المعنى أن الأمر النفسيّ بشيء معينٍ ووقته مضيّق (يتضمّن) أي يستلزمُ عقلاً النّهيَ عن الموجود من أضدادهِ، وإلى هذا ذهب أكثرُ أصحاب الإمام مالك، واحداً كان الضّدّ كضدّ السكون أي التحرّك، أو أكثرَ كضدّ القيام، أي القعود وغيرُه.
وقوله: (أوْ هو نفسُ النّهيِ عنْ أنْدادِ):
يعني أن الأمر النفسيَّ بشيء معيّن ووقته مضيَّق قيل: إنه هو نفس النهي عن أندادهِ، أي أضداد ذلك الشيءِ، وهو قول الأشعريِّ والقاضي وجُمْهورِ المتكلّمين وفحولِ النُّظَّار. وأوْ لتنويع الخلافِ،.
ومفهوم قوله: (بِمَا تعيَّنَــــــــا ) أيْ بشيء معينٍ: أن المخيّرَ فيه بين أشياءَ ليس الأمرُ فيه بالنّظر إلى مصدقه نهياً عن ضدّه منها ولا مستلزماً له اتفاقاً،
واحترز بقوله: (ووقته مضيّق) عن الموسَّع فيه فلا يُنهَى عن ضده.
أنِبْ إذا مَا سرُّ حكمٍ قد جرى
بهـــــا كسَــــدِّ غَلَّةٍ للفُقرا
يعني أن النيابة تجوز وتصح إذا حصل بها أي بالنيابة سرُّ الحكم، أيْ مصلحته التي شُرع لها، سواءٌ كان الحكمُ ماليّاً كالزكاة فتجوز النيابة فيها لحصول سرّ الحكمِ الذي شُرعتْ له، وهو سَدُّ خَلّة الفقراء، قال ناظم نضار المختصر معدّدا مستحبات الزكاة:
والاستِنابةُ بها وقد تَجِبْ، (أي أَنَّ الِاسْتِنَابَةَ فِي تَفْرِقَةِ الزَّكَاةِ تُسْتَحَبُّ وَيُكْرَهُ أَنْ يَلِيَهَا بِنَفْسِهِ خَوْفَ الْمَحْمَدَةِ وَالثَّنَاءِ، وَعَمَلُ السِّرِّ أَفْضَلُ، وَقَدْ تَجِبُ الِاسْتِنَابَةُ عَلَى مَنْ تَحَقَّقَ وُقُوعُ الرِّيَاءِ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ الْجَاهِلُ بِأَحْكَامِهَا وَمَصْرِفِهَا).
أو كان الحكمُ بدنيّا كالحجِّ، إلاّ لمانعٍ من سرّ الحكمِ بأن كان لا يحصلُ بالنيابة كالصلاة، لأنّ السرّ في مشروعيّتها الخضوع والتذلّلُ لله وذلك لا يحصلُ بالنيابة،
وليسَ مَنْ أمرَ بالأمرِ أمَرْ
لثالثٍ إلاّ كما في ابنِ عُمَرْ
وقال في شرحه:
يعني أنّ من أمر شخصا ثالثاً بشيءٍ لا يسمّى أمراً لذلك الشخص الثالثِ، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: '( «مروهم بالصلاة لسبعٍ واضربوهم عليها لِعشْرٍ»)' فإنه ليس أمراً للصّبيان إلّا أن ينُصّ الآمِر على ذلك، أو تقومَ قرينةٌ على أنّ الثانيَ مُبلِّغٌ عن الآمِر الأوّل، فالثالثُ مأمور إجماعاً، كما في حديث ابن عمر الثابت في الصحيحين أنّه طلّق زوجته وهي حائضٌ فذكره عمرُ للنبي عليه السلامُ فقال: «مُرْهُ فليُراجعْها» )، والقرينة الدالّة على أنّ رسولَ الله عليه السلامُ آمرٌ لابنِ عمر دخولُ لامِ الأمرِ في قوله: (فليُراجعها)، ومجيءُ الحديثِ بلفظ: (فأمره أن يُراجعَها).
وأما أمرُ الشارع للصّبيانِ بالمندوبات بواسطة أوليائهم فمستنَدُهُ الحديث المرويُّ في شأنِ الخثعميّة، وهو قولها للنبيّ عليه السلام: (يا رسول الله أَلِهذا حجٌّ؟)- تشيرُ إلى صبيّ في حِجرها - قال: «نعمْ ولكِ أجرٌ»، وليس مستندُه حديثَ: «مروهم بالصلاة لسبعٍ···»،
ولذا قال في المراقي: - عقب البيت السابق-:
والأمرُ للصّبيان نَدْبُه نُمي
لِما رووْهُ من حديثِ خثْعَمِ
مراجع
^ مقدمة محقق نثر الورود شرح مراقي السعود للشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي بتحقيق علي بن محمد العمران، جزء 1 صفحة 9
^مقدمة محقق نثر الورود شرح مراقي السعود للشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي بتحقيق علي بن محمد العمران، جزء 1 صفحة 10 قسم التحقيق