنة من قِبل حشودٍ هائلةٍ من الحيوانات، غير أنَّ السڤناء الأفريقيَّة تحتلُّ الصدارة بينَ كُل أنواع البَطحاء من حيث إيوائها لأعظم تنوّعات الحياة البريَّة.[6]
هُناك بَعضُ الأدلّة التي تُشير إلى أن الأراضي العُشبيّة تتكوّن بِفعل تحركات الحيوانات قاطنتها، وسلوكها؛[7] ومن أبرَز الأمثلة على ذلك الهجرات المَوسِميّة العُظمى لِقُطعان الظباء في أفريقيا، التي تَتَسبب بدهس وتحطيم الكثير من النباتات الصغيرَة، وإقدام فيلة السڤناء الأفريقية على الاقتيات على شتلات السنطوالطلح قبلَ أن يَتسنَّى للنبتة النموَّ حتى تُصبحَ شجرةً بالغة.
^نجم الدين بدر الدين البخاري (2007)، معجم المصطلحات الجغرافية (بالعربية والإنجليزية) (ط. 1)، عَمَّان: كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع، ص. ١٢، QID:Q119351316