تعدّ الغرابيات أكثر فصائل الطيور ذكاءً على الإطلاق، بل إنها تعدّ واحدة من أكثر الحيوانات ذكاء أيضاً،[7][8] إذ أنها أظهرت دلائل وإشارات على وعي وإدراك الذات خلال تجارب عرضها على نفسها أمام المرايا (في حالة العقعق الأوروبي) وقدرة على صنع الأدوات (في حالات الغربان وغربان القيظ)،[9] وهي مهارات كانت تعدّ حتى وقت قريب عصية على الحيوانات ما عدى البشر وبعض الثدييات العليا الأخرى القليلة. كما تُعادل نسبة حجم الدماغ إلى الجسم الإجمالية عند الغرابيات تلك التي عندَ الحيتانياتوالقردة العليا، وهي بذلك لا تقل سوى قليلاً عن النسبة عند البشر.[10]
تتراوح أحجام هذه الطيور عُموماً من المُتوسطة إلى الكبيرة مقارنة بالطيور الأخرى، وهي مُزودة بأقدام ومناقير قوية وبريش خشن تستبدله مرة واحدة في العام (مع أن معظم العاصافير الأخرى تبدله مرتين في العالم). تعيش الغرابيات في جميع أنحاء العالم عدى عن جزء من أمريكا الجنوبية والقطبين المتجمِّدين،[11] وأغلب أنواعها تقطن المناطق المدارية في أمريكا الوسطىوالجنوبيةوجنوب آسياوأوراسيا، فيما تتوزع أقل من 10 أنواع متبقية منها على أفريقياوأسترالياوأمريكا الشمالية.
الغرابيات هي عصافير يَتراوح حجمها من كبيرة إلى كبيرة جداً ببنية صلبة وأرجل قويَّة، وجميع أنواعها ما عدى قيق الصنوبر تملك منخراً مغطى بريش خشن.[13] تملك العديد من الغرابيات التي تقطن المناطق المُعتدلة ريشاً ملوناً بأحد اللونين الأسود أو الأزرق بشكل أساسي، لكن مع ذلك فإن بعضها ملون بالأسود والأبيض، وبعضها الآخر يَملك تقزحاً لونياً أزرقاً بنفسجياً، فيما تتميز العديد من الأنواع المدارية بألوان زاهية. عموماً كلا جنسي الغرابيات مُتشابهان جداً في الهيئة والحجم، وهما يَملكان مناقير قوية وعرض جناحين كبيراً. تضم فصيلة الغرابيات أكبر الطيور على الإطلاق في رتبة العصافير.
أصغر طير في فصيلة الغرابيات هو القيق القزم، إذ يبلغ طوله 21.5 سنتيمراً ووزنه 40 غراماً فحسب. أما أكبر طيورها فهما الغداف الشائعوالغداف كبير المنقار، إذ أن كليهما عادة ما يَتجاوزان طول 65 سم ووزن 1,400 غ.
يُمكن التعرف على أنواع الغرابيات المُختلفة عن طريق وسائل عديدة منها الحجم والشكل والانتشار الجغرافيّ، لكن مع ذلك فبعضها مثل الغراب الأستراليوالقيق الأوراسي أفضل ما يُمكن أن يٌُتعرَّف عليها به هو صوتها الأجش ونداءاتها المُثيرة للضجَّة.[14][15]
الخواص الأحيائية
البيئة
تقطن الغرابيات في مُعظم أنواع المناخ حول العالم. مُعظم أنواعها مُقيمة ولا توجد أي أنواع منها مُهاجرة بشكل ملحوظ (أي لا تُهاجر كثيراً أو لا تهاجر لمسافات كبيرة)، لكن مع ذلك فعندَ حدوث نقص حاد في الطعام يُمكن أحياناً أن تحدث هجرات فجائية لا تحدث في الأوضاع الطبيعية.[14]
أحد أسباب نجاح الغربان بيولوجياً إذ ما قورنت معَ الغداف هو قدرتها على جعل مناطق تكاثرها مُتداخلة، فخلال موسم التزاوج تسمح اللغربان بتداخل مناطق تزاوجها أكثر بست مرات مما يَسمح به الغداف (والمقصود بهذا هو المَسافة التي تُترك بين كل عش وعش، فبعض أنواع الحيوانات تعدّ نظائرها من نفس النوع مُنافسين لها وتحرص على أن تبعدهم عن منطقتها)، وقد سمحَ تداخل مناطق التعشيش هذا بازدياد في أعداد الطيور المحلية من الغربان ومنحها نجاحاً أكبر.[16]
الغذاء
العديد من الغرابيات هي حيوانات قارتة، إذ يَتألف غذاؤها الطبيعيُّ من اللافقاريات وفراخ الطيوروالثدييات الصغيرة وجيف الحيوانات الميتةوالفواكهوالبذور. لكن مع ذلك فقد تكيفت بعض الغرابيات - وبشكل خاص الغربان - على ظروف الحياة في التجمعات السكانية البشرية، وأصبحت تعتمد على الأطعمة البشرية الحديثة كمصدر للغذاء. أظهرت إحدى الدراسات الأمريكية التي شملت طيور الغراب الأمريكيوالغداف الشائعوالقيق طويل العرف حول المناطق المأهولة بالسكان أن الغربان تملك الغذاء الأكثر تنوعاً من بينها جميعاً، حيث تتغذى على العديد من الأطعمة البشرية مثلَ الخبزوالمعكرونةوالبطاطس المقلية والسندويتشات وأطعمة الكلابوالدواجن. كما أن التوفر الكبير لمثل هذه الأطعمة قد ساهمَ في زيادة أعداد بعض أنواع الغربان أحياناً.[16]
تفترس بعض الغرابيَّات الطيور الأخرى، مثل القيق الأوراسي الذي يَعتمد خلال موسم التزاوج على افتراس صغار الطيور.[17] وخلال شهور فصل الشتاء الباردة تشكل الغرابيات نموذجياً أسراباً تجول بحثاً عن العلف للتغذي عليه،[14] لكن مع ذلك فيُمكن في المقابل أن تأكل بعض أنواعها العديد من أنواع الآفات الزراعية مثل الديدان السلكيَّةوالجنادبوالأعشاب الضارة.[18] كما تأكل بعض الأنواع الأخرى الجيف، وبما أنها تفتقر إلى منقار مُتكيف لتمزيق اللحم فإنها تنتظر حتى تأتي حيوانات أخرى وتفتح الجيف.
بما أن الغربان لا تأبه لوُجود التجمعات البشرية الحديثة بقرب مناطق سكنها، فقد اُعتقدَ أن ازدياد أعداد الغربان ربَّما يَتسبَّبُ بازدياد معدلات افتراس أعشاش الطيور الأخرى التي تعتمدها الغربان كغذاء لها. لكن مع ذلك فإن القيق طويل العرف (وهو مع أنه ناجح بيولوجياً كالغربان فإنه يَقطن بعيداً عن التجمعات البشرية) يعتمد أيضاً وبشكل أكبر على اصطياد الطيور الصغيرة من أعشاشها للحُصول على الغذاء هو الآخر، بل وأكثر مما تفعل الغربان، ولذلك فنظرياً لم تتسبَّب العلاقة بين البشر والغربان أو الغداف بزيادة ملحوظة في معدلات مهاجمة أعشاش الطيور، أو على الأقل لم تؤثر على الطيور بشكل ملحوظ إذ ما قورنت بأمور أخرى كتدمير المواطن الطبيعيَّة.[16]