حكمُ المنيَّةِ في البريَّةِ جار | | ما هذه الدُّنيا بدارِ قرارِ |
بينا يُرى الإنسانُ فيها مُخبراً | | حتَّى يُرى خبراً من الأَخبارِ |
طُبِعَتْ على كَدَرٍ وأنت تريدها | | صفواً من الأقذاءِ والأكدارِ |
ومكلِّفُ الأيَّامِ ضدَّ طباعها | | متطلِّبٌ في الماءِ جَذوةَ نارِ |
وإذا رجوتَ المستحيلَ فإنَّما | | تبني الرجاءَ على شفيرٍ هـارِ |
فالعيشُ نومٌ والمنيَّةُ يقظةٌ | | والمرءُ بينهما خيالٌ سارِ |
فاقْضوا مآربكم عِجالاً إنَّما | | أعمارُكم سَفَرٌ من الأسفارِ |
وتراكضوا خيلَ الشبابِ وبادروا | | أن تُسْتَرَدَّ فإنَّهنَّ عَوارِ |
فالدهر يخدع بالمنى ويُغِصَّ إن | | هَنَّا ويهدم ما بنى ببَوارِ |
ليس الزمانُ وإن حرصتَ مسالماً | | خُلُقُ الزمانِ عداوَةُ الأحرارِ |
إنِّي وُتِرْتُ بصارمٍ ذي رَوْنَقٍ | | أعددتُه لطلابةِ الأوتارِ |
أُثني عليه بأثرِهِ ولو أنَّهُ | | لو يُغْتَبَط أثنيتُ بالآثارِ |
يا كوكباً ما كانَ أقصرَ عمرَهُ | | وكذا تكون كواكبُ الأسحارِ |
وهلالَ أيَّامٍ مضى لم يستدرْ | | بدراً ولم يُمْهَلْ لوقتِ سِرارِ |
عَجِلَ الخُسوفُ عليه قبل أوانِهِ | | فغطَّاهُ قبل مَظِنَّةِ الإبدارِ |
واستُلَّ من لأقرانِهِ ولداتِهِ | | كالمُقلَةِ استُلَّتْ من الأشفارِ |
فكأنَّ قلبي قبرُهُ وكأنَّهُ | | في طيِّهِ سِرٌ من الأسرارِ |
إنْ تَحْتَقِرْ صغراً فربَّ مُفخَّمٍ | | يبدو ضئيلَ الشخص للنُّظَّارِ |
إنَّ الكواكبَ في علوِّ محلِّها | | لَتُرى صِغاراً وهي غيرُ صغارِ |
وَلَدُ المعزَّى بعضُهُ فإذا مضى | | بعضُ الفتى فالكلُّ في الآثارِ |
أبكيهِ ثمَّ أقولُ معتذراً لهُ | | وُفِّقْتَ حينَ تركتَ ألأم دارِ |
جاورتُ أعدائي وجاورَ ربَّهُ | | شتَّانَ بين جوارهِ وجواري |
أشكو بعادك لي وأنت بموضعٍ | | لولا الرَّدى لسمعتَ فيه سِراري |
ما الشرقُ نحو الغرب أبعدَ شُقَّةً | | من بُعد تلك الخمسةِ الأشبارِ |
هيهاتَ قد علِقتكَ أسبابُ الرَّدى | | وأبادَ عمرَك قاصمُ الأعمارِ |
ولقد جريتَ كما جريتُ لغايةٍ | | فبلغتَها وأبوكَ في المِضمارِ |
فإذا نطقتُ فأنتَ أوَّلُ مَنطقي | | وإذا سكتُّ فأنت في إضماري |
أُخفي من البُرَحاءِ ناراً مثلَ ما | | يُخفي من النارِ الزنادُ الواري |
وأُخفِّضُ الزَّفَراتِ وهي صواعدٌ | | وأُكفكفُ العَبَراتِ وهي جَوارِ |
وأكُفُّ نيرانَ الأسر ولربَّما | | غُلِبَ التصبُّرُ فارتمتْ بشَرارِ |
وشهاب زَند الحزن إن طاوعتهُ | | وارٍ وإن عاصيتهُ متوارِ |
ثوبُ الرئاءِ يشِفُّ عمَّا تحتهُ | | فإذا التحفتَ بهِ فإنَّكَ عارِ |
قصُرَتْ جفوني أم تباعد بينها | | أمْ صُوِّرَتْ عيني بلا أشفارِ |
جَفَتِ الكرى حتَّى كأنَّ غِرارهُ | | عند اغتماضِ الطرف حدُّ غِرارِ |
ولوِ استعارتْ رقدةً لدحا بها | | ما بين أجفاني من التيَّارِ |
أُحيي ليالي التِّمِّ وهي تُميتُني | | ويُميتهنَّ تبلُّجُ الأسحارِ |
والصبحُ قد غمرَ النجومَ كأنَّهُ | | سيلٌ كما فطفا على النُوَّارِ |
لو كنتَ تُمنعُ خاض دونك فتيةٌ | | منَّا بُحُرَ عواملٍ وشِفارِ |
فدَحَوْا فُويقَ الأرضِ أرضاً من دمٍ | | ثمَّ انثنَوا فبنَوا سماء غُبارِ |
قومٌ إِذا لبسوا الدروع حسبتَها | | سُحُباً مُزَرَّرةً على أقمارِ |
وترى سيوفَ الدارعينَ كأنَّها | | خُلُجٌ تُمَدُّ بها أكفُّ بحارِ |
لو أشرعوا أيمانهم من طولها | | طعنوا بها عِوَضَ القنا الخطَّارِ |
شُوسٌ إِذا عدِموا الوغى انتجعوا لها | | في كلِّ آنٍ نُجعَةَ الأمطارِ |
جنبوا الجيادَ إلى المطيِّ فراوحوا | | بين السروج هـناك والأكوارِ |
وكأنَّهم ملأوا عِيابَ دروعهمْ | | وغُمودَ أنصُلِهم سرابَ قفارِ |
وكأنَّما صَنَعُ السوابغِ غَرَّهُ | | ماءُ الحديدِ فصاغَ ماءَ قَرارِ |
زَرَداً وأحكم كلَّ مَوْصِلِ حلقةٍ | | بحَبابةٍ في موضع المسمارِ |
فتدرَّعوا بمتون ماءٍ راكدٍ | | وتقنَّعوا بحَباب ماءٍ جارِ |
أُسْدٌ ولكن يؤثرون بزادهمْ | | والأُسدُ ليس تدين بالإيثارِ |
يتعطَّفونَ على المُجاورِ فيهمُ | | بالمُنْفِسات تعطُّفَ الآظارِ |
يتزيَّنُ النادي بحُسن وجوههمْ | | كتزيُّنِ الهالات بالأقمارِ |
من كلِّ مَن جعل الظُّبى أنصارَهُ | | وكَرُمْنَ فاستغنى عنِ الأنصارِ |
والليثُ إن ساورْتَهُ لم يَتِّكِل | | إلاَّ على الأنيابِ والأظفارِ |
وإذا هو اعتقل القناةَ حسبتَها | | صِلاًّ تأبَّطَهُ هـِزَبْرٌ ضارِ |
زَرَدُ الدِّلاصِ من الطِّعان برمحهِ | | مثل الأساور في يد الإسوارِ |
ويجرُّ ثمَّ يجرُّ صعدَةَ رمحِهِ | | في الجحفلِ المتضايقِ الجرَّارِ |
ما بين ثوبٍ بالدماء مُضَمَّخٍ | | خَلَقٍ ونقعٍ بالطِّراد مُثارِ |
والهُونُ في ظِلِّ الهُوَيْنا كامنٌ | | وجلالةُ الأخطارِ في الإخطارِ |
تندى أسِرَّةُ وجههِ ويمينهُ | | في حالةِ الإعسارِ والإيسارِ |
يحوي المعاليَ خالِباً أو غالباً | | أَبداً يُدارى دونها ويُداري |
ويمدُّ نحو المكرُماتِ أناملاً | | للرزقِ في أثنائهنَّ مجارِ |
قد لاحَ في ليل الشباب كواكبٌ | | إن أُمهلتْ آلتْ إلى الإسفارِ |
وتلَهُّبُ الأحشاءِ شيَّبَ مَفْرقي | | هذا الضياءُ شُواظُ تلك النارِ |
شابَ القَذالُ وكلُّ غصنٍ صائرٌ | | فَينانهُ الأحوى إلى الأزهارِ |
والشبه منجذبٌ فلِمْ بيضُ الدُّمى | | عن بيضِ مفرقهِ ذواتُ نفارِ |
وتوَدُّ لو جعلتْ سوادَ قلوبها | | وسوادَ أعينها خِضابَ عِذاري |
لا تنفر الظَّبيات منهُ فقد رأت | | كيف اختلافُ النبت في الأطوارِ |
شيئان ينقشعان أوَّلَ وهلةٍ | | ظلُّ الشباب وصُحبةُ الأشرارِ |
لا حبَّذا الشيبُ الوفيُّ وحبَّذا | | شرخُ الشبابِ الخائنِ الغدَّارِ |
وَطَري من الدُّنيا الشباب ورَوقهُ | | فإذا انقضى فقد انقضتْ أوطاري |
قَصُرَتْ مسافتُهُ وما حسناتُهُ | | عندي ولا آلاؤُهُ بقصارِ |
نزداد هـمًّا كلَّما ازددنا غنًى | | فالفقر كلُّ الفقرِ في الإكثارِ |
ما زاد فوق الزادِ خُلِّفَ ضائعاً | | في حادثٍ أو وارثٍ أو عارِ |
إنِّي لأرحم حاسدِيَّ لحرِّ ما | | ضمَّت صدورهمُ من الأوغارِ |
نظروا صنيع الله بي فعيونُهمْ | | في جنَّةٍ وقلوبهم في نارِ |
لا ذنبَ لي قد رمتُ كتمَ فضائلي | | فكأنَّني بَرْقَعْتُ وجهَ نهارِ |
وسترتها بتواضعي فتطلَّعَت | | أعناقها تعلو على الأستارِ |
ومن الرجال مجاهلٌ ومعالمٌ | | ومن النجوم غوامضٌ ودراري |
والناسُ مشتبهون في إيرادهمْ | | وتباينُ الأقوام في الإصدارِ |
عَمْري لقد أوطأتُهم طُرُقَ العُلى | | فعمُوا ولم يطأوا على آثاري |
لو أبصروا بعيونهم لاستبصروا | | لكنَّها عميتْ عن الإبصارِ |
أَلا سعَوا سعيَ الكرام فأدركوا | | أو سلّموا لمواقع الأقدارِ |
ذهبَ التكرُّمُ والوفاءُ من الوَرَى | | وتصرَّما إلاَّ من الأشعارِ |
وفشتْ جنايات الثقات وغيرهمْ | | حتَّى اتَّهمنا رؤيةَ الأبصارِ |
ولربَّما اعتضد الحليمُ بجاهلٍ | | لا خير في يُمنى بغير يسارِ |
لِلَّهِ دُرُّ النائِباتِ فَإِنَّها | | صَدأُ اللِئامِ وَصيقل الأَحرار |