الحياة الاقتصادية لليهود في الخليج العربي خلال الفترة الممتدة من 1876 إلى 1909 تشكل فصلًا هامًا في تاريخ المنطقة، حيث لعب اليهود دورًا بارزًا في النشاط التجاري والاقتصادي. تميزت هذه الفترة بازدهار التجارة وتوسع العلاقات التجارية بين دول الخليج العربي والعديد من دول العالم، وكان لليهود مساهمات كبيرة في هذا الازدهار.[1]
المقدمة
اعتمد النشاط الاقتصادي لسكان الخليج العربي بشكل عام والطوائف اليهودية بشكل خاص على النشاط التجاري حيث كانت منطقة الخليج العربي محط أنظار الكثير من التجار الأجانب وخاصة اليهود منهم ولقد ساعدهم على هذا الحرية التامة التي منحتها إياهم السلطات المحلية في الخليج العربي في جميع الأنشطة الاقتصادية وساعد على ذلك أيضا تدخل القوة الاستعمارية بشكل كبير وخاصة بريطانيا حيث وفرت لهم الحماية الكاملة لاتساع أنشطتهم الاقتصادية.[2]
البحرين
فإذا نظرنا للبحرين نجد أنها عاشت نشاطا تجاريا مزدهرة في القرن التاسع عشر والقرن ال20 حيث عرفت الطائفة اليهودية في البحرين بإتقانهم لمجال التجارة حتى نجد ارتباط كلمة تاجر بكلمة يهودي في تلك الفترة وربما يرجع ازدهار التجارة في البحرين إلى انخفاض في الرسوم الجمركية مقارنة بالمناطق الأخرى في الخليج العربي منذ أن فرضت في عام 1860 ميلادية حيث كانت لا تتجاوز ال4% و زادت إلى 5% عام 1898 ميلادية.[3]
وكانت من أهم الأنشطة التجارية في البحرين تجارة اللؤلؤ لكونها مركزا للغوص واستخراج اللؤلؤ حيث كان اللؤلؤ يستخرج من مياه الخليج العربي ومن ثم يشترى تجار اللؤلؤ المحليين " الطواويش" ويبيعونها للهند وأوروبا حيث نجد قيمة الواردات إلى البحرين قد بلغت 23,400,000 روبية أما الصادرات فقد بلغت 20,400,000 روبية ودخل مينائها أيضا 65 مركب محملة بالبضائع.
قيمة صادرات اللؤلؤ المصدر من البحرين ما بين عامي 1990-1909
العام
القيمة
1900
264114
1901
475341
1902
566374
1903
685020
1904
699200
1905
1079600
1906
1129266
1907
826616
1908
868666
1909
782666
كانت صادرات البحرين من اللؤلؤ تتجه فترة طويلة إلى الهند ولكن قل ذلك خاصة بعد دخول عدد من التجار الفرنسيين إلى البحرين لشراء اللؤلؤ من البحرين مباشرة بأقل سعر بدلا من شرائه من الهند بسعر مرتفع لذلك ارتفعت صادرات البحرين من اللؤلؤ بشكل ملحوظ منذ بداية عام 1905 ميلادية حيث أصبحت قيمة اللؤلؤ المصدر إلى فرنسا في زيادة فيما بين عامي 1909 و1910.
قيمة صادرات اللؤلؤ من البحرين بالروبية الهندية ما بين عامي 1907 و1910
السنة
الهند
فرنسا
1907-1908
12.050.000
305.000
1908-1909
4.230.000
1.300.000
1909-1910
6.990.000
4.000.000
يتضح من الجدول السابق أن تجارة اللؤلؤ في البحرين أخذت اتجاهين وهما الهند وفرنسا ويرجع الفضل في سبب ارتفاع سعر اللؤلؤ المصدر لفرنسا إلى بعض التجار اليهود الفرنسيين الذين جاؤوا إلى البحرين وعقدوا شراكات وصفقات لشراء اللؤلؤ سواء من التجار المحليين أو من مناطق أخرى ومن هؤلاء التاجر اليهودي الفرنسي فيكتور روزنتال وأخيه ويليام روزنتال وألبرت حبيب و سولومون باك حيث استمروا كل المجيء إلى منطقة الخليج العربي وخاصة البحرين.[4]
وظهرت في البحرين أيضا محلات الصرافة والعملات المالية حيث مارس أثرياء اليهود التجارة في العملات المالية واستبدالها من روبية هندية وأقران فارسي وريال ماريا تيريزا النمساوي والعملات العثمانية والجنيه الإسترليني حيث استحوذ يهود البحرين على تلك التجارة لفترة طويلة منهم عزرة حسقيل والكثير من أبناء الطائفة اليهودية.[5]
وكان منهم من يعمل في بيع العطور وكان لهم محلات خاصة لذلك في العاصمة المنامة ومنهم من عمل في بيع وشراء المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة وكانت هذه من المهن القديمة التي عمل فيها اليهود وترجع إلى ما قبل دخول الإسلام حيث برع اليهود في استخراج الذهب والفضة من الزري العتيق وكان إبراهيم نونو يقوم بشراء الزري العتيق ويلف به في الأسواق مناديا "زري عتيق" حتى أصبح بعد ذلك أحد أثرياء اليهود في البحرين.[6]
عملت أغلبية الطائفة اليهودية في البحرين في تجارة الأقمشة حيث عملت الطبقتين المتوسطة والفقيرة في هذه التجارة وتنوعت صور هذا النشاط من استيراد وبيع الأقمشة والملابس واستخدامهم في تصنيع المفروشات والستائر وتفصيل العباءات للجنسين وكان من أشهر الأسر اليهودية التي عملت في هذه التجارة أسرت يعقوب كوهين و خضوري حوكي وصهيون رحاميم وإبراهيم إسحاق سوير وغيرهم من الأسر حيث مارس بعضهم العمل كباعة متجولين في الشوارع يحملون الأقمشة والملابس لبيعها حتى سمي منهم "بارق" وهي نسبة لمن يحملون البضائع في سلة على ظهورهم مليئة بالأقمشة والملابس ويزورون المنازل لبيعها.
وتاجر يهود البحرين أيضا في الأخشاب وتصديرها للعراق وتاجروا في السلاح حيث أتوا بتجار من اليهود الأجانب في منطقة الخليج العربي للتعلم منهم وكان منهم ساسون التاجر اليهودي الذي أتى للبحرين من مدينة مانشستر بإنجلترا حيث أحضر معه بعض عينات من بضاعته ونجح في فتح مجال للتعامل ما بين البحرين وتجارها المحليين من يهود وغيرهم وبين شركاته.[7]
عمان
وإذا نظرنا إلى التجارة اليهودية في القرن التاسع عشر في عمان نجد أنها مرت بفترة ازدهار واستقرار ويرجع ذلك استقرار الأوضاع في حكم السلطان سعيد بن سلطان حيث تميزت بالحركة التجارية النشطة في مدن عمان الثلاثة مسقط ومطرح وصحار وتميزت أيضا بإنخفاض في الرسوم الجمركية بالإضافة لذلك وجود ميناء تجاري كبير في عمان وخاصة أن موقعها يعتبر في مفترق الطرق بين الخليج العربي والبحر الأحمر إلى الهند وأفريقيا.[8]
اعتبرت مدينة مطرح أكبر المدن العمانية تجاريا وكانت بمثابة نقطة انطلاق للقوافل والمسافرين من التجار ومحطة استقبال لهم وكان بها نشاط مزدهر مما شجع اليهود على الاستقرار فيها كما تأتي مدينة صحار في المستوى الثاني بعد مسقط ومطرح من الأهمية التجارية في عمان حيث كانت تربطها تجارة مع الموانئ الفارسية والهندية وكانت أيضا العاصمة السابقة لعمان.
وعرف اليهود في عمان بصناعة الطوب المحروق حيث استخدم هذا الطوب في بناء الكثير من المباني ففي عمان وخاصة صحار حيث تم استخدامه في بناء المساج والصحون والمقابر ومن هذه المقابر مقبرة يهودية ضمت 200 قبرا يهوديا فيها.
وعرف اليهود أيضا باهتمامهم بالزراعة وتصنيع الخمور والمشروبات المسكرة والمعاملات المالية وتجارة الأقمشة حيث استمر اليهود في تصنيعها واحتكروا تجارتها في بعض المناطق وخاصة مدينة مسقط.
وقد برع اليهود في بيع وشراء وإصلاح المعادن الثمينة حيث تركز نشاطهم في المعادن الثمينة وخاصة بصناعة الفضة حتى عرف عنهم أنهم الذين أنشئوا الصناعات الفضية في عمان ولكن يرجع ذلك إلى سيطرة الهنود البانيان جميع الأنشطة الاقتصادية التجارية في ذلك الوقت.
برز التجار اليهود الأجانب في أنشطتهم الاقتصادية منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن ال20 ومنها تجارة السلاح والذخيرة وكان من أشهر تاجر السلاح تاجر فرنسي يدعى أنطوان جوجييه حيث افتتح شركة لتجارة السلاح في مسقط وكان يقوم بتوزيعها على مناطق الخليج العربي حتى وفاته عام 1907 ووجد أيضا أحد تجار اليهود كان يأتي من البصرة إلى مسقط يتعامل مع وكالات تجارة السلاح وكانت إحدى هذه الوكالات وكالة يوسف الزواوي وكان يوجد أيضا تاجر يهودي يسمى منشي وهو يهودي فرنسي عمل في تجارة السلاح صاحب شركة لويس دييو الفرنسية حيث قام بزيارة مسقط وكلف أحد التجار بتشغيل وإدارة أعماله وكان ينقل الأسلحة والذخيرة من مسقط إلى مطرح.
الإحساء
بينما اشتهرت التجارة اليهودية في الإحساء بزراع بزراعة وتصدير التمور إلى شبه الجزيرة العربية حيث اعتبرت التمور من أهم السلع التي تنتجها الإحساء وكانت تنتج ما يقارب 51,000 طن تقريبا فنجد امتلاك بعض أثرياء اليهود بساتين النخيل في مدينة الهفوف وكان أشهرهم بستان اليهودي الذي يقع في المنطقة الحارة القريبة من الهفوف.[9]
وفي عام 1878 تم إنشاء مصنع لإنتاج بعض أغراض الجنود العثمانيين وكان من المساهمين لإنشاء هذا المصنع الثري اليهودي داوود بن صالح شنطوب وقد تم بنائه على بناية لمسيحي يسمى ألتون تقع في حي الكوت بالهفوف كما قام أحد اليهود ببناء مخزن تجاري كبير حيث قيل أنه تم بناء هذا المخزن على مجموعة من الدكاكين بلغ عددها 20 دكانا بالقرب من قيصرية الهفوف وكان قد اشتراها في عام 1899 من داوود بن صالح بالاشتراك مع عبد الله جلبي إبراهيم ووجد أيضا مخزن في سوق القيصرية قام ببنائه يهودي ويرجع تشييده إلى عام 1862 سمي المخزن بخار أو حفيز وتم بيعه فيما بعد إلى تاجر مسلم يدعى عبد الله عيسى بوحليقة الذي إشتغل فيه حتى وفاته وتم تأجيره بعد وفاته.
وقد ارتبط أغلب اليهود في الإحساء بالسلطة المحلية في عدة مناصب اقتصادية تجارية كان منها أمانة صندوق لواء الإحساء حيث تعاقب عليه ثلاثة من اليهود كان أولهم يعقوب أفندي ما بين عامي 1878 و1879 وداوود بن شنطوب ما بين عامي 1879 و1894 وأخيرا هارون أفندي من 1895 إلى 1896 كما استخدمت اللغة العبرية في تدوين دفتر يوميات الصندوق وكان الغرض منها منع أي موظف آخر من مراجعة أو تدقيق حسابات الصندوق.
وتعتبر الإحساء من أهم المناطق ذات الأهمية الاقتصادية في منطقة الخليج العربي حيث اعتبرت مستودعا لتجارة نجد الخارجية عبر مينائها العقير والقطيف حيث كان يغادر ميناء العقير ما يتراوح بين ميتين إلى 300 جمل إلى داخل نجد أسبوعيا كما أقيم فيها أيضا عدة صناعات أخرى مثل صناعة الأواني النحاسية وإصلاح وشراء وبيع المعادن الثقيلة كما مارسوا أيضا الإقراض بالربا وبفوائد ومارسوا الصرافة وتحويل الأموال.
كما برز اليهود في الإحساء أيضا في تجارة الأقمشة من تصدير واستيراد وتم تصنيع العباءات للرجال المشالح والبشوت وهي التي اشتهرت بخياطتها الإحساء وكان من تجارها صالح اليهودي الذي عاش فيها 40 عاما كما اشتغلوا أيضا بالمهن المحلية البسيطة مثل صناعة الحلي بكل أنواعه.
الكويت
ولقد تميز يهود الكويت بالذكاء التجاري حيث انتشرت جميع الجاليات اليهودية في جميع الأسواق الكويتية ومن ثم أصبح لهم قوة اقتصادية تجارية واضحة في المنطقة.
وعملت شريحة كبيرة من تجار اليهود في الكويت في الأقمشة شماطا وهي السلعة أو المنتج المطلوب دائما والغير قابل للتلف أو العطب السريع حيث كان التجار اليهود المحليين يستوردون معظم الأقمشة من الهند والبعض الآخر من المكسيك حيث كان يتجه نصف هذه الأقمشة إلى البصرة.
ويوجد في الكويت سوقا يسمى بسوق اليهود يوجد به ما يقارب من 44 دكانا كما يوجد أيضا سوق الآخر يسمى شرق سوق التجار بناه أحد كبار تجار الأقمشة يدعى سيد خليل القطان عام 1895 حيث اكتسب هذا السوق شهرة واسعة وكان من أكبر الأسواق القديمة في ذلك الوقت وخاصة بعد قيامه بشراء الكرك التابع لمحمد إبراهيم جمال وبعض المنازل المحيطة لهذا الكرك وبين بدلا منها قيصرية ضمت محلات تجارية بلغت 40 محلا أو دكانا كان معظم المستأجرين لهم من التجار اليهود البائعين للأقمشة ويغلق هذا السوق يوم السبت من كل أسبوع.
كما امتلك بعض من اليهود في مدينة حولي بالكويت مزارع حفروا بها آبارا حيث كان بعضهم يحملون الماء على ظهور الحمير من مزرعة أحد تجار اليهود وهناك بعض الوثائق التي تؤكد مدى القوة المالية لليهود وتملكهم للأراضي والبيع والشراء لها وكان من هذه الوثائق وثيقة كتبت على يد قاضي الكويت في ذلك الوقت محمد بن عبد الله العدساني المحررة بتاريخ 28 صفر 1317 للهجرة الموافق 7-7-1899م ميلادية والتي بينت لنا عملية لبيع عقار ترجع ملكيته إلى عبد الرحمن بن سليمان الجناعي قام بشرائها يعقوب بنيامين اليهودي وقد بلغت قيمة العقار 1200 ريال فرنسي.
وإن هذا المبلغ الذي تم ذكره كان ضخما بالنسبة لتاريخ كتابته آنذاك وهو 22-1-1899م وهذا يوضح مدى الثراء الذي وصل له هذا اليهود بشكل خاص ويهود الكويت بشكل عام خاصة وأنه وجلى وثيقة أخرى لنفس اليهودي أنه قام ببيع دكان يقع في سوق يسمى سوق التجار حيث قبض مبلغا تم تقديره ب240 ريال فرنسي.
لقد عمل يهود الكويت في مجالات لم تعرف من قبل حيث قاموا بإنشاء أول مصنع للثلج في بداية القرن ال20 على ساحل البحر بجوار جامع آل خليفة وتم إنشائه على يد التجار اليهود صالح ساسون محلب وبدأ الإنتاج فيه عام 1912 حيث أقبل عليه الكثير لشراء منتجاته ولقد قام صالح أيضا بإنشاء معمل لطحن الحبوب في عام 1907 وأيضا جاء بمجموعة من مكان للخياطة وقام بتوزيعها للخياطين مقابل بمبلغ وأتى أيضا بماكينة لفصل القشر عن الأرز.
وهناك أيضا بعض من يهود الكويت عملوا في مجال تخزين البضائع بجانب السلع القابلة للتخزين حيث كانوا ينتظرون الوقت الذي تشرح فيه تلك السلع من الأسواق ثم يقومون بعرضها في السوق بمقابل مادي أعلى من سعرها الأصلي.
ولقد اشتهر أحد تجار اليهود في الكويت ويدعى يحيى الأفغاني بشراء جلود الأغنام وتصديرها للخارج حيث كان يتعامل مع عدد من التجار لشراء الجلود بأسعار مختلفة على حسب اختلاف جودة ولون ونعومة الجلد وقد تراوح سعره ما بين خمسة إلى 15 روبية وكان يجمعها في المعمل الخاص به ويقوم بعض الأشخاص ب دبغ الجلود وتنظيفها وتغليفها وعلى كل 100 قطعة 25 روبية.
وعمل بعض أبناء اليهود في المشاريع الصغيرة مثل إنشاء المقاهي حيث وجد مقهى لليهود في سوق الكويت ومقهى أبو ناشي في السوق الداخلي للكويت كما أقاموا حمامات عامة في فريج الشيوخ بالقرب من الكنيس اليهودي سمي بحمام اليهود وعمل أيضا يهود الكويت في الحرف اليدوية مثل إصلاحهم للأحذية وتنظيفها في الأسواق.
اليمن
وإذا نظرنا للحياة الاقتصادية في اليمن نجد أن يهود اليمن سيطروا على الحياة الاقتصادية وخاصة المهن الحرفية وجميع الأنشطة اليدوية حيث قاموا باحتكار صناعة الحلي والأسلحة التقليدية من خناجر وسيوف وصناعات جلدية وأعمال النجارة والحياكة والتطريز أعمال البناء وغيرها من الحرف اليدوية لذلك لم يستطع المجتمع اليمني الاستغناء عن الخدمات التي يقدمها اليهود.
وكذلك عرف يهود اليمن في صياغة الذهب والفضة حيث قاموا بتصنيع الفضة والذهب الرقيق منهما والثقيل من عقول وأساور "بلادك" وخواتم "مداور" وحليا للأذنين والساعدين والمعصم والأرجل وكانا يستخدم قطعة حديد دائرية الشكل لصنع المحابس أو الخواتم حيث كانت نساء تتزين بهما يستخدم أيضا في زينة الأسلحة والسروج واللجام وقد قام يهود اليمن أيضا بصك النقود وهي من أكثر المهن مسؤولية وخطورة وكان يقوم بها صياغة الفضيات ولقد عين أئمة اليمن لهم بعض من الصياغة اليهود للقيام بمثل هذه المهنة ومنهم يعقوب سفير ويحيى هاليفي الذين كانوا يتواجدان أسبوعا كاملا بالقرب من الحاكم باستثناء يوم السبت حيث يرجعون إلى أحيائهم اليهودية حيث كان عمل تلك الصناعة يتم في سرية تامة وغير متاح دخول أي أفراد لمكان العمل.
وقد تمثل خطورة هذه المهنة في أنها تضع الصاغ موضع اتهام إذا تم اكتشاف أي تلاعب في صك العملة ومقدارها حيث ذكر حبشوش في كتابه رؤية اليمن إنه تلاعب مجموعة من اليهود في سكب الفضة ومن ثم قامت السلطات بجمع كل الصيام ووضعهم في السجن بتهمة الغش وحكم عليهم بغرامة مالية مقدارها 2200 ريال لذلك قام الصياغ بوضع ختم الخليفة على النقول بالإضافة إلى اسم الصائغ لتفادي أي عقاب جماعي مثلما حدث سابقا استمر يهود اليمن في عملهم في هذه المهنة حتى فترة حكم الإمام يحيى 1904 إلى 1911 الذي اعتمد على اليهود اعتمادا تاما في هذه المهنة.
إشتغل يهود اليمن أيضا في مهنة الحدادة حيث قاموا بتصنيع وتصليح الأسلحة وتزيين أخماص البنادق والمسدسات ويتم بيعها على أنها آثار وصنعوا أيضا الدروع والسيوف والخناجر وأقفال النوافذ ولكن سرعان ما أخذت هذه المهنة تنتقل إلى العرب شيئا فشيئا ويرجع السبب في ذلك إلى المتاعب والمشاق التي عانوها لحصولهم على الخشب بسبب المعارك ما بين الإمام يحيى ضد الدولة العثمانية من أجل تثبيته في الحكم.
امتلك يهود اليمن ورشات صغيرة يقومون فيها بتصنيع الأدوات الزراعية من فؤوس ومن اجل وسكك المحراث الحديدية ولم يكن يتقاضون مالا مقابل هذه الأدوات بل تقاضوا القمح والدجاج والبيض.
عرف يهود اليمن النجار وخاصة نجارة النوافذ والأبواب حيث تكونت النافذة من جزئين وهما جزء سفلي وجزء علوي والذي صنع من الزجاج الملون الثابت الذي لا يفتح وعرفوا أيضا بصناعة العقود التي رسموا عليها زخارف عديدة بالزجاج الملون الذي يعكس أشعة الشمس كما هو الحال في عقود فندق دار الحمد بصنعاء وما زالت مدينة صنعاء تحتفظ بهذه الصناعة.
وكانت هناك شروطا واتفاقات بين كل من النجار وأصحاب المصالح وعلى النجار الالتزام بكافة شروط التصنيع والتصليح ويتضح ذلك من وثيقة جاءت في شخص يدعى إبراهيم العروسي كان يعمل نجارا في مقاطعة البستان حيث قام بتنفيذ عمل غير مطابق للشروط والمواصفات المطلوبة وقام أصحاب العمل بتقديم شكوى إلى الحاخام الذي كان يسمى الجمل ومن ثم قام الحاخام بتعيين خبيرين من النجارين لمعاينة العمل و الإدلاء برأيهما وقاما بالمعاينة واتضح بالفعل أنه غير مطابق للمواصفات وأنه يحتاج لتصليح ومن ثم حكم على النجار بدفع مقابل لتصليح أو يقوم بتصليحها أو يستأجر أحدا من النجارين لتصليحها.
وقد عملت النساء اليهوديات في اليمن في مهنة الخياطة فقمن بالخياطة والتطريز فيما يخص ملابس النساء وكذلك عمل الرجال من اليهود في هذه المهنة أيضا حيث خيطوا الملابس للرجال المسلمين وكذلك عملوا في صناعة الأحذية حيث مارسوها كعمال جوالين إذ كانوا يقومون بحمل لوازمهم وأدوات العمل وقطع الجلد لتصنيع الأحذية وكانوا يأخذون أجورهم سلعا تموينية وعرفوا أيضا بالصناعات الجلدية حيث صنعوا الحقائب و الجعب وخراطيم المياه للري.
مارس يهود اليمن أيضا مهنة صباغة الأقمشة حيث استخدم للصباغة الدودة الحمراء والدودة السوداء وكانت تتم الصباغة على مراحل حيث يتم صبغ قطعة القماش بالدودة ثم تغلى بالماء الساخن ثم بعد ذلك يغسل القماش بالماء النظيف ثم ينشر ويلف جيدا بعد الجفاف وكانت تجري تلك المراحل مع جميع ألوان الصبغات باستثناء الزاج وهو القماش الأسود حيث يتم صبغه بتغطيسه فقط.
واقتصرت صناعة الفخار في اليمن على اليهود حيث توجد أحياء كثيرة في منطقة الساحل يعمل جميع سكانها في هذه الصناعة ففي الشرق من مدينة صنعاء وجدت مراكز لصناعة الفخار وفي الجنوب من قرية ريده حيث يوجد القرية اليهودية التي اشتهرت بجودة صناعة الفخار وأيضا في قريتي خولا وعتمة وكذلك في الشمال من صنعاء وجد في قاع اليهود جماعة يقومون بتصنيع الفخاريات مثل الإبريق والمشربيات.
كان يستخدم في هذه الصناعة خليط من التربة الغضارية والتبن واستخدم في تسويته ومعالجته قطعا من القماش المبلل بالماء تلف فيه جيدا وكانت النساء تقوم بصناعة أسطوانات طولية الشكل من هذا الخليط ومن ثم يضغط عليها بقطعة من الخشب أو ريش دجاج أو بالإصبع وكانت كل قطعة تصنع بشكل منفرد فعلى سبيل المثال صناعة الإبريق حيث يصنع الإبريق أولا ثم رقبة الإبريق ثم اليد الماسكة له وصنعوا أيضا الزبادي والمكوز والقدور الفخارية لطهي الطعام.
عرف اليهود أيضا صناعة الأحجار الجص "الجبس" حيث كانوا يقومون بحرق هذه الأحجار ثم يتم طحنها إذ تميز هذا النوع من الحجارة بالتماسك والالتصاق حيث كان يمكن الاستناد عليه بدون تأثر الملابس به وعملا الرجال والنساء في هذه الصناعة في مكان يسمى الغراس في الشرق من مدينة صنعاء.
وكانت النساء اليهوديات يقومن بصناعة المكانس من القش حيث يقمن بتنسيره وتقطيعه ويصنعن أيضا الصواني التي يقدم عليها الطعام "المناسف" والأوعية التي يوضع بها الطعام "ربعات" وكان يتم حياكته ممن الجنديد وهو الحشيش الذي لا يوجد به أوراق وهو نحيف ومتين الساق قد يصل طوله إلى أقل من متر.
قام أيضا اليهود بصيد الأسماك حيث تعتبر من العناصر الغذائية المهمة لليهود وأيضا مصدر للدخل لأنهم كانوا يقومون بتمويل سوق صنعاء بالأسماك التي كان يتم صيدها من ينابيع نهر الجوف وتخصص أيضا بعض من اليهود في صيد الحيتان حيث قاموا بابتكار طريقة خاصة بهم لصيدها حيث كانوا يأتون بمادة مخدرة يتم خلطها مع دقيق الشعير ويتم تغريف هذا المزيج في أماكن محدودة من النهر وعندما تشم الحيتان رائحة هذا الخليط أو تأكل منه تقل حركتها ومن ثم يصل صيدها وكان من أشهر الأنهار التي يتواجد بها الحيتان نهر الخارد وهو نهر يمتد من بلاد أرحب وكان يوجد بها لذو أجود أنواع الحيتان ونهر سردود ومنبعه من بلاد الحيمة ونهر النابعة ومنبعه من بلاد الحدا حيث كان اليهود يرحلون إلى هناك في الشتاء لصيد الحيتان.
عرف يهود اليمن أيضا صناعة التنباك المطحون أو المسحوق وهو الذي يستخدمها الإنسان بالمضغ عن طريق الفم أو يتم استنشاقه عن طريق الأنف كان يتم جلبه من مدينة عدن والسويس بمصر ويتم طحنه بالمطاحن اليدوية ويضاف له نوعا من التراب يسمى دقدقة يتم تصنيع كميات كبيرة منه ويتم توزيعه على سكان اليمن وخاصة القبائل البدوية حيث يتم تقديمه كنوع من أنواع الضيافة فيما بينهم وعندما سئلت النساء اليهوديات على أجره نقل نبلغ 8 قروش سورية وتعتبر هذه الصناعة من الصناعات المضرة للصحة سواء لمن يقوم بصناعتها أو مستخدميها.
أما عن التجارة فقد اقتصرت على اليهود في اليمن وخاصة في مدينة عدن كونها ميناء بحريا مهما حيث أصبحت بوابة لتجارة يهود صنعاء ومعظم مدن اليمن وخاصة بعد الاحتلال البريطاني لها عام 1839 حيث سيطرت بعض العائلات اليهودية على معظم المرافق التجارية والمصارف وتجارة الجملة وظهر عدد من المحلات التجارية في حي فعرف باسم ستيمر بوينت حيث يتردد عليها التجار القادمين من جميع أنحاء البلاد وكذلك الفقراء من اليهود الذين عملوا فيها حيث شكل هذا العدد فارقا كبيرا لدعم احتياجهم للعمالة اليهودية بالنسبة للأغنياء من اليهود ممن سيطروا على الأنشطة التجارية والاقتصادية في عدن.
لقد اشتغل يهود اليمن في الشمال في تجارة الجملة وخاصة في صنعاء وريدة وصعدة وبريم وخب حيث كانوا يستوردون البضائع ويقومون بتوزيعها على الأسواق الداخلية وسيطروا على تصدير الجلود والأحجار الكريمة والقهوة إلى الخارج حيث كانوا في البداية يقومون بجمعها وإرسالها إلى يهود عدن ومن ثم تتولى عدن تصديرها للخارج.
ولقد مارس التجار اليهود في صنعاء عملية تخزين البضائع و السلع القابلة للتخزين حيث كانوا ينتظرون حتى ترشح من الأسواق ثم يقومون بعرض جزء منها في الأسواق المحلية بسعر مرتفع مما جعل يهود صنعاء في منافسة وفرض لشروطهم بشكل دائم مع تجار اليهودي في عدن ومن ثم قاموا بعملية تبادل السلع وتقديم التسهيلات فيما بينهم ومثال على ذلك قيام يهود صنعاء بتصدير القهوة في مقابل ضمانات تسهل لهم استيراد التنباك الفارسي وأيضا قدم لهم يهود عدن تسهيلات لاستيراد الأقمشة من بومباي والتوابل من الهند وإنجلترا وبسبب ذلك ترابط كون اليهود شبكة من العلاقات التجارية للطائفة اليهودية في اليمن ومن ثم تكوين علاقات وتجمعات مع اليهود في منطقة الخليج العربي.
ومن مظاهر تفوق التجار اليهود في عمليات الاستيراد انفرادهم بمجموعة كبيرة من السلع أو البضائع عن غيرهم من تجار المسلمين في اليمن حيث انفردوا باستيراد الصايات الحريرية والديما وهي من مصنوعات مدينة حلب وكذلك أقمشة الشيت والكتان والصوف والجوخ والقطن من فرنسا وبريطانيا.
وقد وجد ثلاثة أنواع من الأسواق في اليمن ما بين أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن ال20 حيث تعتبر الأسواق عصب الحياة الاقتصادية في أي دولة وهي كالآتي:
السوق الثابت وهو الذي يفتح بشكل يومي ويمتلئ بالحركة الدائمة من السكان والتجار سواء المحليين أو الوافدين من الخارج.
السوق الأسبوعي وهو الذي يفتح في يوم محدد من أيام الأسبوع ويختلف اليوم من مدينة لأخرى حيث يوجد سوق الثلاثاء وأيضا سوق الخميس في ذمار.
السوق الموسمي وهو يفتح بشكل أسبوعي ويقام مرة واحدة كل شهر أو أكثر ولا يرتبط بمكان أو مدينة معينة ويتم إقامته في الهواء الطلق وكان للتجار اليهود دورا واضحا ومميزا في تشغيل تلك الأسواق بسلعهم المتواجدة بشكل دائم.
كانت هذه الأسواق مهمة بالنسبة للتجار اليهود أصحاب الحرف الصغير حيث لا يستطيع بيع إلا جزءا بسيطا في مكان إقامته لذلك كان ينزل لتلك الأسواق لبيع ما يتم إنتاجه خلال أسبوع وكانت تلك الأسواق يرأسها كبار التجار اليهود الأغنياء.
ولقد شكل سوق صنعاء جانبا مهما للحياة الاقتصادية في اليمن حيث جمع به مخازن ومستودعات السلع المتبقية على الاحتياج المحلي وجميع السلع المستوردة والسلع الجاهزة للتصدير ووجد بداخله مئات المحلات للعرض والورشات والمشاغل حيث يمتلك يهود صنعاء ما لا يقل عن 100 ورشة ومحل تجاري ووجد بصنعاء أيضا سوق القاع الذي يوجد به أكثر من 60 محلا تجاريا واقتصرت ملكية المحلات به على اليهود فقط ووجد بها أيضا سوق العنب و الحذائين و الزياتين والعطار وسوق القماش.
عمل على القليل من يهود اليمن في الزراعة وخاصة في زراعة العنب والتمر في مدينة أرحب كما امتلكوا عددا من القرى في منطقة درب الحنشات قاموا بحرثها وزراعتها وبيع إنتاجها وكونوا منها ثروة كبيرة وقد قدمت بعض القبائل العربية في نجران بعض الأراضي لليهود على سبيل الهبة والبعض الآخر منهم استطاع شراء الأراضي الصالحة للزراعة وعمل بها ولم يلزموا بدفع الأجرة عن الأراضي السابق ذكرها لأن القانون الزيدي يمنح أخذ العشرة من أهل الذمة آنذاك ولقد عرف يهود نجران بزراعة شجر النخيل حيث تنتج النخلة الواحدة ما يتراوح من 15 إلى 16 عنقودا وعرفوا أيضا بزراعة العنب والتين.
وفي أوائل القرن ال20 أصدر الإمام يحيى قرارا بتشجيع الزراعة ولقد استغل اليهود الأثرياء باليمن هذا القرار حيث قدم الحاخام سالم سعيد الجمل فكرة مضمونها زراعة نوع من التوابل وهو الفلفل شديد الحرارة وينمو بسرعة ولا يحتاج لمياه وفي رأيه ورحب الإمام يحيى بهذه الفكرة وما لبث أثرياء اليهود أن قاموا بزراعة مساحة واسعة منه حيث أغلقت عليهم أموالا كثيرة بجانب انتشار تجارتهم بجميع الأسواق اليمنية.