يعود تاريخ العلاقات الفرنسية الروسية إلى الحقبة الحديثة المبكرة.
وفقًا لنتائج إحصائية أجراها مركز بيو للأبحاث في العام 2017، فإن نسبة 36% من الشعب الفرنسي لديهم صورة إيجابية عن روسيا، في حين عبّر 62% من الشعب عن آراء سلبية تجاه روسيا.[1] في استطلاع رأي في العام 2018 نشره مركز أبحاث الرأي العام الروسي يظهر أن 81% من الشعب الروسي لديهم صورة إيجابية عن فرنسا، بينما عبر 19% عن مواقف سلبية تجاهها.[2]
تاريخ
للعلاقات الروسية-الفرنسية تاريخ طويل. في منتصف القرن الحادي عشر، أصبحت آنا ابنة ياروسلاف الحكيم ملكة فرنسا وتزوجت بهنري الأول. بعد وفاة هنري، حكمت آنا فرنسا بشكل فعلي عندما تسلّمت منصب الوصي على العرش، لابن هنري ملك فرنسا التالي، فيليب الأول.
حال كلّ من التجزئة الإقطاعية التي قامت في القرن الثاني عشر في روسيا، والغزو التتاري-المنغولي في القرن الثالث عشر حال دون قيام علاقات روسية-فرنسية دائمة في ذلك الوقت. في العام 1413، زار الفارس والسياسي والدبلوماسي الفليمنكي غلبير دي لانوي زار فيليكي نوفغورود وبكسوف، اللذين اشتركا في حرب فرسان التيوتون على بولندا، وذكر وصفًا للبلدان الروسية في أسفاره وبعثاته الدبلوماسية (1399 – 1450).
نظرًا لأن الدولة الروسية المركزية التي تأسست في القرنين الخامس عشر والسادس عشر كانت على الدوام في حالة مواجهة دبلوماسية وعسكرية مع الكومنولث، فقد وُجد جزء معتبر من النخبة الحاكمة التي ركزت بشكل تقليدي على فرنسا، ولكن الحكام الكاثوليك في فرنسا طالما حاولوا تجنب إقامة اتصالات دبلوماسية مباشرة مع موسكو.
ظهر الاهتمام المباشر بروسيا في فرنسا بعد نشر كتاب المرتزق الهوغونوتي جاك مارغيريه «حالة الدولة الروسية ودوقية موسكو العظمى»، الكتاب الذي استقى منه المؤرخ المشهور جاك أوغوس دي تو في معلوماته في كتاب «تأريخ عصره» (1620).
في العام 1615، قُبل وفد إيفان كونديريف في بلاط الملك لويس الثالث عشر، ولكن آل به الحال إلى الفشل، ومع ذلك فقد وضع أساسات للعلاقات الدبلوماسية بين روسيا وفرنسا.
في صيف العام 1688، سافر وفد روسي من إسبانيا إلى فرنسا، ترأسه المفوض بي بوتيمكين، والتقى بالملك لويس الرابع عشر وكولبير وناقشا إقامة علاقات تجارية متبادلة ترتدّ بالنفع على البلدين.
ظهر أول كيان تمثيلي دبلوماسي روسي في فرنسا في العام 1702 بقرار من بطرس الأول الذي كان يسعى لعقد تحالف مع لويس الرابع عشر بسبب التقارب الذي حصل بين إنجلترا والسويد. مثّلت زيارة أجراها بطرس الأول بنفسه إلى فرنسا في العام 1717 مثلت نقطة البداية في إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، لم تنقطع سوى بنشوب الثورة الفرنسية.
انطلاقًا من القلق بشأن هيمنة الألمان في بلاط الإمبراطورة آنا إيونوفا (1730 – 1740)، دعمت الدبلوماسية الفرنسية بشكل فعال انقلابًا في البلاط في العام 1741، نُصّبت على إثره إليزابيث بيتروفنا، التي أظهرت منذ شبابها ميلًا واضحًا إلى فرنسا وملكها لويس الخامس عشر، الذي حصلت محاولة فاشلة للزواج بينهما. أدى الماركيز دو لا شيتاردي دورًا فاعلًا، إذ خدم كمبعوث دبلوماسي في البلاط الروسي بين الأعوام 1739 – 1744. على كل حال، بعد مساعٍ للمستشار بيستوجيف، الحليف المقرب من دو لا شاتيرادي، فقد خسر الكونت لويستوك مكانته في العام 1748 مجللًا بالعار، وضعف تأثير الحزب المناصر لفرنسا بشكل ملحوظ.
القرن الثامن عشر
يعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية الفرنسية-الروسية إلى العام 1702 على أقل تقدير، عندما كان لفرنسا سفير (جان-كاسيمير بالوز) في موسكو.[3] بعد انتصار روسيا على السويد في حرب الشمال العظمى من العام 1700 حتى العام 1721، وتأسيس سان بطرسبرغ كعاصمة روسيا الجديدة في العام 1712، وإعلان بطرس الأكبر عن قيام الإمبراطورية الروسية في العام 1721، أصبحت روسيا لاعبًا رئيسيًا في شؤون أوروبا الغربية لأول مرة. ضمِن البعد الجغرافي بين فرنسا وروسيا أن مناطق نفوذهما لن تتقاطع إلا فيما ندر. عند انخراطهما في الحرب، ندر ما وقع قتال مشترك بين جنود البلدين كحلفاء، أو قتال مباشر بينهما كأعداء في نفس ساحة المعركة. رغم ذلك، أدت كلّ منهما دورًا مهمًا في ميزان القوى الأوروبي. قاتلت القوات المسلحة لكلا البلدين في جوانب متحاربة في حرب الخلافة البولندية 1733-1738، وحرب الخلافة النمساوية 1740-1748؛ وتحالفا ضد بروسيا خلال حرب السنوات السبع 1756-1763.
القرن التاسع عشر
أدت روسيا دورًا مركبًا في الحروب النابليونية. اشتركت روسيا في القتال ضد فرنسا ضمن حرب التحالف الثاني. عند تقلّد نابليون بونابارت (الذي عُرف فيما بعد باسم الإمبراطور نابليون الأول) مقاليد السلطة في العام 1799، حافظت روسيا على عداوتها لفرنسا، وخاضت ضدها حروب التحالف الثالث والرابع، اللتان انتصرت بهما فرنسا، وشهدتا توسع فرنسا في وسط أوروبا. نتج عن هذا قيام دولة بولندا المدعومة فرنسيًا، ودوقية وارسو في العام 1807، التي مثلت تهديدًا لروسيا وسببت توترات أفضت إلى الغزو الفرنسي لروسيا في العام 1812. شكّل ذلك هزيمة كبرى لفرنسا ونقطة تحول في الحروب النابليونية، نجم عنها سقوط بونابرت واستعادة ملكية آل بوربون. أدت روسيا دورًا رئيسيًا في هزيمة نابليون في العام 1814. في مؤتمر فيينا في الأعوام 1814-1815، قامت روسيا بدور دبلوماسي كبير كقائدة للقوى المحافظة والمناهضة للثورة. تناغم هذا تمامًا مع اتجاه آل بوربون الذين حكموا فرنسا مرة أخرى. كانت روسيا مهيمنة على الوفاق الأوروبي المحافظ الذي سعى للقضاء على الثورة.
أظهرت روسيا عداءها مرة أخرى لثورات الربيع الأوروبي التي اندلعت في أرجاء أوروبا في العام 1848، والتي جاءت بلويس نابليون بونابارت (الذي عُرف لاحقًا باسم الإمبراطور نابليون الثالث) على رأس السلطة في فرنسا. انتهج نابليون الثالث «سياسة القوميات»، أو الدعم للثورات القومية في الدول ذات القوميات المتعددة، مثل الإمبراطورية النمساوية-المجرية، والإمبراطورية العثمانية، وهو ما عارضه بشدة النظام القيصري في روسيا. أدت تحديات فرنسا للنفوذ الروسي إلى انخراط فرنسا في حرب القرم التي شهدت غزو القوات الفرنسية لشبه جزيرة القرم. انتهت الحرب بهزيمة روسيا.
سعى الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث جاهدًا إلى التوصل إلى تفاهم ودّي مع روسيا، ونجح في تحقيق ذلك عبر توقيع معاهدة سرية في مارس من العام 1859. تذكر المعاهدة في بندها الأول: «في حال نشوب حرب بين إقليم بييمونتي وفرنسا من جهة ضد النمسا من جهة أخرى، فعلى الإمبراطور أليكساندر، منذ لحظة إعلان الحرب، تبنّي موقف سياسي وعسكري يظهر بشكل لا لبس فيه الحياد الإيجابي تجاه فرنسا».[4]
يذكر إيه جيه بي تايلور بأن معاهدة العام 1859، «كانت نصرًا لنابليون؛ وبفضلها تحقق تحرير إيطاليا. على كل حال، عند نشوب التمرد في بولندا في العام 1863، أرسلت فرنسا سلسلة رسائل إلى روسيا تطالبها بالإصلاحات، وأنهت الاتفاق الودي للعام 1859. في بروسيا، انتهج أوتو فون بيسمارك موقفًا وديًا تجاه روسيا وبولندا في مسائل أخرى، وحرص أنه في حال اندلعت الحرب بين فرنسا والدول الجرمانية في العام 1870، بأن روسيا ستقف على الحياد، مثلها مثل أي قوة أخرى».[5][6]
في القرن التاسع عشر، نحت السياسة الخارجية للإمبراطورية الروسية منحىً معاديًا لفرنسا الجمهورية وشديد التأييد لألمانيا.
^A.J.P. Taylor, The struggle for mastery in Europe, 1848-1918 (1954) p 106
^see B. H. Sumner "The Secret Franco-Russian Treaty of 3 March 1859" English Historical Review 48#189 (1933), pp. 65-83 online; John Knox Stevens, "The Franco-Russian Treaty of 1859: New Light and New Thoughts." The Historian 28#2 (1966): 203-223. online Quoting page 221. نسخة محفوظة 10 يوليو 2019 على موقع واي باك مشين.
^Taylor,The struggle for mastery in Europe, 1848-1918 (1954), 206-7.